أول رئيس في تاريخ أمريكا يُقدَّم للمحاكمة... كيف يستطيع ترامب قلب الطاولة؟

رغم القضايا التي يواجهها، فإن الرئيس السابق دونالد ترامب تمكن من جمع أكثر من 4 ملايين دولار لترشحه للرئاسة في غضون 24 ساعة، منذ أن وجهت إليه هيئة محلفين كبرى في مانهاتن لائحة اتهام

أول رئيس في تاريخ أمريكا يُقدَّم للمحاكمة... كيف يستطيع ترامب قلب الطاولة؟

السياق

«تأسست على حكم القانون، لذا يجب ألا تتردد الآن»، هكذا قالت صحيفة الأوبزرفر، عن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مؤكدة أن على واشنطن عدم التخاذل في الحكم بالقانون.

وأوضحت الصحيفة البريطانية، في تقرير ترجمته «السياق»، أن طريقة التعامل مع هذه الدراما القانونية غير المسبوقة ونتائجها، يمكن أن تقرر المستقبل السياسي القريب لأمريكا، مشيرة إلى أنها قد يكون لها أيضًا تأثير في نفوذ الولايات المتحدة وسلطتها الأخلاقية، في النضال العالمي لدعم نظام دولي ديمقراطي قائم على القانون. 

وتقول «صوت أمريكا»، إنه بينما يقبع مئات الأشخاص في حجز إنفاذ القانون بمدينة نيويورك كل يوم، سيصبح الرئيس السابق دونالد ترامب أحدهم الأسبوع المقبل.

فما التهم الموجهة لترامب؟

أول الاتهامات الموجهة لترامب، التي زجت به إلى المحاكمات، تتعلق بـ«رشوة مالية مقابل الصمت» دفعها الرئيس السابق لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز قبل انتخابات عام 2016، في محاولة للتكتم على علاقة مزعومة مع ترامب عام 2006.

وبحسب القانون الأمريكي، فإن «شراء الصمت يكون عبر دفع المال لشخص ما مقابل الاحتفاظ بسرية معلومات قد تسيء إلى شخص ما»، في ما يزعم أن الرئيس السابق دفع أموالاً لشراء صمت دانيلز، وهو ما يحظره القانون.

يأتي ذلك، بينما قالت «الأوبزرفر»، إن ترامب الذي عُزل مرتين، متهم بارتكاب سلسلة من الجرائم الأكثر خطورة والموثقة جيدًا، بما في ذلك محاولة عنيفة لإطاحة الحكومة، متسائلة: لماذا العدالة تأخذ وقتًا طويلا لتحقيق مجراها؟

وتُقرأ لائحة اتهام ترامب كأنها رواية مرعبة تُقتل فيها الديمقراطية، ففي الأسابيع التي أعقبت هزيمته أمام جو بايدن في نوفمبر 2020، فعل ترامب كل ما في وسعه لإفساد النتيجة، بشكل قانوني وغير قانوني، من خلال توجيه اتهامات لا أساس لها بالاحتيال. 

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه ما ليس هناك خلاف عليه، المحادثة الهاتفية المسجلة في 2 يناير 2021 بين ترامب وبراد رافنسبيرجر، وزير خارجية جورجيا، حيث ضغط الرئيس آنذاك على الأخير، للعثور على 11780 صوتًا، وهو ما يكفي لإلغاء فوز بايدن في الولاية المتأرجحة الرئيسة.

لماذا لم توجه تهم جنائية إلى ترامب في ما تبدو أنها قضية مفتوحة للتدخل المخزي في الانتخابات، رغم أن هيئة محلفين كبرى خاصة في أتلانتا، أوصت بمحاكمة المتورطين في الضغط غير القانوني على رافنسبيرجر، تقول صحيفة «الأوبزرفر».

وأشارت إلى أنه ربما ستلهم الشجاعة التي أظهرها المدعي العام لمقاطعة مانهاتن ألفين براغ، نظيره في مقاطعة فولتون، فاني ويليس -وغيره من المدعين العامين الفيدراليين والولائيين- ليحذوا حذوه من دون مزيد من التأخير، مؤكدة أنه إذا تحركت هذه القضية في الوقت المناسب، فقد يكون ترامب خلف القضبان.

وبحسب الصحيفة البريطانية، مر أكثر من عامين منذ أن حرض ترامب أنصاره على مهاجمة مبنى الكابيتولن لوقف تصديق الكونجرس على فوز بايدن، مشيرة إلى أن أعمال الشغب التي أعقبت ذلك في 6 يناير 2021 أدت إلى قتلى وجرحى. 

إلا أنه مع ذلك، لم يفعل ترامب شيئًا لإلغاء الغوغاء حتى فوات الأوان، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أنه منذ ذلك الحين أشاد بمثيري الشغب بوصفهم أبطالًا، في أفعال كلها موثقة.

لماذا فشل ميريك جارلاند، المدعي العام الأمريكي، في اتخاذ إجراءات ضد المحرض الرئيس، وكذلك مرتكبي محاولة الانقلاب؟ تقول «الأوبزرفر»، إنه في نوفمبر الماضي، عيّن جارلاند مستشارًا خاصًا، ما قد يؤدي إلى تأخير المحاكمة في تلك القضية.

لكن ما المتوقع حدوثه؟

بينما وجهت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن لائحة اتهام إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن المقرر أن يُحاكم بعد ظهر الثلاثاء، عقب تحقيق في المدفوعات التي تم دفعها خلال حملته الرئاسية لعام 2016 لإسكات مزاعم لقاء جنسي خارج نطاق الزواج. 

وبينما لا تزال لائحة الاتهام نفسها مغلقة -حتى الآن- في أول قضية جنائية على الإطلاق ضد رئيس أمريكي سابق، فإنه من المتوقع أن يسلم ترامب -الجمهوري الذي هاجم القضية الخميس باعتبارها «اضطهادًا سياسيًا» نفسه للمدعي العام الديمقراطي، الأسبوع المقبل، وفقًا لثلاثة مطلعين على الأمر لكن غير مخولين بمناقشته. 

وقال مكتب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين براغ، إنه اتصل بمحامي ترامب لتنسيق استسلامه ومحاكمته، بحسب «صوت أمريكا»، التي قالت إن الرد على التهم الجنائية، يعني أخذ بصمات أصابعه وتصويره، وتقديم أسئلة أساسية مثل الاسم وتاريخ الميلاد، والمثول أمام القضاء. 

لكن لا دليل على حجز رئيس سابق مع حماية الخدمة السرية الأمريكية، يقول «صوت أمريكا»، مشيرًا إلى أن الوكلاء مكلفون بحماية الرؤساء السابقين، حتى يقولوا إنهم لا يحتاجون إليها. 

وقال جيريمي سالاند، محامي الدفاع، المدعي العام السابق في مانهاتن: «سيكون ذلك استثناءً فريدًا».

وبحسب «صوت أمريكا»، فإنه عندما يسلم ترامب نفسه، يجب توقع عملية مصممة بعناية وسريعة نسبيًا وإطلاق سراح من دون كفالة (كما هو شائع في نيويورك)، مع التركيز على الأمن، بينما قال سالاند إنه من غير المحتمل عرض رئيس سابق في الأصفاد، عبر الرصيف أو من خلال ردهة محكمة مزدحمة.

وأضاف محامي الدفاع: «إنه منتدى عام، لكن السلامة أيضًا أمر بالغ الأهمية».

وتقول «صوت أمريكا»، إنه إذا أخطِر المدعى عليهم بلائحة اتهام أو توقيف وشيك، فغالبًا ما يرتبون لتسليم أنفسهم، مشيرة إلى أنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى تسهيل العملية وتعزيز الحجج الخاصة بالإفراج بكفالة، من خلال إظهار أنهم لا يتهربون من القضية.

فعلى سبيل المثال، عند توجيه الاتهام إلى ألين فايسلبيرج، الرئيس المالي السابق لشركة ترامب، في مانهاتن بتهم الاحتيال الضريبي عام 2021، كان قادرًا على تسليم نفسه في باب جانبي بالمحكمة قبل ساعات العمل العادية، لـ «تقليل احتمال أن تسلط وسائل الإعلام الضوء عليه»، كما كتب محاموه في دعوى قضائية لاحقة.

وصل فايسلبرج قرابة الساعة 6:15 صباحًا ونُقل إلى ما وصفها محاموه بـ«غرفة الحجز» تمهيدًا لاحتجازه، ومقابلة عن الإفراج المحتمل، وإجراءات أخرى، يقول «صوت أمريكا» مشيرًا إلى أنه لتمضية الوقت، أحضر كتابًا -حساء الدجاج لروح مشجع البيسبول- وزوده محاموه بوجبة خفيفة، وقناع للوجه، ونعناع، وأشياء أخرى، وفقًا للإيداع.

من ناحية أخرى، سلم قطب الأفلام هارفي وينشتاين نفسه في مركز شرطة مانهاتن عام 2018 لمواجهة اتهامات بالاغتصاب والجنس الإجرامي، بحسب «صوت أمريكا» الذي قال إنه وضع -فترة وجيزة- في زنزانة، فبدأ يقلب في سيرة ذاتية للمخرج السينمائي الشهير إيليا كازان، قبل اقتياده مكبل اليدين إلى المحكمة تحت أنظار الصحفيين على الرصيف، ومشتبه بهم آخرين في منطقة حجز قاعة المحكمة.

جمع 4 ملايين دولار

ورغم القضايا التي يواجهها، فإن الرئيس السابق دونالد ترامب تمكن من جمع أكثر من 4 ملايين دولار لترشحه للرئاسة في غضون 24 ساعة، منذ أن وجهت إليه هيئة محلفين كبرى في مانهاتن لائحة اتهام، بحسب «نيويورك بوست».

وفي بيان صحفي لحملة الرئيس السابق، قال: «هذه الزيادة المذهلة في المساهمات الشعبية تؤكد أن الشعب الأمريكي يرى أن توجيه الاتهام إلى الرئيس ترامب، تسليح مشين لنظام العدالة لدينا من قِبل مدعٍ عام يموله سوروس».

وأشارت الحملة إلى أن أكثر من 25% من التبرعات جاءت من متبرعين لأول مرة يتبرعون لترامب، بينما كان متوسط المساهمة 34 دولارًا، مضيفة أن «الأمريكيين من جميع الولايات الخمسين تبرعوا لحملة الرئيس ترامب في غضون الساعات الخمس الأولى من توجيه الاتهام الوهمي».

وفي غضون دقائق من إعلان لائحة الاتهام الخميس، أطلقت حملة ترامب رسالة بريد إلكتروني لجمع التبرعات، تطلب مساهمات لحملة 2024 البالغة من العمر 76 عامًا.

ليس ذلك فحسب، بل إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، حصل على تأييد 37 جمهوريًا في مجلس النواب، بمن في ذلك أكثر من ثلث أعضاء الحزب الجمهوري في لجنتي القضاء والرقابة، وهما لجنتان تعملان للتحقيق مع الرئيس جو بايدن ومحامي مقاطعة مانهاتن.

وتعكس تلك الموافقات، التي تشمل -كذلك- خمسة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ، جدار الدعم في الكونغرس، الذي بناه لتعزيز حملته الرئاسية لعام 2024.

الدولة العميقة

كانت هذه هي الأولى بين أكثر من نصف دزينة من رسائل البريد الإلكتروني لجمع التبرعات، التي أرسلتها حملة ترامب في غضون 24 ساعة، بعد لائحة الاتهام.

وجاء في الرسالة الإلكترونية: «منذ أن ترشحت لمنصب الرئيس بصفتي شخصية خارجية سياسية، حاولت الطبقة الحاكمة الفاسدة إغلاق حركتنا أمريكا أولاً»، مضيفًا: «ستستخدم الدولة العميقة أي شيء تحت تصرفها لإغلاق الحركة السياسية الوحيدة التي تضعك في المرتبة الأولى».

لماذا لا يحاكم ترامب؟

من الصعب تجنُّب استنتاج أن الإحجام عن متابعة هذه الجرائم وغيرها بقوة، «مثل سرقة ترامب الظاهرة لوثائق سرية عُثر عليها في منزله بفلوريدا، ينبع من الجبن السياسي في القمة»، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أن ترامب أظهر مرة أخرى الأسبوع الماضي، استعدادًا وقدرة على استخدام قبضته الشبيهة بالمافيا على الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام اليمينية، لتخويف الجسم السياسي الأمريكي. 

وأشارت إلى أنه يلعب دور الضحية، ويقلب الطاولة، ويدعي أن بايدن والديمقراطيين هم منتهكو القانون، مؤكدة أن الخلاف على مواجهة ترامب ينبع جزئياً من رغبة مفهومة في تجنُّب تغذية الانقسامات الوطنية. 

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن ملحمة ترامب، التي تشبه برنامج تلفزيون الواقع الذي لا ينتهي، إلهاء عن القضايا الملحة مثل الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء وحالة الطوارئ المناخية والحرب في أوروبا، إلا أنها قالت إنه يجب أن تركز الولايات المتحدة على هذه التحديات.

وتشكل قضية ترامب تحديات تاريخية محتملة لجمهورية أمريكية قائمة على سيادة القانون، فالفكرة التي روج لها الجمهوريون بأن الرئيس الحالي أو السابق يتمتع بحصانة من الملاحقة القضائية، تتعارض مع المفاهيم الحديثة للعدالة. 

وتقول الصحيفة البريطانية إن حقيقة أن ترشح ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى، أثناء خضوعه لتحقيق جنائي، أو حتى بعد إدانة جنائية، تشير إلى عيوب خطيرة في الترتيبات الدستورية الأمريكية، مؤكدة أنه ينبغي ألا يكون أي شخص، مهما كان مشهوراً أو عظيماً أو مهدداً، فوق القانون.

وختمت الصحيفة تقريرها، قائلة إن طريقة التعامل مع هذه الدراما القانونية غير المسبوقة ونتائجها، يمكن أن تقرر المستقبل السياسي القريب لأمريكا، مشيرة إلى أنه قد يكون لها أيضًا تأثير في نفوذ الولايات المتحدة وسلطتها الأخلاقية، في النضال العالمي لدعم نظام دولي ديمقراطي قائم على القانون.