بوليتيكو: لماذا من الصعب التخلص من أردوغان؟

رأت صحيفة بوليتيكو، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ورطة كبيرة، حيث يدخل أصعب انتخابات واجهها خلال العشرين عامًا التي قضاها في السلطة، خاصةً إذا توحدت كتلة المعارضة.

بوليتيكو: لماذا من الصعب التخلص من أردوغان؟

ترجمات - السياق

أقل من شهرين ويجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه، في مواجهة صعبة أمام ممثل المعارضة كمال كليتشدار أوغلو على رئاسة البلاد، في الانتخابات المقررة 14 مايو المقبل، فهل حان وقت مغادرته، أم أن الرئيس الذي يحكم قبضته على السلطة -منذ نحو عقدين من الزمان- قادر على البقاء في مقعده؟.

وانطلقت، السبت، بشكل رسمي الحملة الدعائية الخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، وتستمر حتى 13 مايو الذي يعرف بـ"يوم الصمت"، ويسبق الانتخابات المقررة في 14 مايو.

بدورها، سلطت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، الضوء على مصير أردوغان، ورأت أنه "حتى لو حدث ما لا يمكن تصوره وخسر الرئيس التركي الانتخابات، فإنه لن يتنازل عن السلطة لأن الانتخابات لن تُجرى بنزاهة ولأن أردوغان لا يتمتع بأي "شهامة""، حسب وصفها.

 

من هو منافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية؟

هزيمة... ولكن!

وترى "بوليتيكو" أن الرئيس التركي، يواجه أصعب انتخابات منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو 20 عامًا، وأنه حال التزام الإدارة بالنزاهة "سيهزم" بشرط أن تتوحد المعارضة بشكل فعّال.

لكنها استدركت بالقول: "لنكن صريحين، لن تلتزم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، المقررة في مايو بقواعد كوينزبري، وينبغي ألا نتعامل معها على هذا النحو".

يشار إلى أن قواعد كوينزبري "جملة التزامات تحتكم إليها رياضة الملاكمة، وتحدد الضوابط مثل توقيت الجولات والحَكَم، وغيرها من الشروط التي على المتبارزين".

ورأت أن أردوغان في ورطة كبيرة، حيث يدخل أصعب انتخابات واجهها خلال العشرين عامًا التي قضاها في السلطة، خاصةً إذا قامت كتلة المعارضة بحملاتها معًا بطريقة متماسكة ومترابطة، والاستفادة من نقاط القوة والفاعلية، والتركيز بلا هوادة على الهدف الأسمى، المتمثل في طرد أردوغان من السلطة.

وحسب الصحيفة، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن مرشح المعارضة التركي، كمال كليتشدار أوغلو، يتقدم على الرئيس الحالي بأكثر من 10 نقاط مئوية، قبل بضعة أسابيع من موعد الانتخابات.

ووفقًا لهذه الاستطلاعات، يبدو أن "تحالف الأمة" -المكون من ستة أحزاب- يُمكن أن يحصل على أكبر عدد من المقاعد ضد حزب أردوغان (العدالة والتنمية) وشريكه اليميني المتشدد حزب الحركة القومية، في الانتخابات البرلمانية التي ستنظم إلى جانب الرئاسية.

ومع تراجع شعبيته، رجحت الصحيفة ألا يستطيع أردوغان مواجهة "تحالف الأمة"، خصوصًا مع تنامي الغضب الشعبي جنوبي تركيا من استجابة الحكومة غير الكافية للإنقاذ والإغاثة، إثر الزلازل المدمرة التي ضربت المنطقة، في السادس من فبراير الماضي، ومازالت تداعياته سارية حتى يومنا هذا.

وخلفت الكارثة المدمرة -حتى الآن- أكثر من 50 ألف قتيل، وأثارت شكاوى، بسبب سوء التخطيط الحضري والتطبيق غير الصارم لقوانين البناء.

ولفتت "بوليتيكو" إلى أن زلزالا مدمرًا -ضرب منطقة إزميت بالقرب من اسطنبول عام 1999- كان وراء فشل رئيس الوزراء السابق، بولنت أغاويد، ما عجّل بوصول أردوغان لسدة الحكم، لذلك، تأمل المعارضة أن يكون زلزال السادس من الشهر الماضي، سببًا آخر لإنهاء حكم أردوغان.

كوارث اقتصادية

علاوة على ذلك، يشتكي الأتراك من فشل السياسة الاقتصادية لأردوغان، حيث أسهمت "سياسته الغريبة" وفق وصف "بوليتيكو" بخفض أسعار الفائدة في ارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق.

واهتزت تركيا بسبب التضخم الذي بلغ مستويات قياسية منذ 24 عامًا، الخريف الماضي، عندما بلغ 85 في المئة، قبل أن يتراجع إلى 55 بالمئة.

وبسبب الرياح الاقتصادية المعاكسة وسياسة أردوغان، فقدت العملة التركية 60% من قيمتها مقابل الدولار منذ أوائل عام 2021.

وبموازاة ذلك، سجلت تركيا عجزًا تجاريًا قياسيًا بلغ 38%، بينما دفع ضغط تكلفة المعيشة إلى تقلص الطبقة المتوسطة، وأغرق الفقراء في يأس أعمق.

وتعليقًا على هذه التطورات، تساءلت الصحيفة الأمريكية: "كيف يمكن أن ينتصر أردوغان في الانتخابات المقبلة؟".

وأشارت إلى أنه خلال عقدين من حكمه، أعاد أردوغان تشكيل تركيا من خلال إضعاف النظام البرلماني، وتحويله إلى نظام رئاسي شبيه بحكم الرجل الواحد.

وقام "سلطان تركيا الحديث" وفق وصف الصحيفة بـ"تطهير" المحاكم، ووكالات إنفاذ القانون، والخدمة المدنية، ووكالات الاستخبارات والقوات المسلحة، ووسائل الإعلام، من معارضيه، واستبدل بهم الموالين له.

ولفتت كذلك إلى أن أردوغان استغل الانقلاب العسكري المزعوم عام 2016 لتسريع تشكيل نظامه.

وعام 2016، تعهد بالانتقام ممن سماهم "المتآمرين على نظامه"، وقال حينها: "سوف يدفعون ثمنًا باهظًا"، ثم تابع: "هذا الوضع هبة من الله لنا".

وتعليقًا على ذلك، حذر سنان سيدي، الأستاذ المشارك لدراسات الأمن القومي، مؤلف كتاب "الكمالية في السياسة التركية"، القادة الأوروبيين من أن يتركوا آمالهم تخيم على رؤيتهم للواقع.

وقال في ورقة أنجزها لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن أردوغان "قد يفوز حتى من دون تزوير الأصوات" وبرر ذلك بالقول: "قد لا يكون حشو صناديق الاقتراع ضروريًا، إذ لا يزال النظام الذي أنشأه يحقق الفوز الذي يحتاج إليه"، مرجحًا أن تكون وسائل الإعلام في طليعة جهود النظام لضمان النصر.

ووصفت الصحيفة قبضة أردوغان على مساحات كبيرة من وسائل الإعلام التركية بالمخيفة.

وخلص تحقيق أجرته وكالة رويترز إلى نتيجة مفادها أن "أكبر المؤسسات الإعلامية تخضع لسيطرة شركات وأشخاص مقربين من أردوغان وحزبه، بعد عمليات الاستحواذ التي بدأت عام 2008".

وأوضح التحقيق، أن تنسيق الرقابة التحريرية الهرمية الصارمة يكون من الأعلى مباشرةً، من خلال الأكاديمي السابق، المقرب من أردوغان، فخر الدين ألتون، رئيس مديرية الاتصالات الحكومية، الذي يُشرف على التعليمات المرسلة إلى غرف الأخبار.

فعلى سبيل المثال، عندما استقال صهر أردوغان، بيرات البيرق، من منصب وزير المالية عام 2020 بعد خلاف غير مسبوق داخل الدائرة المقربة من الزعيم التركي، طلب ألتون من غرف الأخبار في البلاد، عدم الإبلاغ عن الاستقالة، حتى تعطي الحكومة الضوء الأخضر.

وهكذا تُركت المعارضة مع مجموعة من وسائل الإعلام التركية المستقلة، مثل ميدياسكوب ومحطة "هالك" التليفزيونية، لكن مع تركيزهم بشكل أكبر على السياسة الداخلية لكتلة المعارضة.

 

كيف يمكن أن يؤدي زلزال تركيا إلى نهاية حكم أردوغان؟

التغيير

وتتساءل "بوليتيكو": هل يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تساعد في كسر خناق أردوغان على وسائل الإعلام؟

فقد أشار مركز التقدم الأمريكي في دراسة أجريت عام 2020 إلى أن الأتراك تحولوا "نحو مصادر الأخبار عبر الإنترنت التي تكون الحكومة أقل قدرة في السيطرة عليها".

ولفت مؤلفو الدراسة إلى أنه "بينما قدمت وسائل التواصل الاجتماعي بديلًا للأصوات الموالية للحكومة، التي تهيمن على التلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة، فإنها أيضًا مساحة خصبة لنشر حقائق مغلوطة ومعلومات مضللة".

بينما بذلت الحكومة أيضًا جهودًا كبيرة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي والرقابة عليها، حيث أقر البرلمان تشريعات أكثر تقييدًا في أكتوبر الماضي "لا يمكن تصورها في أي ديمقراطية، أو حتى في تركيا قبل بضع سنوات"، كما أشارت أسلي أيدينتاشباش، زميلة زائرة بمعهد بروكينغز ومقره واشنطن.

إضافة إلى ذلك، عندما تفشل الضوابط في الردع، هناك دائمًا خطر السجن بتهم واهية ومبهمة، بالتشهير أو إهانة الرئيس أو المسؤولين الحكوميين، التي أدت إلى سجن 43 صحفيًا إلى جانب سياسيين معارضين.

وتتساءل الصحيفة الأمريكية: "إذا حدث ما لا يمكن تصوره، وفشل النظام في تحقيق أهداف أردوغان ليلة الانتخابات، كيف يمكنه تحمُّل الخسارة؟".

وأشارت إلى أن موقف المعارضين ثابت، إذ أكدوا -في أكثر من مناسبة- أنه إذا انتصر أردوغان، سوف يدفعون لمواجهته بتهم الفساد وإساءة استخدام السلطة وإقحام أفراد من عائلته في الحكم.

وحسب تقدير سيدي: "إذا شعر أردوغان بالهزيمة، فلا ينبغي لأحد أن يتوقع منه الرحيل بهدوء، وإذا بدت الهزيمة وشيكة، فقد يقلب القضاة ومسؤولو الانتخابات الموالون لأردوغان النتائج، كما حاولوا ذلك بإلغاء نتائج انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول عام 2019، أو قد يعتمد حتى على الشرطة والقوات المسلحة"، مضيفًا: "في الواقع، لن يتخلى أردوغان عن السلطة حتى لو خسر الانتخابات".

وتختم "بوليتيكو" بالقول: "مع اقتراب مايو، هناك ما يدعو المعارضة التركية وحلفاء أنقرة الغربيين إلى القلق".