اعتقال قيادات إخوانية في تونس.. هل تكون الضربة الأخيرة للتنظيم الإرهابي؟
يقول الباحث والمحلل السياسي التونسي محمد بوعود، في تصريحات لـ-السياق-، إن الاعتقالات الراهنة ليست سياسية، لكنها تتعلق بمسألة التآمر على أمن الدولة، والعلاقات المشبوهة مع أطراف خارجية، وسوء إدارة وصرف أموال لبعض النقابات

السياق "خاص"
ضربة جديدة لـ«إخوان تونس» أدمت أوصاله، وأكدت مضي البلد الإفريقي في رسم خارطة طريقه الخالية من التنظيم الإرهابي، الذي عاث فسادًا طوال عشرية من الزمان، أعادت تونس أعوامًا إلى الوراء.
فمن اقتصاد مُنهك، مرورًا بعدالة غائبة، إلى حلبة سياسية أرهقتها المكايدات والتربص، كانت ملامح حقبة سوداء، عاشتها تونس تحت براثن حكم حركة النهضة، التي ظنت أن ساعة الحساب على جرائمها لن تأتي.
إلا أن مسار 25 يوليو 2021 الذي حمل على عاتقه أن تكون تونس بلا إخوان، قطع خطوات كبيرة في هذا المسار، باستفتاء شعبي، مرورًا بمرحلتي الانتخابات التشريعية، إلى الحلقة الأخيرة التي تسارعت وتيرة أحداثها، بالملاحقات القضائية للإخوان ومعاونيهم، الهادفة إلى محاسبتهم على ما اقترفته أيديهم بحق تونس والتونسيين.
أبرز التطورات
خلال اليومين الماضيين، نفذت السلطات التونسية حملة اعتقالات، شملت كوادر في تنظيم الإخوان، وسياسيين بارزين ورجال أعمال يتمتعون بنفوذ قوي، بشبهة «التآمر على أمن الدولة».
آخر الملاحقات القضائية، كانت صباح الثلاثاء، باعتقال الشرطة التونسية، القيادي الإخواني وزير العدل الأسبق، نور الدين البحيري وابنه الأكبر، على خلفية مكالمات هاتفية بينه وبين الناشط السياسي خيام التركي، في «قضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة الانقلاب على الحكم».
وبحسب وسائل إعلام تونسية، فإن البحيري الذي يلقب بمهندس الصفقات المشبوهة للإخوان، العقل المدبر لها، يواجه اتهامات بينها محاولة إتلاف ملفات تثبت علاقة حركة النهضة بالاغتيالات السياسية.
وشغل البحيري منصب وزير العدل في حكومة الإخواني حمادي الجبالي بين عامي 2011 و2013، ثم وزيرًا معتمدًا بحكومة علي العريض بين عامي 2013 و2014.
اعتقال البحيري ونجله، جاء بعد يوم من اعتقال قوات الشرطة التونسية، نور الدين بوطار مدير إذاعة موزاييك إف إم واسعة الانتشار، بعدما داهمت بيته وفتشته، بحسب تصريحات المحامية دليلة بن مبارك، لوسائل إعلام محلية.
اعتقالات الاثنين والثلاثاء، تأتي بعد يومين من اعتقال السلطات التونسية، البرلماني الإخواني الأسبق عبدالحميد الجلاصي ورجل الأعمال التونسي كمال لطيف الملقب بـ«الرجل الغامض»، والناشط السياسي خيام التركي بتهمة التآمر على أمن الدولة والانقلاب على نظام الحكم.
تلك الاعتقالات تأتي في إطار عملية قضائية، كان آخرها في نوفمبر 2022، بالتحقيق مع 14 شخصًا، بينهم 11 من موظفي وزارات الداخلية والخارجية والعدل، بتهم عدة، أبرزها بيع الجنسية ومنح جوازات سفر لإرهابيين، في إشارة إلى ملف التسفير الذي يحاكم على ذمته أبرز قيادات الإخوان في تونس.
ذلك المسار الذي يعد آخر حلقات «25 يوليو»، وصفه أحد السياسيين التونسيين بـ«ليلة السكاكين الطويلة»، في إشارة إلى أن النظام في تونس، لن يعود عنه إلا بوضع رقاب الإخوان ومن تلوثت أيديهم بتشويه صورة تونس بتسفير أبنائها لبؤر الإرهاب، إضافة إلى كشف من يقف وراء ملف الاغتيالات السياسية، وغسل الأموال والتمويلات الأجنبية.
تجفيف منابع التمويل
إلى ذلك، يقول المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، في تصريحات لـ«السياق»، إن عملية تجفيف منابع الفساد، التي تستفيد منها حركة النهضة الإخوانية، يمكن تسميتها «ليلة السكاكين الطويلة»، إذ شملت كمال لطيف «رجل السر»، الذي عمل من وراء الستار خلال إطاحة الرئيس السابق بن علي، إضافة إلى تورطه في التنسيق لأحداث 2011.
المحلل التونسي استند في رؤيته إلى عملية القبض على خيام التركي، باعتباره الرجل الأول لحركة النهضة، في عمليات الفساد خلال عشر سنوات، إضافة إلى قائمة طويلة من الأمنيين الذين تآمروا على البلد.
وعن موقف حركة النهضة، قال المحلل التونسي، إنها لن تستطيع أن تتقدم خطوة إلى الأمام أو أن تغير المشهد، لأنها أسيرة أفعالها، بينما يلقي النظام في تونس بثقله وراء تجفيف منابع الفساد ومحاسبتها على الفترة التي تولت فيها زمام الحكم.
ووصف التوقيفات بـ«قرارات الوزن الثقيل»، إذ شملت المدير العام السابق للأمن الوطني سامي الهيشري، والقاضي السابق الذي أعفته السلطات التونسية، البشير العكرمي، إضافة إلى ضابط الجيش المتقاعد أحمد المحيرصي من مجموعة براكة الساحل، وهو على علاقة بعصابة التآمر على أمن الدولة، وغيرهم.
إنفاذ القانون
من جانبه، قال الباحث والمحلل السياسي التونسي محمد بوعود، في تصريحات لـ«السياق»، إن الاعتقالات الراهنة ليست سياسية، لكنها تتعلق بمسألة التآمر على أمن الدولة، والعلاقات المشبوهة مع أطراف خارجية، وسوء إدارة وصرف أموال لبعض النقابات.
وأوضح المحلل التونسي، أن قضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ألقت بظلالها على المشهد في تونس، خاصة بعد إلقاء القبض على قاضيين ذكر اسمهما كثيرًا في ملفات فساد وتلاعب بالمستندات.
كانت إذاعة موزاييك التونسية المحلية، قالت إن اعتقال القاضي السابق بشير العكرمي، مرتبط بملف اغتيال السياسي شكري بلعيد، مشيرة إلى أن توقيف القاضي الطيب راشد للاشتباه في قضية فساد مالي.
وعن أسباب تزامن تلك الاعتقالات رغم تعدد القضايا، قال المحلل التونسي، إن ما يجمعها استعادة الدولة التونسية لعافيتها، وعزمها على المحاسبة وإنفاذ القانون على الجميع، بعد سنوات تمتعت فيها هذه الأسماء بحصانة ونفوذ فوق القانون.
وقال بوعود، إن حركة النهضة لن تستطيع أن تفعل شيئًا أو أن تحمي هؤلاء، كونها متورطة في عدد من القضايا، بينما رئيسها راشد الغنوشي على ذمة القضاء، إضافة إلى أن كثيرًا من حلفائها في السجون.
الحلقة الضيقة
من جهة أخرى، يرى الدكتور عبيد الخليفي، الباحث التونسي المتخصص في الحركات الجهادية والإسلام السياسي، أن التوقيفات الأخيرة لم تطل الحلقة الضيقة لحركة النهضة، مشيرًا إلى أنها مرتبطة بالصراع السياسي، ومحاولة لصرف الأنظار عن ملفات أخرى.
واستند الباحث التونسي في رؤيته، إلى أن الملفات المرتبطة بحركة النهضة الإخوانية، التي تتعلق بالتسفير وتمويل الإسلام السياسي والاغتيالات السياسية، لم تجد إرادة سياسية وسندًا قضائيًا لكشف ملابساتها حتى الآن، مشيرًا إلى أن هناك ارتباكـًا سياسيًا في التعامل مع حركة النهضة، وهناك تردد في التعامل معها سياسيًا وقضائيًا.
وزعم أن الرئيس التونسي يدير هذا الملف بلا شركاء «إذ يجد نفسه مكبلًا بغياب الرؤية والتصور»، مشيرًا إلى أن التوقيفات الأمنية خلال السنة الماضية «مرتبطة بملفات قضائية غير مركزية، ولا تتعلق مباشرة بالنهضة»، على حد قوله.