انتخابات رئاسة تركيا بموعدها.. فهل ينجو أردوغان من تبعات كارثة الزلزال؟
بينما يواجه أردوغان موجة انتقادات، بسبب أسلوب تعامل الحكومة مع أكبر زلزال تشهده البلاد في تاريخها المعاصر من حيث عدد القتلى، لكنه دافع –الأربعاء- عن تعاملها مع الأزمة.

السياق
«أعتذر عن ذلك»، بهذه الكلمات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل يومين، حاول الاعتذار إلى سكان محافظة أديامان، إحدى أكثر المناطق تضررا من زلزال 6 فبراير الماضي، عن تأخر عمليات الإغاثة.
إلا أن اعتذار الرئيس التركي، لم يكن فقط موجهًا إلى تلك المنطقة، بل إنه عُد تراجعًا عن سياسات كثيرة اتخذها الرئيس التركي، طوال فترة حكمه التي دامت عقدين، وهو ما بدا واضحًا خلال الفترة الأخيرة من عدول أردوغان عن كثير من سياساته.
تلك التراجعات كانت رسالة إلى الداخل، حاول من خلالها الرئيس التركي اللعب على وتر عواطف الأتراك، أملًا باجتياز محطة الانتخابات الرئاسية، التي باتت مؤشرات فوزه بها، دون المستوى المأمول، خاصة بعد الاستجابة الضعيفة والمتأخرة من الحكومة لكارثة الزلزال.
ومع تدني مؤشرات شعبيته، أشارت تقارير محلية لوسائل إعلام معارضة، وبعض الصحف الغربية، إلى أن الرئيس التركي يسعى لتأجيل الانتخابات التي كان مقررًا لها مايو المقبل، أملاً بالهروب من المقصلة المتوقعة، وراحوا يحللون ويفتشون عن أسباب ذلك القرار المتوقع.
وصدرت إشارات متباينة، بشأن التوقيت المرجح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فهناك من أشار إلى احتمال تأجيلها إلى وقت لاحق من العام، أو عقدها في موعدها 18 يونيو المقبل.
خطة الانتخابات
الرئيس التركي «صدم» تلك التوقعات، بإعلانه -الأربعاء- أن الانتخابات في بلاده ستجرى 14 مايو المقبل، ملتزمًا بخطة أعلنها بشأن الانتخابات وفي تاريخ سيكون بعد ما يزيد قليلًا على ثلاثة أشهر من الزلزال المدمر، الذي قتل أكثر من 45 ألفًا في تركيا.
وفي كلمة أمام نواب من حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان، قال الرئيس التركي: «هذه الأمة ستفعل ما يلزم في 14 مايو إن شاء الله» في إشارة إلى الانتخابات التي يُنظر إليها على أنها أكبر تحد سياسي يواجه الرئيس.
وبسبب ارتفاع التضخم وتهاوي قيمة الليرة التركية، ما أثر في مستويات المعيشة، تراجعت شعبية أردوغان في السنوات الماضية حتى قبل الكارثة، إلا أن بعض استطلاعات الرأي أظهرت بوادر على استعادته بعض التأييد.
وبينما يواجه أردوغان موجة انتقادات، بسبب أسلوب تعامل الحكومة مع أكبر زلزال تشهده البلاد في تاريخها المعاصر من حيث عدد القتلى، لكنه دافع –الأربعاء- عن تعاملها مع الأزمة قائلًا إن الحكومة وجدت نفسها فجأة وسط «عاصفة من الزلازل».
وفي كلمة مصحوبة بمقطع فيديو يظهر جهود الدولة للتعامل مع الكارثة، قال أردوغان: «سنبني مباني أفضل بدلًا من تلك التي انهارت. سنكسب القلوب وسنفتح مستقبلًا جديدًا أمام شعبنا».
وسبق أن قال أردوغان، الذي يسعى إلى تمديد حكمه لعقد ثالث، إن الانتخابات ستتأجل إلى مايو المقبل، لتفادي فترة العطلات في يونيو.
وتقول «رويترز»، إن هناك من يشكك في قدرة السلطات الانتخابية على الاستعداد، ووضع الترتيبات اللوجستية اللازمة، لمشاركة القاطنين في المنطقة المتضررة من الزلزال في الانتخابات، الذين يبلغ عددهم نحو 14 مليون نسمة.
موقع الحزب الحاكم
على الحزب الحاكم أن يرد على انتقادات تعامله مع الزلزال، في منطقة حظى بها في انتخابات الرئاسة التي أجريت عام 2018 على 55% من الأصوات.
إلا أن بعض الأتراك في أحد أكثر المناطق تضررًا من الزلزال، عبروا –الأربعاء- عن إحباطهم من طريقة تعامل الدولة مع الكارثة، التي قالوا إن تأثيرها كان سلبيًا، حسب آراء الناس في الحكومة.
صاحب متجر في بلدة نارلي، التي تبعد نحو 20 كيلومترًا عن مركز الزلزال الأول، قال: «الجميع هنا يصوتون لحزب العدالة والتنمية بشكل عفوي، لكن المساعدة وصلت متأخرة جدًا. يفكر الناس في تغيير رأيهم».
بينما قال مزارع من قرية في المنطقة: «لا أعتقد أن المعارضة أيضًا على قدر المهمة المطلوبة، لكننا نحتاج لتغيير جذري».
يأتي ذلك، بينما ارتفع عدد القتلى في تركيا إلى 45089، إضافة إلى 108 آلاف مصاب، بحسب بيان مقتضب لإدارة الكوارث والطوارئ (آفاد).
تحديات كبيرة
ارتفاع عدد القتلى جعل تركيا تواجه تحديًا كبيرًا قبل الانتخابات، يتمثل في إصلاح الدمار الهائل الناجم عن الزلزال، والهزات الارتدادية التي دفعت الملايين للاحتماء في خيام، أو السعي للانتقال إلى مدن أخرى.
وبينما تعهد أردوغان بإعادة بناء المنازل في غضون عام، إلا أن الأمر سيستغرق أشهرًا قبل أن يتمكن آلاف من مغادرة الخيام والملاجئ المؤقتة، والتوقف عن الانتظار في طوابير يومية، للحصول على الطعام والانتقال إلى مساكن.
أسئلة مشروعة
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الزلزال الأكثر تدميراً في تركيا منذ عام 1939 أثار أسئلة عما إذا كان من الممكن تجنب هذه المأساة الواسعة النطاق، وما إذا كان بإمكان حكومة الرئيس أردوغان فعل المزيد لإنقاذ الأرواح.
ومع اقتراب الانتخابات، أصبح مستقبله على المحك بعد 20 عامًا في السلطة، وذهبت دعواته للوحدة الوطنية أدراج الرياح، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن رجب طيب أردوغان اعترف بأوجه قصور في الرد، لكنه بدا أنه يلوم القدر.
وتقع تركيا على خطين صدعين ولديها قوانين بناء زلزالية يعود تاريخها إلى أكثر من 80 عامًا، لكن الزلزال المزدوج الذي وقع في 6 فبراير الماضي كان أقوى بكثير من أي زلزال شهدناه منذ عام 1939.
وتطلبت الأمر عملية إنقاذ واسعة النطاق منتشرة في 10 من مقاطعات تركيا البالغ عددها 81 مقاطعة، لكن الأمر استغرق وقتًا حتى تجهيز الاستجابة، بينما لم يكن بالإمكان الوصول إلى بعض القرى لأيام.
ورغم أن تركيا تتمتع بخبرة أكبر في مجال الزلازل، أكثر من أي دولة تقريبًا، فإن مؤسس مجموعة الإنقاذ التطوعية الرئيسة يعتقد هذه المرة أن السياسة أعاقت الطريق.
وتقول «فورين بوليسي»، إن الجيش التركي أمضى أهم 48 ساعة بعد الكارثة في المراقبة، مشيرة إلى أنه في تلك المدة جرى نشر قرابة 7500 فرد فقط، ما يزيد قليلاً على عُشر الاستجابة لزلزال مرمرة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن استجابة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للكوارث، قوبلت بانتقادات واسعة النطاق من جميع شرائح المجتمع التركي، لا سيما بسبب تأخر القوات المسلحة التركية وعدم كفاية مشاركتها في جهود الإنعاش.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن رد القوات المسلحة التركية البطيء وغير الفعال، لم يكن بسبب عدم تحفيز أعضائها أو عدم كفاءتهم، بل بسبب التحول المؤسسي الجذري الذي حدث في عهد أردوغان.
وعندما تولى أردوغان رئاسة الوزراء عام 2003، تمتع الجيش التركي بسلطة ومكانة هائلة في النظام السياسي التركي، إلا أن أهداف ترويض الجيش ومقاومة الانقلاب، كانت الشغل الشاغل للرئيس التركي، الذي قام بإصلاحات جذرية للجيش، وعزز سيطرته على أقوى مؤسسة في البلاد.
الجيش والشعب يدفعان الثمن
منذ عام 2000، قلص الجيش التركي إلى النصف من خلال عمليات الفصل، وسجن آلاف الضباط، ما قلص حجم الجيش وجعل المناصب القيادية الحاسمة على أساس الولاء السياسي، على حساب الجدارة.
واستدلت الصحيفة على رؤيتها بقولها، إن القيادة العليا لهيئة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD)، المؤسسة الحكومية التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن الاستجابة للكوارث والطوارئ، يهيمن عليها بيروقراطيون ليس لديهم خبرة في هذا المجال.
وختمت الصحيفة تقريرها، بقولها إن إعادة الهيكلة القاسية للمؤسسات التركية لم تمنع محاولة الانقلاب ولم تعزز أداء الجيش التركي في القتال، مشيرة إلى أنه مع ارتفاع عدد القتلى وكشف الدمار الذي خلفه الزلزال، من الواضح أن معظم مؤسسات الدولة قد تم تقويض هدفها الأساسي: الحفاظ على سلامة الأتراك.
وأشارت إلى أن الشعب التركي دفع ثمن هوس رئيسه بالسلطة المركزية والسيطرة الحزبية، مضيفة: ما يتبقى هو ما إذا كان أردوغان سيدفعه بالنهاية أيضًا في الانتخابات المقبلة.