في الانتخابات التركية... ماذا لو خسر بوتين حليفه أردوغان؟

هزيمة أردوغان -في انتخابات الأحد- قد تحول السياسة الخارجية التركية غربًا وتؤدي إلى توتر علاقات أنقرة بموسكو، لكن المشاعر المعادية للولايات المتحدة، في تركيا، ستظل تحديًا للمعارضة.

في الانتخابات التركية... ماذا لو خسر بوتين حليفه أردوغان؟

ترجمات - السياق

هناك من يتصور أن نتائج الانتخابات التركية، الأحد المقبل، ينتظرها الداخل فقط، وإنما في حقيقة الأمر، فإن العالم -بشقيه الغربي والشرقي- يترقب ما تؤول إليه الأوضاع.

وبينما تعد أنقرة، أحد أهم دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإنها أيضًا في زمن رجب طيب أردوغان، حليف موثوق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فماذا لو خسر "قيصر موسكو"، حليفه "سلطان اسطنبول"؟

هزيمة أردوغان -في انتخابات الأحد- قد تحول السياسة الخارجية التركية غربًا وتؤدي إلى توتر علاقات أنقرة بموسكو، لكن المشاعر المعادية للولايات المتحدة، في تركيا، ستظل تحديًا للمعارضة.

الكاتب المتخصص في الشؤون الدولية، محمد حسن سويدان، سلّط الضوء على الدور الكبير الذي لعبه أردوغان لدعم بوتين، خصوصًا خلال الحرب الأخيرة الدائرة في أوكرانيا، وتساءل عن الموقف الذي من الممكن أن تتخذه المعارضة التركية، حال فوزها في الانتخابات المقبلة، وهل تختار الجانب الغربي، أم الشرقي؟

وأشار -في تحليل نشرته مجلة ذا كرادل الأمريكية- إلى أنه خلال حفل في 27 أبريل الماضي، بمناسبة تسليم وقود نووي روسي الصُنع إلى محطة أكويو للطاقة النووية جنوبي تركيا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمه لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 14 مايو.

وخلال مشاركتهما في الحدث، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، قدم بوتين لأردوغان -الذي يواجه أصعب انتخابات على الإطلاق- هذه الهدية السخية التي تسبق الاقتراع بأيام معدودة، ورغم هذا التأييد النادر، فإن الكاتب تساءل: "هل لدى بوتين ما يخسره حتى لو هُزم أردوغان؟".

 

الحضن الأمريكي

ونوّه سويدان، إلى أنه حال خسارة أردوغان للانتخابات، فإن المعارضة قد تسلك طريقًا آخر، بالعودة إلى الحضن الأمريكي، حسب وصفه.

وأوضح، أنه لأكثر من عام، كان قادة المعارضة التركية يقدمون مبادرات ودية تجاه الغرب.

واستشهد ببيان ائتلاف المعارضة المكون من ستة أحزاب، الذي أكد أهمية استعادة "الثقة المتبادلة" مع الولايات المتحدة، وتحقيق العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، والرغبة في العودة إلى برنامج إنتاج الطائرات المقاتلة إف35 متعدد الدول، الذي طردت منه تركيا عام 2019 بعد شرائها صواريخ إس400 الروسية.

وأشار الكاتب إلى أنه رغم هذا التواصل الغربي، فإنه من غير المرجح أن تؤدي الرئاسة الجديدة، بقيادة مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو -حال فوزه- إلى تغيير كبير في السياسة الخارجية التركية، خصوصًا في ما يتعلق بالخلافات بين أنقرة وواشنطن على بعض القضايا الحاسمة، مثل استعادة تركيا للعلاقات مع سوريا واعترافها بجمهورية قبرص.

فمن وجهة نظر واشنطن، يُعد انتخاب رئيس تركي يتشارك الرؤية نفسها مع الولايات المتحدة في القضايا الرئيسة، أمرًا بالغ الأهمية، لاسيما في سياق منافستها بين القوى العظمى مع خصومها روسيا والصين.

وفي هذا الصدد، أشارت المعارضة التركية إلى نيتها تحسين علاقات أنقرة مع الناتو والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا في العلاقات التركية الروسية الوثيقة، التي أقامها أردوغان على مدى السنوات الماضية.

 

مشاعر معادية

يتوقع بعض المراقبين أنه إذا خسر أردوغان التصويت في 14 مايو، فإن التغيير الأكثر أهمية في تركيا، سيكون مرتبطًا بالسياسات الأمنية والدفاعية.

ومن المتوقع أن تركز المعارضة التركية على مواءمة هذه السياسات بشكل أفضل، مع متطلبات عضوية تركيا في "الناتو"، الأمر الذي سيؤدي إلى دور أكثر شمولاً لأنقرة داخل الحلف.

ويشمل ذلك -وفق سويدان- الموافقة على انضمام السويد إلى "الناتو"، والمشاركة بنشاط أكبر في نشر قوات الحلف بأوروبا الشرقية، وتطوير هيكل دفاع صاروخي متوافق مع الحلف الأطلسي.

ومع ذلك، قد يكون التحدي الأكبر للمعارضة، أن أغلبية الناخبين الأتراك لديهم آراء سلبية تجاه الولايات المتحدة.

وأشار الكاتب إلى أن هذا الشعور السلبي تجاه الولايات المتحدة، ساعد أردوغان في التعبئة والحفاظ على قاعدة تصويته، من خلال تبنيه للخطاب المعادي للغرب، الذي يتحدى واشنطن.

واستشهد بأحد الأمثلة على ذلك، مشيرًا إلى أنه في 4 مايو الجاري، خلال تجمع حاشد بمدينة غيرسون على البحر الأسود، شجب أردوغان دعم المعارضة للقضايا الليبرالية، قائلاً: "نحن ضد مجتمع الميم"، مضيفًا أن "الأسرة مقدسة بالنسبة لنا... الأسرة القوية تعني أمة قوية... بصرف النظر عما يفعلونه، يكفينا الله".

ووفقًا لاستطلاع مؤسسة جيزيغي التركية في يناير، يعد نحو 90% من الأتراك الولايات المتحدة عدوًا، بينما يُفضل 72.8% إقامة علاقات جيدة مع روسيا.

ومن ثمّ إذا وصلت المعارضة إلى السلطة، فإن جهودها لتحسين العلاقات مع الغرب ستواجه تحديات جمة، بسبب صعوبة تحويل المشاعر الراسخة المعادية للغرب داخل المجتمع التركي.

وأرجع سويدان، ترسخ المشاعر المعادية للغرب، إلى "الخطاب الشعبوي الناجح لحزب أردوغان العدالة والتنمية وقدراته القوية على التعبئة".

وأشار إلى أن فوز كيليتشدار أوغلو قد يعني تغيرًا ملحوظًا في علاقات أنقرة مع موسكو، خصوصًا أن هدف المعارضة التركية إعادة تعزيز العلاقات مع الغرب.

ومع ذلك، سيكون من المهم لتحالف كيليتشدار أوغلو أن يمضي بحذر في التقارب مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، إذ إن "آخر ما يريده الأتراك هو التصادم مع قوة عظمى يعدها معظم الأتراك صديقًا لإرضاء قوة عظمى أخرى، يرى معظمهم أنها عدو" حسب وصف الكاتب.

لكن المعارضة التركية ستكون أيضًا تحت ضغط غربي كبير ومستمر لاختيار جانب، وتقوية الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وزيادة الضغط على موسكو، وسد الثغرات المحتملة في العقوبات، التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا.

وقد تكون إحدى نقاط التوتر المحتملة بين أنقرة وموسكو، قرار المعارضة بالتخلي عن نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس400 في محاولة لاسترضاء الغرب واستعادة دور تركيا في برنامج الطائرات الأمريكية إف35.

وردًا على ذلك، قد تطبق موسكو تكتيكات ضغط، لعرقلة توجه المعارضة التركية نحو الغرب، باستخدام نفوذها على إمدادات الغاز إلى تركيا، التي تستفيد ماليًا من نقل الغاز الروسي، ومحطة الطاقة النووية التي تديرها روسيا، والسياحة الروسية، والواردات الزراعية من تركيا.

 

هل تتخلى أنقرة عن ميلها الشرقي؟

مع اشتداد المنافسة بين واشنطن وحلفائها من جهة، وموسكو وبكين وحلفائهما من جهة أخرى، يمكن أن تكون لتحالف تركيا المتزايد مع حلف شمال الأطلسي، تداعيات سلبية على الأوراسيين.

وحسب سويدان، يدرك كيليتشدار أوغلو وفريقه، التكلفة العالية المحتملة لاستعداء دول مثل الصين وإيران.

وأشار إلى أن الصين قوة اقتصادية كبرى، تعمل بنشاط على تعزيز مشاريعها الاستثمارية في العالم، وتركيا -مثل جميع الدول الصاعدة التي تحتاج إلى رأس مال استثماري- لن ترغب في تجاوزها من قِبل بكين.

وفي الوقت نفسه، إيران هي الجار المباشر لتركيا وتربطها بها روابط ثقافية ودينية واقتصادية واجتماعية قوية، ولعل هذا هو السبب الذي جعل تحالف المعارضة التركي يرفض ذكر إيران في برنامجه الانتخابي.

وفي ما يتعلق بسوريا، تحرص المعارضة على إعادة العلاقات مع دمشق، للمساعدة في حل أزمة اللاجئين السوريين وتأثيرها الاقتصادي الداخلي الحاد.

فقد أظهر استطلاع للرأي في تركيا أن 56.1 في المئة من الأتراك يعتقدون أن أكبر مشكلة في البلاد، الوضع الاقتصادي المتدهور.

لذلك، من الطبيعي أن تكون الخطوة الأولى للحكومة الجديدة، تحسين الوضع الاقتصادي، من خلال التحرك بسرعة لحل خلافاتها مع سوريا.

علاوة على ذلك، فإن تطبيع العلاقات مع دمشق -وهو أمر ضروري الآن، بالنظر إلى تصويت جامعة الدول العربية في 7 مايو للترحيب بعودة سوريا إلى الحضن العربي- يترك الباب مفتوحًا لعلاقة إيجابية مع روسيا وإيران.

كانت الخطابات التي ألقاها بوتين وأردوغان، في حفل محطة أكويو للطاقة النووية، مليئة بعبارات الصداقة، فضلًا عن أنهما تبادلا علاقة شخصية أثبتت أنها مفيدة للبلدين خلال العقدين الماضيين، بفضل ما يُشار إليه غالبًا بـ "دبلوماسية القيادة".

ويرى الكاتب أنه نتجت عن هذه العلاقة الوثيقة مكاسب كبيرة للبلدين، بما في ذلك زيادة التعاون الاقتصادي، ودعم روسيا لتركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وموقف أنقرة المعتدل من الصراع الأوكراني، ورفضها الامتثال للعقوبات الغربية ضد روسيا، وتحول تركيا -بمباركة بوتين- إلى مركز للغاز في أوراسيا، وهو طموح جغرافي اقتصادي تركي قديم.

وأضاف: "يدرك بوتين أن هذه المكاسب قد تتبدد إذا خسر صديقه العزيز أردوغان الانتخابات الرئاسية، ولهذا أكد الرئيس الروسي أن النجاحات التي تحققت في تركيا، لم تكن لتتحقق لولا وجود أردوغان في السلطة".

وشدد سويدان، على أن "نتيجة انتخابات 14 مايو لن تكون حدثًا عاديًا للقوى العظمى، حيث يمكن أن تؤدي النتائج إلى تحول كبير في السياسة الخارجية، لإحدى أبرز القوى الإقليمية غربي آسيا".