كيف حافظ ترامب على سلامة الأمريكيين من دون حرب؟

نهج ترامب البديهي يعني شيئًا خاصًا بأعداء أمريكا، مفاده أن هناك دائمًا احتمالًا بأنه سيستخدم العنف الساحق والصادم، إذا شعر بأنهم أساؤوا أو أذلوا الولايات المتحدة.

كيف حافظ ترامب على سلامة الأمريكيين من دون حرب؟

ترجمات - السياق

من مهمة أفغانستان، التي تحولت إلى أطول حرب أمريكية، إلى بناء الدولة في العراق وما وراءه، حروب عدة حملت كثيرًا من المعاناة و«الأذى» للجنود الأمريكيين، إلا أن هذه الحقائق القاسية لم تمنع معظم الرؤساء الأمريكيين -في التاريخ الحديث- من إرسال الجنود للموت، في صراعات يصعب تبريرها.

ورغم ذلك، فإن السناتور جي دي فانس، كان محقًا في الإشادة بأعظم نجاح سياسي لترامب، لأنه لم يبدأ أية حرب، بحسب صحيفة ذا ناشيونال إنترست، التي قالت إنه لا تفسير لكيفية تحقيق ترامب ذلك، لكنه بالتأكيد لم يكن بسبب المشاعر السلمية.

ورغم ارتباطه العاطفي العميق بالقوات الأمريكية، فإنه -بعد شهرين فقط من رحلته الأولى إلى دوفر- أطلق تسعة وخمسين صاروخ توماهوك كروز على سوريا، رداً على هجوم من النظام السوري.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن نهج ترامب البديهي يعني شيئًا خاصًا جدًا بأعداء أمريكا، مفاده أن هناك دائمًا احتمالًا بأنه سيستخدم العنف الساحق والصادم، إذا شعر بأنهم أساؤوا أو أذلوا الولايات المتحدة.

وأشارت إلى أن «الوحشية غير المقيدة بدقة لا تتناسب مع العبارات الملطفة المفضلة لدى نخبة السياسة الخارجية، مثل القتل المستهدف والعمل العسكري الحركي، لكن بصرف النظر عما تسميه، فقد ثبت أنها قيد فعال على أعتى أعداء أمريكا».

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إنه عندما اقترح مستشارو ترامب العسكريون قائمة من الخيارات، للتعامل مع قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، الذي كان يخطط بنشاط لمزيد من الهجمات ضد الأمريكيين، اختار الحل الأكثر عدوانية.

فمنتصف الليل، بينما كان سليماني يُنقل بعيدًا عن مطار عراقي، أطلقت طائرة أمريكية من دون طيار من طراز MQ-9 Reaper صاروخ هيلفاير مزقه إلى أشلاء، مع عديد من أعضاء النخبة في الحرس الثوري الإيراني.

 

حافة صراع كبير

كانت هذه الخطوة استفزازية، لدرجة أن جو بايدن حذر من أنها قد تدفع الشرق الأوسط إلى «حافة صراع كبير»، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنها لم تفعل.

وذكرت أنه رغم ذلك، فإن ترامب ضاعف موقفه، محذرًا الإيرانيين من أن الولايات المتحدة استهدفت 52 موقعًا إيرانيًا (تمثل 52 رهينة أمريكية اختطفتهم إيران منذ سنوات)، بعضها على مستوى عالٍ جدًا ومهم لإيران والثقافة الإيرانية، موضحًا أنهم إذا ردوا بإيذاء الأمريكيين، فسيتضررون بشدة وبسرعة كبيرة.

بمعنى آخر، لم يكن هناك ما يخبرنا بما قد يفعله، فالشيء الوحيد الذي يمكنهم -وغيرهم من الخصوم الأمريكيين- التأكد منه، هو أنهم إذا تجاوزوا عتبة ترامب، لن يمر بعملية سياسية شاقة لمعرفة كيفية الرد، بحسب الصحيفة الأمريكية.

لسوء الحظ، تصاعدت الهجمات الإيرانية بشكل كبير منذ أن تولى الرئيس بايدن منصبه، ففي الآونة الأخيرة، أسفر هجوم بطائرة مسيرة إيرانية في سوريا -الأسبوع الماضي- عن قتل أمريكي وإصابة ستة.

وردت إدارة بايدن بما سمته «العمل المتناسب والمتعمد» بضربة جوية ضد منشآت الميليشيات المدعومة من إيران، إلا أن القوات الوكيلة لإيران ردت في اليوم التالي بشن هجمات على القوات الأمريكية.

ورغم عدم وقوع إصابات، فقد كان ذلك مؤشرًا واضحًا على أنهم قدّروا في استجابة إدارة بايدن، التي يمكن توقعها، أنها مجرد تكلفة لممارسة الأعمال التجارية.

ويتحسر منتقدو ترامب -حال تهديده للمواقع الثقافية الإيرانية، وحتى مسؤولو حكومته- على افتقاره لضبط النفس والاستعداد لنشر قوة عظمى، لكن هذا النهج له جذور عميقة في تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية ويحافظ عليها، مفادها القبضة القوية على النفس الأمريكية.

ويقول والتر راسل ميد الأساسي عن التقليد الجاكسوني في السياسة الخارجية الأمريكية، إن «أولئك الذين يفضلون الاعتقاد بأن الهيمنة العالمية الحالية للولايات المتحدة، ظهرت من خلال عملية تصور نقي، يبتعدون عن عديد من اللحظات المؤلمة في الولايات المتحدة».

فعلى سبيل المثال، قتلت الغارات الأمريكية -نهاية الحرب العالمية الثانية- ما يقرب من مليون مدني ياباني «أكثر من ضعف العدد الإجمالي للقتلى في المعارك التي عانتها الولايات المتحدة في حروبها الخارجية».

وفي كوريا، أشار ميد إلى أن القوات الأمريكية قتلت نحو مليون مدني كوري شمالي، أي ما يقرب من ثلاثين قتيلًا مدنيًا مقابل كل جندي أمريكي قُتل في المعركة.

 

عقيدة الجاكسونيين

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن عديد الجاكسونيين -وربما يكون ترامب من الجاكسونيين أكثر من جاكسون نفسه- ينظرون نظرة ضيقة إلى المصالح القومية الأمريكية، لكن عندما تتضرر هذه المصالح، فإن الجحيم ليس له غضبًا مثل إطلاق العنان لجاكسوني.

وبحسب ميد، فإنه «لن يقيدهم ما يسمى القانون الدولي أو المؤسسات المتعددة الجنسيات»، مضيفًا: «يعتقد الجاكسونيون أن هناك قانون شرف في الحياة الدولية -كما كان في حرب العشائر بالأراضي الحدودية لإنجلترا- ولابد من التعامل مع أولئك الذين يعيشون وفقًا لهذا القانون، لكن أولئك الذين ينتهكونه- الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية وقت السلم، على سبيل المثال- يفقدون الحماية ولا يستحقون أي اعتبار».

وتتمثل مزايا نشر هذه القوة القاسية والمدمرة، في أنها تسعى إلى هزيمة المعتدين بأسرع ما يمكن، ما يؤدي إلى خسائر في الأرواح، أقل مما قد يحدث في نزاع طويل الأمد، وتعمل كرادع ضد الهجمات المستقبلية.

فالإشارة إلى أن هناك فضائل لهذا النهج، ستؤدي إلى إدانة من مؤسسة السياسة الخارجية، التي تشجب الجاكسونيين على أنهم رعاة بقر غير أخلاقيين وانعزاليين، لكن بالنسبة لعديد من الأمريكيين، خاصة أولئك الذين يعيشون في قلب الولايات المتحدة بعيدًا عن النخب الساحلية، فإن هذا النهج تجاه السياسة الخارجية -والحياة بشكل عام- يحمل صدى عميقًا.

 

نظرية المجنون

عام 1968، صرح ريتشارد نيكسون لكبير مساعديه، إتش آر هالدمان، بأنه يحب استخدام ما سماها «نظرية المجنون» لإقناع الفيتناميين الشماليين بأنه «قد يفعل أي شيء لوقف حرب فيتنام».

لقد رأى نيكسون -كنائب للرئيس- كيف احتوى الرئيس دوايت دي أيزنهاور الشيوعية، ووفقًا لأيزنهاور، أقنع الصين بإنهاء الحرب في شبه الجزيرة الكورية، بالاستفادة من التهديد المرعب بالحرب النووية.

وضع بعض النقاد أمثلة لنهج ترامب على أنها تولد من جديد لنظرية المجنون، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن هناك بعض الحقيقة في ذلك، لكن يبدو أن النقاد فاتهم أمر واحد أنها ليست تمثيلية.

وأشارت إلى أن فعالية هذه النظرية تكمن في عدم قدرة ترامب على التنبؤ، وانفتاحه على السماح للتطورات الجديدة بالتشكل، وتغيير ردود أفعاله.

وبقدر ما يغضب منتقدو السياسة الخارجية لترامب، لم ينجح هذا النهج في أي مكان، أكثر من احتواء العدوان العسكري الروسي.

واستدلت الصحيفة الأمريكية على رؤيتها ببعض الحقائق، قائلة: غزت روسيا جورجيا عام 2008 عندما كان جورج دبليو بوش رئيساً.

استولت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 عندما كان باراك أوباما رئيسًا.

غزت روسيا الآن أوكرانيا في رئاسة بايدن. إلا أنه مع ذلك، عندما كان ترامب رئيسًا، لم تحتل روسيا أيًا من جيرانها.

لم تتضاءل شهية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوسع، خلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب في منصبه، فلم يكن العالم مجرد مكان أكثر أمانًا بأعجوبة، إلا أن الفاعلين -من روسيا والصين إلى إيران وكوريا الشمالية– كانوا يعرفون -ببساطة- أن عليهم كبح جماح أنفسهم، أو التعامل مع العواقب الوخيمة، التي لا يمكن التنبؤ بها.