زيارة بلينكن للصين.. الأسباب وسر التوقيت
عززت قوتها ووجودها الدولي... لماذا لا تريد الصين نتائج إيجابية من زيارة بلينكن؟

السياق
بعد أشهر من التجميد الدبلوماسي، إثر اكتشاف منطاد صيني على ارتفاع عالٍ يطفو فوق الولايات المتحدة، ما أدى إلى خروج رحلة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين في فبراير الماضي عن مسارها، يواجه المسؤولون الصينيون والأمريكيون فجوة كبيرة بين مصالح الجانبين ومواقفهما.
تلك الفجوة يأمل وزير الخارجية الأمريكي، أن تسهم زيارته المتوقعة إلى بكين، في تجنُّب الحسابات الخاطئة، في موازاة السعي إلى مساحات تفاهم.
فقبيل مغادرته واشنطن إلى الصين، قال بلينكن إن الزيارة تهدف إلى «فتح خطوط اتصال مباشرة بحيث يتمكن بلدانا من إدارة علاقتنا بشكل مسؤول عبر تناول بعض التحديات والرؤى السيئة، وتجنُّب الحسابات الخاطئة».
ويغادر بلينكن واشنطن مساء متجهًا إلى بكين -الأحد والاثنين- لإجراء سلسلة لقاءات مع المسؤولين الصينيين، في رحلة قال عنها إنه يعتزم «إبراز مصالح الولايات المتحدة وقيمها (...) والتعبير عن قلقنا حيال عدد من الموضوعات في شكل مباشر وصريح».
ويقول وزير الخارجية الأمريكي، إن الهدف أيضًا «استطلاع إمكان التعاون مع بكين للتعامل مع التحديات العالمية مثل التغير المناخي ومكافحة المخدرات المصنعة»، موضحًا أن «تنافسًا شديدًا يتطلب دبلوماسية كثيفة لضمان عدم تحوله لمواجهة أو نزاع».
فـ«العالم ينتظر تعاونًا بين الولايات المتحدة والصين»، يقول أعلى مسؤول أمريكي يزور بكين منذ عام 2018، مشيرًا إلى أنه سيبحث مع السلطات الصينية ملف اعتقال أمريكيين في الصين.
نقاط خلاف
وتتعدد نقاط الخلاف بين القوتين اللتين تخوضان منافسة شرسة، من مسألة تايوان مرورًا بالمطالبات الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي، وصولًا إلى معركة الرقائق الإلكترونية.
تأتي زيارة بلينكن للصين بأعقاب اجتماع في نوفمبر الماضي، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا.
من جهته، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، الولايات المتحدة -الجمعة- إلى العمل على تحسين العلاقات بين البلدين، قائلًا إن «الولايات المتحدة ترى الصين منافستها الرئيسة... وهذا خطأ استراتيجي في التقدير».
ويرى متحدث «الخارجية الصينية»، أن المطالب الأمريكية يجب ألا تتعارض مع حق الصين المشروع في أن تتطور، مضيفًا: «إنها ليست منافسة مسؤولة، بل مضايقات غير مسؤولة ستدفع البلدين فقط نحو المواجهة».
هل تسفر زيارة بلينكن عن نتائج؟
يقول وانغ يونغ، مدير مركز الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة بكين، إن الصين ليس لديها أمل في هذا الاجتماع، مشيرًا إلى أن بكين لا تأمل أن تسفر زيارة بلينكن عن أي نتائج ذات مغزى.
وفي مكالمة هاتفية مع بلينكن- الأربعاء- قال وزير الخارجية الصيني تشين جانج إنه «من الواضح أين تكمن المسؤولية» عندما يتعلق الأمر بالتحديات التي تواجهها العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.
وتقول «واشنطن بوست»، إنه يقف وراء الاستقبال الفاتر في الصين شعور جديد بالثقة، فعلى مدى أشهر، استضافت الصين قادة العالم -بمن فيهم شركاء الولايات المتحدة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين- وتوسطت بنجاح في صراعات مثل الخلاف السعودي الإيراني.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن بكين عرضت أن تفعل الشيء نفسه في أزمة أوكرانيا، ونصبت نفسها على أنها صانعة سلام في إحباط للولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه -الشهر الماضي- سافر ممثلها الخاص لشؤون أوراسيا، لي هوي، إلى أوكرانيا وروسيا لتقديم اقتراح الصين لإنهاء الصراع.
وهذا الأسبوع، استضاف شي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بكين، عارضًا خطة من ثلاث نقاط لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بينما افتتحت هندوراس سفارة في بكين –الأحد- بعد قطع العلاقات مع تايوان للاعتراف بالصين في مارس.
ويقول تشاو مينغاو، الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي، إن الصين «حققت تقدمًا دبلوماسيًا، وفي ظل هذه الظروف قد تشعر بأن هذه هي الظروف المناسبة للتعامل مع الولايات المتحدة».
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه حتى في الوقت الذي تحاول بكين إقامة نظام عالمي منفصل لا تهيمن عليه الولايات المتحدة، لا تزال الصين بحاجة، وتريد الاستثمار والتجارة الأمريكية.
وتواجه الصين تباطؤًا في النمو وفي قطاع العقارات ومستويات قياسية لبطالة الشباب وتقلصًا للاستثمار الأجنبي، ما أدى إلى خفض البنك المركزي الصيني هذا الأسبوع أسعار الفائدة الرئيسة.
هذا جزء رئيس من سبب مغازلة المسؤولين الصينيين للمديرين التنفيذيين مثل بيل غيتس، الذي التقى شي –الجمعة- بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن شي أخبر غيتس خلال اجتماعهم بأن المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، كان أول أمريكي صديق التقاه في بكين هذا العام، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية الصينية.
وقال تشاو من جامعة فودان: «تأمل الصين أن تتحسن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة جزئيًا للمساعدة في انتعاشها الاقتصادي والتحديات الاقتصادية الأخرى».
لكن الفصل بين السياسة والأعمال صعب، فالأسبوع الماضي، قالت "سيكويا كابيتال"، المستثمر الأول في شركة ByteDance الأم لشركة «تيك توك»، إنها ستقسم عملياتها في الصين والولايات المتحدة إلى شركتين منفصلتين، بينما تواجه منصة الفيديو في كل مكان قيودًا وحظرًا مختلفة في الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
في الوقت نفسه، يرسل المسؤولون الصينيون رسائل مختلطة، فالمداهمات لشركات العناية الواجبة العاملة في الصين، مثل Mintz Group و Bain & Company، جعلت الشركات الأجنبية الأخرى متوترة.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الإصلاح الأخير لقانون التجسس في البلاد، أدى إلى قلق المديرين التنفيذيين الأجانب، من أن العمليات التجارية العادية يمكن أن تكون غير قانونية.
من جانبها، لم تجعل إدارة بايدن بيئة التواصل أسهل، فيوم الاثنين، أدرجت أكثر من 30 شركة صينية في القائمة السوداء، لبيعها التكنولوجيا الأمريكية للجيش الصيني، ومن المتوقع أن تضع قيودًا جديدة على الاستثمارات الأمريكية في الصين، إضافة إلى حظرها بيع أشباه الموصلات الأمريكية المتقدمة إلى الصين.
وقال تشاو نقلاً عن حملة حكومية اكتسبت الإلحاح، حيث يصر المسؤولون الصينيون على أن البلاد منفتحة مرة أخرى للأعمال التجارية: «سيساعد تخفيف العلاقات مع الولايات المتحدة هدف الحكومة المتمثل في تجارة خارجية مستقرة واستثمار أجنبي مستقر».
هذا هو أحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الصينيين يلتقون مسؤولي التجارة الأمريكيين، بينما يمنحون مسؤولي الدفاع والسياسة البرد.
والتقى وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو وزيرة التجارة جينا ريموندو والممثلة التجارية كاثرين تاي، في الولايات المتحدة، الشهر الماضي.
وقال يون صن، مدير برنامج الصين في واشنطن ومقره واشنطن: «وافقت بكين على الزيارة لأنها على ما يبدو الشيء الوحيد الذي يمنع عديد الأشياء الأخرى، مثل الحوارات على مستوى العمل وزيارات أعضاء مجلس الوزراء الآخرين».
هل من أهداف أخرى؟
وأضافت: «من المهم أيضًا ألا تبدو الصين كأنها التي ترفض الحوار، خاصة عندما كانت الولايات المتحدة تضغط من أجله»، مشيرة إلى أنه بالنسبة للصين، فإن الرحلة تمهد الطريق لزيارات أخرى للمسؤولين الأمريكيين، مثل المبعوث الخاص للمناخ جون كيري أو وزيرة الخزانة جانيت إل يلين، التي استحوذت ملاحظاتها على أن الانفصال عن الصين سيكون خطأً في جذب معجبيها بالصين.
وقالت يلين في جلسة استماع للجنة الخدمات المالية بمجلس النواب، الثلاثاء: «أعتقد أننا نربح والصين تكسب من التجارة والاستثمار المفتوحين قدر الإمكان وسيكون كارثيًا بالنسبة لنا لمحاولة الانفصال عن الصين».
وأخبرت وزيرة الخزانة جانيت إل يلين لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب -هذا الأسبوع- بأنه سيكون من «الكارثي» أن تحاول الولايات المتحدة الانفصال عن الصين.
كما يتطلع المسؤولون الصينيون إلى حضور الرئيس شي اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) بسان فرانسيسكو في نوفمبر المقبل، حيث قد يجتمع مع بايدن، بعد أن ساعد اجتماعهما الأخير في نوفمبر على هامش قمة مجموعة العشرين ببالي في تخفيف التوترات.
وقال وانغ الأستاذ بجامعة بكين: «إذا كان هناك أمل في أي نتائج ملموسة من هذه الزيارة، فقد تكون إشارة إلى أن الزعيم الصيني سيزور الولايات المتحدة لحضور منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ»، إلا أنه لكي يحدث ذلك، فإن زيارة بلينكن تحتاج إلى ظروف أكثر إيجابية.
ولم يذكر المسؤولون الصينيون أي تفاصيل عن زيارة بلينكن، فبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، يجتمع بلينكن بكبار المسؤولين الصينيين الأحد والاثنين، بمن فيهم وزير الخارجية تشين.
وقالت جيسيكا تشين فايس، الأستاذة بجامعة كورنيل: «نظرًا للمستويات الحالية من عدم الثقة والتوتر في العلاقة، فإن النتيجة الجيدة ستكون فهمًا أفضل لمخاوف كل جانب والخطوط الحمراء، إضافة إلى تقدم متواضع في مجالات الاهتمام المتداخلة، مع التركيز على العلاقات الأمريكية الصينية».
نقاط شائكة
ووفقًا لوانغ من جامعة بكين، فإن الصين لديها أيضًا مجالات يمكن أن تتنازل فيها وتتعاون، وتشمل هذه الجهود تغير المناخ والصحة العامة ومكافحة المخدرات.
إلا أنه مع ذلك، فإن إحدى النقاط الشائكة الحاسمة بالنسبة لبكين، استمرار دعم الولايات المتحدة لتايوان، التي تخشى الصين زيادة وتقويض التزام الولايات المتحدة بسياسة «الصين الواحدة».
وتعترف تلك السياسة بجمهورية الصين الشعبية كحكومة شرعية وحيدة للصين، لكنها لا تقبل مطالبات بكين بشأن تايوان.
وقال لاو سيو كاي، الأستاذ الفخري لعلم الاجتماع بالجامعة الصينية في هونغ كونغ، إن «الصين ليس لديها أي وهم بشأن تغيير الولايات المتحدة لموقفها بشأن تايوان (...) من دون أي إمكانية لسد الفجوة بين الجانبين بشأن هذه القضايا، فإن أي تقارب مستحيل».