في معركة الديمقراطية.. نتنياهو يواجه غضب الإسرائيليين
لم تواجه أي حكومة إسرائيلية موجة احتجاج مثل تلك التي تواجه خطة حكومة نتنياهو -رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد- لإضعاف المحكمة العليا

ترجمات - السياق
رأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه غضبًا شديدًا من فئات عدة في إسرائيل، رافضة للتعديلات الجديدة التي قد تشمل المحكمة العليا، ما يجعله يخسر كثيرًا على الجبهة الأكثر أهمية "الرأي العام"، مشيرةً إلى أنه لم يسبق لرئيس الوزراء أن واجه موجة احتجاج، مثل تلك التي في الشوارع.
ففي الأسابيع الأخيرة، احتج عشرات الآلاف من الإسرائيليين على حكومة نتنياهو، التي يقول المعارضون إنها تهدد الديمقراطية والحريات، وشهدت هذه الاحتجاجات انقلاب رجال الأعمال والاقتصاديين على رئيس الوزراء.
وقالت الصحيفة، في تحليل للكاتب الصحفي أنشل بفيفر: "عندما تشعر حتى الطبقات الوسطى في إسرائيل بالفزع، يبدو من الواضح أن نتنياهو يعاني مشكلة في الرأي العام".
وأشارت إلى أنه لم تواجه أي حكومة إسرائيلية موجة احتجاج مثل تلك التي تواجه خطة حكومة نتنياهو -رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد- لإضعاف المحكمة العليا.
فقد أثارت خطط حكومته الجديدة، لإصلاح النظام القانوني في إسرائيل، وتقويض استقلالية المحكمة العليا، والحد من سلطتها في محاسبة السلطة التنفيذية، غضب خصومه المتوقعين، بمن في ذلك خصومه السياسيون والقضاء، والآن يتدخل الاقتصاديون وقادة الأعمال في البلاد، ليشاركوا في الاحتجاجات أيضًا، محذرين من أنه قد يعرض ازدهار البلاد للخطر.
احتجاجات مختلفة
وبينت "هآرتس" أنه كانت هناك موجات من المظاهرات الطويلة، مثل احتجاج العدالة الاجتماعية 2011 بشارع روتشيلد في تل أبيب ومظاهرات 2020-21 في شارع بلفور بالقدس ضد حكومة الوحدة بين نتنياهو مع بيني غانتس، ورغم الضجيج الذي أحدثوه، لم يهددوا نتنياهو.
أيضًا -حسب الصحيفة- كانت هناك مظاهرات حاشدة مثل التظاهرة اليسارية الأسطورية التي ضمت نحو 400 ألف شخص في تل أبيب عام 1982 للمطالبة بلجنة تحقيق في مذبحة صبرا وشاتيلا، وتظاهر نحو نصف مليون من أعضاء الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة في القدس عام 1999 للاحتجاج على المحكمة العليا... "لكن هذه الحشود لم تخرج سوى مرة واحدة".
بينما كادت بعض المظاهرات تنحدر إلى أعمال عنف مميتة -ومن ذلك تلك التي نُظمت ضد تعويضات المحرقة من ألمانيا عام 1952، واحتجاجات المزراحي ضد وحشية الشرطة عام 1959، واحتجاجات الإسرائيليين الإثيوبيين عام 2019- لكن لم يكن لأي من هذه المظاهرات القدرة على تحدي القيادة السياسية.
بينما الاحتجاجات الحالية دخلت أسبوعها السادس، منذ أن قدم وزير العدل ياريف ليفين خطط الحكومة لإصلاح القضاء.
وشهدت المظاهرات الحالية كل شيء، كمحاولة لإجهاض تمرير القانون الجديد، بدءًا من حشد مئات الآلاف من الإسرائيليين أسبوعًا بعد آخر، وإشراك قطاعات من الجمهور لا تشارك عادةً في السياسة، مثل موظفي التكنولوجيا العالية والاحتياطيين في الجيش، بل شارك أيضًا قادة سابقون بالمؤسسة العسكرية، مثل رئيس الموساد السابق تامير باردو، ورئيس الأركان السابق بجيش الدفاع الإسرائيلي دان حالوتس.
وبلغ الأمر أن خرج حالوتس، ليقول خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنه سيتفهم أسباب أي شخص يرفض الخدمة في الجيش، إذا مررت الحكومة هذا القانون.
وقال حالوتس في مقابلة مع القناة 12 العبرية: "إن جنود الجيش وضباطه لن يسمحوا لأنفسهم بأن يتحولوا إلى جيش من المرتزقة يديره ديكتاتور"، في إشارة إلى نتنياهو.
وواصل مهاجمة الإصلاحات القضائية قائلاً إنها "ستمنح المستوى السياسي حصانة أمام الطعن في قراراته، ما يعني نوعًا من الديكتاتورية وتدمير النظام القضائي".
ووفقًا للاستطلاعات الأخيرة -حتى الآن على الأقل- تحظى الاحتجاجات بدعم معظم الإسرائيليين، الذين يعارضون "الإصلاح" الذي يدفع من دون حتى ما يشبه الإجماع الوطني.
وترى الصحيفة الإسرائيلية، أن ما يجعل المظاهرات أكثر تميزًا، أن المجتمع المالي والتجاري يقف أيضًا مع المتظاهرين، سواء في دعم المحكمة العليا من حيث المبدأ، أم في التحذير من تهديد كبير للاقتصاد الإسرائيلي.
وفي رسالة مفتوحة إلى نتنياهو، أخبره اثنان من محافظي البنك المركزي السابقين، بأنه من خلال إضعاف استقلالية المحكمة، يُخاطر بجعل إسرائيل أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، ما يؤدي إلى انخفاض تصنيفاتها الائتمانية.
كما أرسل قادة الأعمال والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا -الذي شكلّت صناعاته عام 2021 نحو 54 في المئة من صادرات إسرائيل من السلع والخدمات- رسائل مماثلة إلى رئيس الوزراء.
وفي 24 يناير الماضي، نظم قرابة ألف عامل تقني أول إضراب لهم، احتجاجًا على مقترحات الحكومة، وساروا يحملون لافتات عليها "لا ديمقراطية... لا تكنولوجيا عالية".
وذهب بعض رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إلى أبعد من ذلك، فأعلنوا أنهم يحولون أموالهم إلى الخارج.
مخاوف خارجية
في الوقت نفسه، تعبر الحكومات الأجنبية عن مخاوفها، حال تمرير القانون الجديد، بما في ذلك مداخلة نادرة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تعليقاته بصحيفة نيويورك تايمز عن "عبقرية الديمقراطية الأمريكية والديمقراطية الإسرائيلية".
فقد كسر الرئيس الأمريكي حاجز الصمت، بإعلانه للمرة الأولى أن الديمقراطية الإسرائيلية مبنية على "قضاء مستقل".
ودعا في تصريحات نقلتها "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى "بناء توافق في الآراء بشأن التغييرات الأساسية"، موضحًا أنه أمر"مهم لضمان أن يشتريها الناس حتى يمكن أن يستمروا".
وقارن بايدن بين "الديمقراطية الأمريكية والديمقراطية الإسرائيلية"، بقوله: "إنهما مبنيتان على مؤسسات قوية وضوابط وتوازنات، على قضاء مستقل".
وحسب "هآرتس"، بلغت هذه التظاهرات ذروتها، الاثنين، مع بدء أولى جلسات الحكومة للتصويت الأولي، على فصول التعديل الذي لا يحظى بالإجماع حتى لدى الطبقات السياسية، في حين أن نتنياهو يعده ضروريًا بالنظر إلى غياب توازن القوى بين ممثلي الشعب المنتخبين والمحكمة العليا.
فقد خرج عشرات آلاف الإسرائيليين مرة أخرى، الاثنين، إلى الشارع للتظاهر أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ضد التعديل المثير للجدل للنظام القضائي، الذي يهدف إلى تعزيز سيطرة أعضاء البرلمان على المحكمة العليا.
وحمل المتظاهرون، الذي لوحوا بالأعلام الإسرائيلية، لافتات كُتبت عليها شعارات ضد التعديلات بينها "أنقذوا ديمقراطية إسرائيل" و"العالم كله يراقب".
ومن شأن التعديلات المقترحة للنظام القضائي أن تتيح للبرلمان الإسرائيلي، إلغاء أي قرار للمحكمة العليا بأغلبية بسيطة من 61 نائبًا في المجلس المكون من 120 مقعدًا، وإحكام قبضة السياسيين على النظام القضائي وآلية تعيين القضاة.
جاءت المظاهرة في الوقت الذي بدأت الحكومة التصويت الأولي على بنود مقترح القانون، الذي تعرض لانتقادات لافتة.
الأحد الماضي، في خطوة نادرة، خاطب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، الشعب الإسرائيلي قائلًا إن الدولة العبرية "على وشك الانهيار القانوني والاجتماعي".
وحث هرتسوغ، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف التعديلات المقترحة، وإجراء محادثات مع المعارضة، على أمل الوصول إلى حل وسط، وأضاف الرئيس الإسرائيلي: "أناشدكم عدم التصويت على مشروع القانون بالقراءة الأولى".
وتعليقًا على ذلك، قالت "هآرتس": "لا عجب أن اختار الرئيس اسحق هرتسوغ ليلة الأحد لتدخله الطارئ، الذي عرض فيه منبرًا للمفاوضات بين الائتلاف الحاكم والمعارضة والنظام القضائي، لكن في النهاية، نتنياهو هو الذي يحتاج إلى استراتيجية خروج".
وأضافت: "في حياته السياسية الطويلة، لم يواجه نتنياهو أي شيء من هذا القبيل، لقد خسر الانتخابات، خاصة عندما يواجه حملات جيدة بالتخطيط مثل عامي 1999 و2006، لكن ما يواجهه الآن أكبر بكثير من الفوز أو الخسارة في الانتخابات... إنها معركة من أجل إرثه".
وأشارت إلى أن نتنياهو عاد إلى منصبه نهاية عام 2022 بمخططات كبيرة لصُنع السلام مع السعوديين، والارتقاء بالاقتصاد الإسرائيلي إلى مستوى أكبر، إلا أن التاريخ قد يسجل أنه الرجل الذي تمكن من تدمير ديمقراطية إسرائيل وازدهارها الاقتصادي.
وحسب الصحيفة "يبدو أن نتنياهو لم يكن يدرك أن خطط وزير عدله (ياريف ليفين) ستثير هذه المعارضة، خاصة أنه كان قد قضى على الجانب الآخر في انتخابات 1 نوفمبر".
لكن الطريقة العضوية التي نما بها هذا الاحتجاج فاجأت الجميع، بما في ذلك المعارضة.
وحسب "هآرتس"، يشعر الذين نزلوا إلى الشوارع، وكذلك الاقتصاديون وخبراء الأمن، بأن هذا ليس مجرد سؤال تقني عن كيفية تعيين القضاة، بل مسألة وجودية تحدد شخصية إسرائيل ومستقبلها، ومن ثمّ فقد شددت تحركات الحكومة الجديدة تصميم المحتجين وكسرت حدود ما كانت الطبقات المتوسطة المريحة في إسرائيل قادرة على قبوله.
وفي غضون أسابيع، أصبح برنامج الحكومة قضية يهدد فيها أكثر الإسرائيليين وطنية بخرق القواعد القديمة.
أمام ذلك -تضيف الصحيفة- "قد يقرر نتنياهو الاستمرار في المسار، إذ قد لا يسمح له تحالفه بالبحث عن مخرج، حتى لو أراد ذلك، لكن ليس هناك من طريقة لإقناع نصف البلد على الأقل بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله".
وتابعت: "حتى لو تمكنت الحكومة من سلب المحكمة العليا استقلاليتها، فقد خسر نتنياهو المعركة مع الجمهور".