داعش العراق يعود بالجيل الرابع وتكتيك الأذرع المزدوجة.. هل يكرر سيناريو القاعدة؟
حدة هجمات داعش في العراق تصاعدت في الفترة الأخيرة، قياساً بالأشهر الماضية، خصوصاً بعد استهداف قوات الأمن في كركوك شمالي البلاد، وفي منطقة الطارمية شمالي العاصمة بغداد

السياق
رغم هزيمته رسميًا عام 2017 في العراق، فإن «داعش» ما زال تهديدًا للقوات الأمنية، وللبلد الآسيوي والمنطقة، خاصة بعد «الريمونتادا»، التي أعادت التنظيم الإرهابي إلى الساحة.
فبينما اتكأت استراتيجية تنظيم داعش للبقاء والنمو في صعوده عام 2013 على عوامل عدة، أبرزها: السيطرة على الأراضي وتوسيعها كوسيلة للاستنزاف، وجذب المقاتلين الأجانب، واستخدام الأيديولوجيا والإعلام كأداة للسيطرة على الناس، وتجنيد المقاتلين، وجمع الأموال، وتطوير استراتيجية عسكرية مركزية، ما زالت ملامح تلك الاستراتيجية شاخصة بأبصارها حتى اللحظة في العراق وسوريا، رغم تباطؤ وتيرتها بفعل العمليات العسكرية للقوات العراقية والأمريكية.
ومنذ نهاية 2022 وبداية عام 2023 بدأ تنظيم داعش جهوداً مكثفة للانبعاث الثالث في سوريا، ما يعد تهديداً خطيراً وأساسياً للعراق، لأن التنظيم الإرهابي أظهر قدرته على استخدام استراتيجية «الأذرع المزدوجة»، التي بموجبها يتحرك التنظيم في منطقتين متوازيتين، لمنع تركيز أي جهد عسكري على جبهة واحدة.
100 مليون دولار
تقول ورقة بحثية، اطلعت «السياق» على نسخة منها، إن هجمات داعش الإرهابية في العراق كانت متذبذبة، فمنذ أغسطس 2020 شهد العراق 100 هجوم لداعش، إلا أن ديسمبر من العام نفسه شهد أقل ضحايا، منذ اندلاع المعارك عام 2014، لكنها ارتفعت بداية عام 2021.
وبحسب مسؤول مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة فلاديمير فيرونكوف، فإن أكثر من 10 آلاف مقاتل داعشي ينشطون في العراق وسوريا، بينما قال تقرير لجنة معاقبة القاعدة وداعش، التابعة لمجلس الأمن للأمم المتحدة في فبراير 2021، إن داعش لديه 10 آلاف مقاتل معظمهم في العراق.
ويمكن تقدير عدد قوات داعش في العراق بـ5 آلاف مقاتل، فضلاً عن 5 آلاف كقوة نائمة تعمل على الدعم اللوجستي، وفق تقارير الأمم المتحدة، التي تحدثت عن أن الموارد المالية لداعش أكثر من 100 مليون دولار، فضلاً عن امتلاكه عائدات محدودة من الاتجار بالمخدرات والاختطاف والابتزاز وأخذ الإتاوات.
وقال مسؤولون أمنيون عراقيون، إن داعش تمكن من تمويل نفسه ذاتياً عن طريق تهريب المخدرات، كما شهدت صحراء الأنبار مرات عدة نقل شحنات من المخدرات عبر أراضيها، إضافة إلى أنشطة أخرى توفر للتنظيم الإرهابي الأموال اللازمة لتنفيذ هجماته الإرهابية، والحصول على الأسلحة والغذاء والدواء والمركبات، وكل ما يلزم لاستمرار التنظيم ومواصلة أنشطته المتمردة، فضلاً عن تجنيد مقاتلين جدد.
سيناريو القاعدة
بحسب دراسة لمركز البيان للدراسات والتخطيط، فإن "داعش" استطاع استعادة قواته في صحراء العراق، مشيرة إلى أنه بينما هناك إمكانية كبيرة للقضاء على التنظيم، إلا أن مقاتليه سيبقون على الأحداث، استنساخاً لتجربة القاعدة.
وأكدت الدراسة أن داعش على خُطى القاعدة في بلاد الرافدين بعد هزيمته عام 2007، والسنوات التي سبقت 2013، مشيرة إلى أنه يستخدم تكتيكات قتالية، تركز على تنفيذ عمليات إرهابية، والعمل على انعدام الأمن في بعض أجزاء العراق.
وأشارت إلى أن مقاتلي داعش ركزوا في العراق على زيادة الهجمات الإرهابية، لاسيما ضد قوات الأمن، بدلاً من إعادة احتلال الأراضي في بعض المحافظات، خصوصاً في مربع كركوك، وصلاح الدين، والأنبار، وديالى، التي يزعم التنظيم أن له القدرة على التجنيد وتشكيل الخلايا النائمة فيها.
وبحسب تقرير موقع ميدل إيست البريطاني، فإن تنظيم داعش يستطيع عن طريق الاستفادة بمعرفته بطبيعة الأراضي، والمناطق النائية، والفضاء الصحراوي، والجبال والمجموعات المتنقلة وعديد من الخلايا، والمؤيدين في العراق، العمل وتنفيذ من الهجمات في مناطق عدة مثل الأنبار، وشمالي بغداد، وكركوك، وصلاح الدين، ونينوى، وديالى، ودجلة ديالى، وبابل الجزيرة وبادية، الفرات والفلوجة، والقطاع الجنوبي.
ورغم التقدم الواضح للقوات الأمنية العراقية في محاربة داعش خلال العامين الماضيين، ما أسفر عن قتل عدد من كبار قادة التنظيم وتدمير خلاياه وأوكاره، فإنه لا تزال مناطق في العراق، خصوصاً في الشمال والغرب، لاسيما مربع كركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى، تشهد اعتداءات إرهابية متكررة، بينما حافظ "داعش" على هيكله الهرمي، حتى بعد اغتيال كبار قادته، بتعيين حكام وقادة من مناطق مختلفة لمواصلة عملياته.
وبحسب مسؤولين عراقيين، فإن التنظيم الإرهابي لم يعد قادراً على المواجهة المباشرة مع القوات العراقية، لكنه قد يواصل الكمائن لاصطياد الأمن والمدنيين، والأهم هو تراجع هجماته بصورة كبيرة، جراء محاصرته في مناطق معروفة من السلطات الأمنية.
ملاذات آمنة
ورغم ذلك، فإن ضابطًا عسكريًا ميدانيًا كبيرًا قال لموقع ميدل إيست آي، إن مقاتلي داعش لديهم معلومات عن عدد الجنود في المقار التي يهاجمونها، إضافة إلى أين كانوا، ومتى بدلوا مهامهم، وحتى عاداتهم اليومية.
وبحسب الموقع البريطاني، فإنه منذ القضاء على «داعش» من معاقله الحضرية في العراق عام 2017، انسحب مقاتلو التنظيم -في الغالب- إلى ملاذات قديمة منتشرة في صحراء الأنبار الغربية وحوض حمرين، الذي يقع شمالي بعقوبة، عاصمة ديالى.
ورغم أن الصحراء الغربية كانت ولا تزال ملاذًا مهمًا للتنظيم، فإن القادة العسكريين والمراقبين العراقيين يقولون إن أغلبية مقاتلي داعش لجأوا إلى حوض حمرين.
وكانت المنطقة من أكبر وأخطر معاقل الجماعات السُّنية والكردية المتطرفة منذ عقود، حيث توفر وعورة الحوض وتنوع تضاريسه، شبكة من الممرات الآمنة، التي تخترق الوديان والتلال.
وتقع المنطقة في الأرض التي تلتقي فيها محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، وتربط بين شمال العراق وغربه، بينما قال عنها قائد عسكري عراقي كبير، إن ذلك يجعلها «عقدة نقل استراتيجية لأي جماعة مسلحة أو قوة عسكرية نظامية»، مشيرًا إلى أنه يمكن لمن يسيطر على حوض حمرين أن يفصل بغداد عن شمالي العراق، بما في ذلك إقليم كردستان شبه المستقل والمناطق المجاورة.
وقال قادة عسكريون عراقيون ميدانيون لموقع ميدل إيست آي، إن مقاتلي داعش اعتمدوا -إلى حد كبير- تكتيكات حرب العصابات، ورغم أن عجز التنظيم في الموارد البشرية والمالية استلزم هذه الاستراتيجية، يشير القادة إلى أنها طريقة فعالة لـ«إنهاك» القوات العراقية، بخلاف إثبات وجود داعش وقوته.
وقال قائد في قوات الرد السريع، إن «هذه المناطق الأخطر عسكريًا، ويصعب على قواتنا السيطرة عليها لأنها وعرة وتمتد عشرات الكيلومترات»، مشيرًا إلى أن «السيطرة على هذه المناطق تتطلب عمليات عسكرية ومراقبة مستمرة للحدود وجهودًا استخباراتية ضخمة».
وبحسب التقرير البريطاني، فإن أكثر المداهمات رعبًا، سواء بالنسبة للقوات العراقية أم المدنيين، هي الهجمات المباشرة على نقاط الحراسة وعمليات الخطف، بينما قال قادة عسكريون، إن العدد الحقيقي لعمليات الاختطاف التي تستهدف الجنود والمقاتلين شبه العسكريين المنتشرين في المنطقة أكبر بمرات عدة من العدد المعلن.
وأضافوا: «عدم وجود مقاتلي داعش في المناطق المستهدفة بالحملة العسكرية، لا يعني أنهم يأتون من السماء، فهم بين السكان ويراقبون تحركاتنا بشكل مباشر». ويعتقد القادة أن المسلحين ينتشرون بين القرى الخلابة، المنتشرة عبر تلال وسهول ووديان حوض حمرين.
تداعيات عودة داعش
تقول الورقة البحثية، إن تزعزع الاستقرار وانعدام الأمن في سوريا، سيؤدي إلى نجاح داعش وانبعاثه، مشيرة إلى أن الأزمة السورية أضافت لقدرات التنظيم الإرهابي كثيراً بطرق عدة، أهمها: استغلال داعش للحرب السورية لاحتلال جزء من البلاد، وتحويل شرقي سوريا إلى قاعدة لتطوير قدراته وتوسيعها، وتنظيم قواته وتدريبها في سوريا من دون قلق جدي وبأريحية، إضافة إلى استغلال موقع العراق الجغرافي لاستقطاب أعداد كبيرة من القدرات البشرية والمالية واللوجستية من دول مختلفة.
وبحسب الورقة البحثية، فإن تصاعد العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في سوريا، تقابله زيادة العمليات الإرهابية في المدن العراقية، مشيرة إلى أن حدة هجمات داعش في العراق تصاعدت في الفترة الأخيرة، قياساً بالأشهر الماضية، خصوصاً بعد استهداف قوات الأمن في كركوك شمالي البلاد، وفي منطقة الطارمية شمالي العاصمة بغداد.
ومنذ نوفمبر الماضي، عاود داعش هجماته النوعية ضد القوات العراقية في أطراف كركوك وديالى، بعد توقف لأشهر نتيجة العمليات الأمنية ضد التنظيم، في التلال والجبال المحيطة بالمدينة.
ونهاية عام 2022، وقعت إحدى أعنف الهجمات التي نقذها التنظيم هذا العام في العراق، إذ قتل ما لا يقل عن 7 من قوات الأمن العراقية، بينهم ضابط كبير برتبة رائد وأصيب 3، في هجوم استهدف مركبتهم بمحافظة كركوك شمالي العراق.
رسائل إرهابية
أما ثاني أعنف هجوم، فتمثل في استهداف داعش، مدنيين بإحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى شرقي العراق، ما أدى إلى قتل 8 أشخاص، في رسائل من التنظيم الإرهابي لكسب مقاتلين من الداخل، والدعم والتمويل من الخارج، بحسب الناطق باسم جهاز مكافحة الإرهاب في العراق صباح النعمان.
وقال النعمان إن تنظيم داعش لجأ إلى حرب العصابات، ومحاولة القيام بعميات استنزاف للقوات الأمنية، انطلاقاً من أن حرب العصابات صعبة، وتكون عملياتها سريعة ومباغتة، وتتطلب من القوات الأمنية أن تكون على استعداد عالٍ وجهد استخباري.
ورغم ذلك، فإنه قال إن الهجمات المسلحة المباغتة شمالي العراق، تحديداً بمنطقتي ديالى وكركوك، التي نقذتها فلول تنظيم داعش الإرهابي، تعد لحظة انبعاث مؤقتة تستهدف عن طريقها، الضغط على مخاوف قديمة من عودة داعش.
أين ينشط داعش في العراق؟
بتكتيكات مغايرة لإعادة التموضع وملء مساحات جغرافية جديدة، بالاعتماد على المناطق الرخوة أمنياً، ينشط "داعش" في ثلاث مناطق رئيسة بالعراق: جزيرة الأنبار، الممتدة من وادي حوران وصولاً لصحراء الرطبة، والمنطقة الثانية تلال حمرين، وصولاً لمناطق الحويجة وجنوبي كركوك، أمَّا المنطقة الثالثة فهي سلسلة جبال قره جوخ في قضاء مخمور شرقي محافظة نينوى.
وبحسب مصادر أمنية عراقية، فإن هناك معسكرات تدريبية لداعش في صحراء محافظة الأنبار غربي العراق، وعلى الشريط الحدودي مع سوريا، بينما قالت القيادة المركزية الأمريكية إن «التنظيم ينمو نمواً متسارعاً في مخيم الهول، شمالي سوريا، وإن نصف سكان المخيم من العراق».
الجيل الرابع
تشير مراكز الأبحاث إلى وجود جيل جديد من داعش، يُعرف بـ«الجيل الرابع»، في مناطق صحراء الأنبار، وتحديداً مناطق جزيرة راوة، وغرب الرطبة والحسينية، مشيرة إلى أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، باتت الأجواء مهيأة لانتشار خلايا التنظيم، لأن القوات العراقية لا تمتلك القوة الجوية الكافية لردع خلايا داعش.
ويتخذ التنظيم وجيله الجديد من المناطق الصحراوية والوديان المعقدة جغرافياً مكاناً لانتشار مقاتليه وتدريبهم، وفق وسائل إعلام محلية، أشارت إلى أن آلافًا من داعش يتدربون بصورة يومية، في معسكرات كبيرة داخل مناطق وادي حوران والحسينية وجزيرة راوة وطريق الثرثار الرابط بين محافظتي صلاح الدين والأنبار.
وبحسب مراقبين، فإن على العراق اتخاذ إجراءات لمنع انبعاث داعش، تشمل: ضبط حدود العراق مع سوريا، ومنع تسلل الدواعش من سوريا إلى العراق، وزيادة التنسيق المشترك بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة، وملء الفراغ الأمني في المناطق المتنازع عليها، والحصول على دعم التحالف الدولي، لا سيما أنَّ القوات الأمنية لا تزال بحاجة إلى الدعم والإسناد.
وأكد المراقبون ضرورة استمرار الضربات الجوية لاستهداف تحركات التنظيم، واستمرار الهجمات البرية والجوية على مقار وملاجئ داعش الرئيسة، وتجفيف الموارد المالية للتنظيم عن طريق قطع المساعدات المالية وعدم دفع الفدية، وإعادة تأهيل عائلات المخيمات وإجراء صلح عشائري، وتعويض المتضررين من الحرب ضد "داعش".