كيف هرب الحرس الثوري الإيراني ملايين الدولارات من العراق؟
أزمة تضرب العراق... حرس إيران الثوري يحتال على إجراءات منع تهريب الدولار وانتشار عملة مزيفة

السياق
رغم الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، لمنع تهريب الدولار إلى إيران عبر العراق، فإن طهران ما زالت تحاول -عبر أذرعتها الإرهابية- استغلال ثغرات للالتفاف من خلالها على تشديدات واشنطن، الهادفة لإخضاع طهران.
إلا أن وسائل إعلام إيرانية كشفت أن محاولات طهران تلك، بتهريب ملايين الدولارات من العراق إلى حسابات الحرس في إيران، تكون بالتعاون مع السفارة الإيرانية في بغداد.
وقالت «إيران إنترشيونال»، في تقرير اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن المدير المالي للوحدة 400 في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني محمد تجن جاري، يودع المبلغ المطلوب في حساب هذه الوحدة بفرع «الشهيد آقا بابائي» لبنك الأنصار، على طريق الباسيج السريع في طهران.
تلك الشبكة يديرها من العراق أحد النشطاء القدامى في فيلق القدس محمود حسني زاده، بمساعدة مواطنَين عراقيَين: ميثم حمزة قاسم دراجي، وميثم صادقي، بحسب الصحيفة الإيرانية المعارضة، التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها.
وتقول الصحيفة الإيرانية إن الذراع الميدانية لتجن جاري في العراق هو مصطفى باك باطن، الموظف في سفارة إيران وعضو في فيلق القدس، مشيرة إلى أنه يتلقى الدولارات من مكاتب الصرافة في العراق، بعد إصدار شهادة إيداع أموال في طهران.
وبينما قالت «إيران إنترشيونال»، إن وثيقة إيداع أموال لحساب حسين آسينه، أحد النشطاء التجاريين المرتبطين بفيلق القدس، أظهرت ملخصًا لما وصفته بـ«غسل أموال الحرس الثوري الإيراني في العراق»، أشارت إلى أن تلك المحاولات أدت إلى استنزاف رأس مال السوق العراقي، وأضرت بالاقتصاد العراقي.
ولتجاوز العقوبات لصالح الحرس الثوري الإيراني، والاحتيال على النظام المصرفي العراقي، يستخدم الحرس الثوري أعضاءه في سفارة النظام الإيراني وسيلة لتحقيق أهدافه، بحسب الصحيفة الإيرانية.
يأتي ذلك التقرير بعد نحو عام من نشر وثيقة كشفت أنه أثناء عمل إيرج مسجدي سفيرًا لإيران، فإن أكثر من 60 مليار دينار من أسهم شركات الطاقة الإيرانية أودعت في حساب السفارة الإيرانية بالبنك التجاري العراقي، كان من المفترض أن تستغل في نفقات السفارة، بحسب «إيران إنترشيونال»، التي قالت إن الأمر انتهى بها في أيدي مقاتلي فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني.
وتقول الصحيفة الإيرانية، إن مصطفى باك باطن ليس العضو الوحيد في سفارة إيران المرتبط بفيلق القدس؛، فمحمد كاظم آل صادق، الذي عُين هذا العام سفيرًا للنظام الإيراني في بغداد، كان المساعد الأول لإيرج مسجدي، السفير السابق للنظام الإيراني في العراق، وهو أيضًا قائد في الحرس الثوري الإيراني ومدرج في قائمة العقوبات الأمريكية.
وأشارت إلى أن المستشار الثقافي لسفارة إيران غلام رضا عبدالحسين أباذري، عضو في فيلق القدس، إضافة إلى باك باطن وموظفين في السفارة: محمد إبراهيم، وعلي عبيري، ونادر رمضان نور، ومحمد كليدبر، يعدون أيضًا أعضاء في فيلق القدس.
وفي محاولة من الحكومة الأمريكية لمنع غسل الأموال، كلف مصرفها المركزي، البنوك العراقية الخاصة بملء نموذج رقمي لكل تحويل بالدولار، يتضمن التفاصيل، بما في ذلك وجهة الحوالة، إلا أن المصارف العراقية لم تسجل تفاصيلها في هذا النظام الإلكتروني، وتحصل على الدولارات التي تحتاجها من سوق العملة السوداء في بغداد، ما دفع واشنطن إلى إعلان أنها ستعاقب 16 مصرفًا عراقيًا.
أزمة تضرب الاقتصاد العراقي
يأتي ذلك، بينما نقلت «وول ستريت جورنال»، في تقرير، عن رئيس مجلس إدارة مصرف الجنوب الإسلامي، المسؤول السابق بالبنك المركزي العراقي محمود داغر، قوله: «على مدى عشرين عاماً، اتبعنا النظام نفسه، لكن سياسة الصدمة التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي سببت أزمة للاقتصاد العراقي».
ويجسد الاضطراب العلاقة الحذرة المتشابكة بين واشنطن وبغداد، فمنذ أن ساعدت الولايات المتحدة في إنشاء البنك المركزي العراقي عام 2004، أصبح الدولار الأمريكي العملة الرئيسة للبلاد، لأن كثيرًا من الاقتصاد يعمل على النقد، بحسب «وول ستريت جورنال».
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه لتزويد العراق بالدولارات، تسلم الطائرات منصات نقالة من العملة الأمريكية إلى بغداد كل بضعة أشهر، لكن المزيد من الدولارات تتدفق إلكترونيًا في المعاملات التي تجريها البنوك العراقية الخاصة، التي تعالج من الحسابات الرسمية للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، حيث تودع عائدات مبيعات النفط.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن القواعد الصارمة للتحويلات الإلكترونية للدولار من البنوك العراقية الخاصة، لم تكن مفاجأة للمسؤولين في بغداد، مشيرة إلى أنه جرى تنفيذها بشكل مشترك في نوفمبر الماضي، بعد عامين من المناقشات والتخطيط من البنك المركزي العراقي وخزانة الولايات المتحدة ومجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وأضاف المسؤولون الأمريكيون أن ارتفاع سعر صرف الدولار لم يكن بسبب الإجراءات الجديدة، لكن تدقيق المعاملات بالدولار أدى إلى اندفاع نحو العملات الخضراء في العراق، وسيل من الانتقادات من المسؤولين والمصرفيين والمستوردين العراقيين، الذين يلومون النظام الجديد، على حدوث صدمة مالية، أدت إلى تفاقم مشكلاتهم الاقتصادية.
تهديد لميزانية الحكومة
يقول رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، الذي تولى منصبه في الوقت الذي بدأت فيه العملة الانخفاض، إن تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية عام 2023، مضيفًا: «هذا أمر محرج وحاسم بالنسبة لي»، مشيرًا إلى أنه سيرسل وفدًا إلى واشنطن الشهر الجاري، مع اقتراح بتعليق السياسة الجديدة ستة أشهر.
ويقول هادي العامري، رئيس حزب سياسي وميليشيا تدعمهما إيران، للسفير الفرنسي باجتماع في 10 يناير، بحسب رواية نُشرت: «الكل يعرفون كيف يستخدم الأمريكيون العملة كسلاح لتجويع الناس».
إلا أن مسؤولين أمريكيين قالوا إن النظام يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق، وإلى ملاذات غسل الأموال في الشرق الأوسط.
بينما قال داغر المسؤول السابق بالبنك المركزي العراقي، إنه بموجب القواعد القديمة، لم يكن أصحاب الحسابات العراقية ملزمين بالإفصاح عمن كانوا يرسلون الأموال إليه، إلا بعد تحويل الدولارات.
وردت متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عن الحسابات التي يحتفظ بها الفيدرالي لحكومات أجنبية، مثل الحسابات العراقية: «لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتطور بمرور الوقت استجابة للمعلومات الجديدة».
ويقول مسؤول أمريكي إن الإجراءات ستحد من «قدرة الجهات الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي»، بينما وصف البنك المركزي العراقي المنصة الإلكترونية الجديدة ببيان في 15 ديسمبر الماضي، قائلًا إنه يتطلب تفاصيل العملاء الذين يريدون تحويل الأموال، بمن في ذلك المستفيدون النهائيون.
وقال البيان: «يكتشف عدد من الأخطاء والمطلوب من البنوك إعادة العملية. تستغرق هذه الإجراءات وقتًا إضافيًا قبل قبولها وتمريرها من النظام الدولي».
كما منع البنك المركزي أربعة بنوك: بنك آسيا الإسلامي، وبنك الشرق الأوسط العراقي، وبنك الأنصاري الإسلامي، وبنك القبود الإسلامي، من إجراء أي معاملات بالدولار، وفقًا لمسؤولين عراقيين ووثائق قضائية.
كيف أثرت الضوابط المصرفية؟
ويضغط المسؤولون الأمريكيون على العراق منذ سنوات لتعزيز ضوابطه المصرفية، فعام 2015، أوقف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة مؤقتًا تدفق مليارات الدولارات إلى البنك المركزي العراقي، بسبب مخاوف من أن العملة كانت -نهاية المطاف- في البنوك الإيرانية، وربما تحوَّل إلى متشددي «داعش»، حسبما قال مسؤولون في ذلك الوقت.
وأيد بعض المسؤولين العراقيين تشديد الرقابة على البنوك الخاصة، بينما قال هادي السلامي، عضو مجلس النواب العراقي، عضو هيئة مكافحة الفساد في الهيئة، إن الأحزاب السياسية والميليشيات العراقية تسيطر على معظم البنوك، وتستخدمها لتهريب الدولارات إلى دول الجوار، مضيفًا: «نحن بحاجة إلى وقف ذلك».
ويمكن ملاحظة تأثير الضوابط الأكثر صرامة التي تم تبنيها في نوفمبر الماضي، في التراجع الحاد في معاملات البنوك العراقية بالدولار، التي يتتبعها البنك المركزي على موقعه الإلكتروني، بينما يقول المسؤولون الأمريكيون إن الاضطرابات المالية ستخف مع امتثال أصحاب الحسابات العراقيين لمتطلبات الإفصاح.
وحتى المصرفيون العراقيون وتجار العملة يقولون إن القواعد الأكثر صرامة تهدف إلى إغلاق المخططات المستخدمة لسرقة الدولارات، فعلى سبيل المثال زور المستوردون فواتير البضائع التي لم تُسلم إلى العراق، لكنها دُفعت بالدولار المتدفق إلى متسلمين مجهولين خارج البلاد، بحسب «وول ستريت جورنال».
وقال حمزة الصراف، الجالس خلف المنضدة المقفلة في متجر الصرافة الذي يملكه في حي الكرادة الصاخب ببغداد، «الدولارات في العراق، بالتأكيد 100%، ستذهب إلى إيران وتركيا وسوريا واليمن ولبنان»، مشيرًا إلى أن التضييق على التحويلات الإلكترونية بالدولار أثار موجة من الهيجان للدولار الورقي في محلات الصرافة وبيوت تداول العملات الكبرى، بعد التحقق من سعر صرف الدولار غير الرسمي في بغداد على هاتفه الذكي.
وبسبب منعهم من استخدام البنوك، اضطر المستوردون العراقيون إلى تأخير الطلبات أثناء عملهم للامتثال للقواعد الجديدة أو إيجاد طرق أخرى للدفع للموردين، مثل استخدام شبكات تحويل الأموال غير الرسمية المعروفة باسم الحوالة.
عملة مزيفة
ومع أزمة الدولار، واجه السوق العراقية أزمة جديدة تمثلت في انتشار عملة مزيفة من فئة 25 ألف دينار، ما أثار قلقًا بين المواطنين، بينما قال مسؤولون إنه من الصعب اكتشافها.
من جانبه، قال مستشار البنك المركزي العراقي إحسان الياسري، في تصريحات صحفية: «الأوراق النقدية العراقية فئات (10 آلاف و25 ألفًا و50 ألف دينار) تتضمن نافذة شفافة، أصبحت من أقوى العملات الورقية التي أصدرها البنك المركزي»، مشيرًا إلى أنها ورقة محكمة فيها نافذة شفافة».
وأضاف أن الأوراق النقدية المتداولة صادرة من البنك المركزي، بينما المزيفة واضحة، مشيرًا إلى أن البنك المركزي لم يرصد أي زيادة في وتيرة تزييف العملة.