خوفًا من قدرات الصين.. أمريكا وحلفاؤها يعززون دفاعاتهم في المحيط الهادئ

ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن هناك تقدمًا بشأن الشراكات بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الآسيوية، لمواجهة القدرات الصينية المتنامية في المحيطين الهادئ والهندي.

خوفًا من قدرات الصين.. أمريكا وحلفاؤها يعززون دفاعاتهم في المحيط الهادئ

ترجمات - السياق

يومًا بعد يوم تزداد التوترات في المحيطين الهادئ والهندي، ما يُنذر بنشوب حرب محتملة بين الولايات المتحدة والصين، بسبب مخاوف واشنطن من غزو بكين لجارتها الصغيرة تايوان، إذ عززت دفاعاتها في هذه المنطقة، لمواجهة القدرات المتنامية للصين هناك.

ووسط التوترات المتزايدة التي شهدتها العلاقات الصينية الأمريكية لاسيما بعد إسقاط منطاد التجسس فوق مونتانا مطلع الشهر الحالي، شدد رئيس الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ، الأدميرال جون أكويلينو، على أهمية الإسراع في تعزيز دفاعات الولايات المتحدة.

كان الجيش الأمريكي أسقط، في الرابع من فبراير الجاري، قبالة سواحل كارولاينا الجنوبية، المنطاد الصيني بعدما حلق لأيام في السماء، بينما أفاد البنتاغون بأنه يستخدم للتجسس ومهمته جمع معلومات حساسة.

إلا أن بكين نفت ذلك، مؤكدة أنه منطاد مدني، هدفه جمع بيانات الأرصاد الجوية، انحرف عن مساره بسبب الطقس، وانتهى به المطاف فوق الأراضي الأمريكية، متوعدة برد مناسب.

 

سلسلة استفزازات

ونقلت "واشنطن بوست"، عن أكويلينو، قائد القوات العسكرية الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، تأكيده أن رصد بالون التجسس الصيني فوق مواقع نووية حساسة في ولاية مونتانا -الذي أسقطته طائرة مقاتلة أمريكية- لم يكن سوى الحلقة الأحدث في الاستفزازات التي شملت إطلاق صواريخ فوق تايوان، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي في أغسطس الماضي، وتنامي الترسانة النووية للصين بشكل متسارع.

إضافة إلى ذلك، هناك إطلاق كوريا الشمالية لعدد قياسي من الصواريخ العام الماضي، وعلاقة بكين غير المحدودة بموسكو، وتوسع الصين الهائل في القواعد الجوية العسكرية في بحر الصين الجنوبي، والبيئة الحالية التي ربما تكون الأكثر خطوة على الإطلاق منذ 30 عامًا للقيام بهذا العمل، بحسب ما قال أكويلينو في مقابلة من مكتبه المطل على ميناء بيرل هاربر.

كما أوضح أن " الصراع الحالي الذي تشهده الساحة الدولية هو الأخطر منذ عقود بسبب كوريا الشمالية وبكين وموسكو".

وقال: "لا بد من إسراع واشنطن والحلفاء في تعزيز دفاعاتهم ضد الصين".

كذلك أكد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحسين وضع قوتها في المحيط الهادئ، بحسب ما نقلت "واشنطن بوست". وأردف: "كل شيء يجب أن يسير بشكل أسرع لمنع أي نزاع".

وترى الصحيفة الأمريكية، أن الأعمال التي قامت بها الصين وكوريا الشمالية وروسيا، التي وصفتها بالاستفزازية، دفعت الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي إلى تعزيز قدراتهم العسكرية وتعميق التعاون بينهم.

 ونقلت عن إيلي رانتر، مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون أمن المحيطين الهندي والهادئ، قوله: إنهم يعززون دفاعاتهم ويتطلعون إلى تعزيز تحالفاتهم وشراكاتهم لمواجهة أي تهديدات محتملة، مضيفًا: "كل هذه الأشياء تحدث في وقت واحد".

بينما تقول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إن هذا الاتجاه يعكس الجهود المبذولة لإنشاء ما وصفتها الصحيفة بمنطقة حرة ومزدهرة في المحيطين الهندي والهادئ، من خلال التكوين المستمر للشراكات والمضي قدمًا نحو ما يسمى العمل الشبكي من تعزيز التحالفات المشتركة.

 

شراكات متعددة

وبينت "واشنطن بوست" أن هناك تقدمًا بشأن الشراكات بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الآسيوية، لمواجهة القدرات الصينية المتنامية في المحيطين الهادئ والهندي.

ففي ديسمبر، أعلنت اليابان أنها سترفع -بشكل كبير- ميزانيتها الدفاعية وتشتري صواريخ توماهوك الأمريكية الصُنع، بينما قالت الفلبين هذا الشهر إنها ستسمح للقوات الأمريكية بالوصول إلى أربعة مواقع عسكرية إضافية في البلاد.

ومن المتوقع أن تكشف أستراليا -الأسابيع المقبلة- عن طريق للمضي قدمًا في الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي خطة، كما قال مسؤولون، من المرجح أن تشمل نشرًا دوريًا للغواصات الأمريكية في أستراليا، لمساعدة البحرية هناك في تدريب فرقها.

في الوقت نفسه -حسب الصحيفة الأمريكية- تخشى بعض الدول أن يُنظر إليها على أنها منحازة إلى حد كبير مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، على سبيل المثال، تركز على تجنُّب الدخول في منافسة القوى العظمى، وتقول إنها لا ترغب في أن تضطر إلى الاختيار بين الصين والولايات المتحدة.

بينما كانت الهند، وهي شريك مهم في استراتيجية إدارة بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة في التدريبات العسكرية، ومؤخرًا في مجال تكنولوجيا الدفاع، لكن حرصًا منها للحفاظ على سياستها الخاصة بالحكم الذاتي الاستراتيجي، تجنبت أن تصبح جزءًا من أي ترتيب أمني متعدد الأطراف أو الانضمام إلى أي تحالف للضغط على روسيا أو الصين.

في غضون ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا والنمو العسكري الصيني  -التي تفتخر بأنها أكبر قوة بحرية في العالم، وأجرت -العام الماضي- مزيدًا من تجارب الصواريخ البالستية أكثر من بقية العالم مجتمعة، إلى إثارة مخاوف إقليمية من احتمال غزو صيني لتايوان.

وترى الصحيفة أنه رغم أن هذا الغزو قد لا يكون وشيكًا، فإن بعض كبار الجنرالات الأمريكيين يحذرون من عدم جاهزية الجيش الأمريكي هناك، مشددين على ضرورة أن تكون القوات الأمريكية أكثر جاهزية في أي وقت.

وفي ذلك، يقول أكويلينو: إن الولايات المتحدة بحاجة شديدة إلى تحسين وضع قوتها في المنطقة، مضيفًا: "لا بد من إسراع واشنطن والحلفاء في تعزيز دفاعاتهم ضد الصين".

وأردف: "كل شيء يجب أن يسير بشكل أسرع لمنع أي نزاع".

 

إسقاط أمني

وكشفت "واشنطن بوست" عن نموذج ثلاثي الأبعاد -في بهو مكتب أكويلينو المطل على ميناء بيرل هاربر- لجزيرة اصطناعية بناها الصينيون فوق شعاب مرجانية في بحر الصين الجنوبي، لافتة إلى أنها مجهزة بمدرج بطول 3000 متر وحظائر للطائرات المقاتلة.

وأوضحت، أنه بالنسبة للحجم، فإن هذه الجزيرة الصينية "نسخة طبق الأصل من البنتاغون، وتبلغ مساحتها نحو 680 فدانًا، بُنيت قبل سنوات لاستخدامها من قِبل الجيش الصيني".

ويعد هذا النموذج تذكيرًا بالسرعة التي وسعت بها الصين انتشارها العسكري في المنطقة، الأمر الذي أثار قلق جيرانها مثل تايوان وفيتنام والفلبين.

وقال أكويلينو: "لمواجهة هذا التوسع الصيني، فإن دول المنطقة تُسرع توحدها، وتعمل بطرق لم تشهدها"، مشيرًا إلى مناورة شملت ست دول ببحر الفلبين في أكتوبر 2021، اجتمعت بسرعة غير عادية، كتدريب على مواجهة أي طارئ.

وأوضح أن المناورة شهدت ظهور حاملات الطائرات الأمريكية "كارل فينسون ورونالد ريغان" وحاملة الطائرات البريطانية "الملكة إليزابيث"، إضافة إلى حاملة طائرات يابانية ومدمرة هولندية، متزامنة مع الطائرات والمناورات تحت سطح البحر، إضافة إلى عمليات الفضاء، والفضاء الإلكتروني.

كما تشعر الدول الأوروبية ودول "الناتو" بالقلق من التهديدات المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

فالصيف الماضي، أكملت قيادة أكويلينو أكبر مناورة بحرية على الإطلاق قبالة جزر هاواي وجنوبي كاليفورنيا مع 26 دولة وعشرات السفن وثلاث غواصات و 170 طائرة وأكثر من 25000 فرد.

وكانت بين المشاركين شيلي وإندونيسيا وتونغا وفرنسا وألمانيا والهند واليابان.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن اليابان، على وجه الخصوص، قطعت شوطًا طويلاً في وقت قصير للاعتراف بالتهديد الإقليمي الذي تشكله الصين وكوريا الشمالية.

ففي ديسمبر الماضي، تخلت عن نصف قرن من الإنفاق الدفاعي المقيد والتزمت بمضاعفة ميزانيتها الدفاعية تقريبًا على مدى خمس سنوات، وهو ما يجعلها ثالث أكبر ميزانية في العالم، كما أعلنت أنها ستطور قدرة صاروخية مضادة للهجوم.

ونقلت الصحيفة عن نوريوكي شيكاتا، السكرتير الصحفي لمجلس الوزراء برئيس الوزراء فوميو كيشيدا، قوله: "إن سبب حملنا للسلاح التحديات الأمنية المتزايدة الخطورة والمعقدة في المنطقة، التي تفرضها كوريا الشمالية والصين وروسيا"، مضيفًا: "بالنظر إلى المشهد الأمني في آسيا، نحن مضطرون للرد ببناء دفاعاتنا، لذلك نحن بحاجة إلى تحسين قدرات الردع لدينا".

وإلى جانب صواريخ كروز توماهوك، التي يمكن أن تصل إلى البر الرئيس للصين، وافقت اليابان على السماح لقوات مشاة البحرية الأمريكية بتجديد وحدة في أوكيناوا، حتى يتمكنوا من الانتشار بسرعة للقتال في الجزر النائية القريبة من تايوان.

وبينت الصحيفة أنه "سيجهز هذا الفوج البحري الساحلي الجديد بصواريخ مضادة للسفن يمكن -كما يقول الخبراء- إطلاقها على السفن الصينية حال الطوارئ".

وتعتزم طوكيو أيضًا دمج قوات الدفاع الذاتي في التدريبات العسكرية الأمريكية بأستراليا، ما يعمق الترتيبات الأمنية الثلاثية التي يقول المسؤولون إنها رمز لعمل شبكي متزايد.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن ما سمتها "استفزازات كوريا الشمالية" أدت إلى تقارب بين الخصمين القديمين كوريا الجنوبية واليابان، وعززت العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والفلبين واليابان، لافتة إلى أن الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور زار طوكيو هذا الشهر ووقَّع عديد الاتفاقيات، بما في ذلك التعاون الدفاعي.

وفي ذلك، يقول رام إيمانويل، سفير الولايات المتحدة في طوكيو، إن العام الماضي كان "نقطة انعطاف مذهلة" لدول مثل اليابان، مضيفًا: "لقد تحولت من النأي بنفسها عن المخاطر إلى المشاركة في تحالفات تقيها أي مخاطر محتملة".

أما أستراليا، فمن المتوقع أن تكشف -الأسابيع المقبلة- خطة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، لمساعدتها في تطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية.

وبينّت واشنطن بوست، أنه عند إنشاء الغواصات وتشغيلها، التي يقول المسؤولون إنها ستكون على الأرجح عام 2030، ستكون هذه الاتفاقية المعروفة بـ "أوكوس" من أهم جهود تحديث القوة في المنطقة.

يذكر أن "أوكوس" اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وستساعد الولايات المتحدة وبريطانيا، أستراليا في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ.

وبموجب الاتفاقية سوف تمنح الولايات المتحدة وبريطانيا لأول مرة تكنولوجيا ضرورية لأستراليا لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية.

ويُنظر إلى الاتفاقية على أنها محاولة لمواجهة النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي، إذ تعد المنطقة بؤرة ساخنة للتوترات على مدى سنوات.

وقد أغضبت صفقة أوكوس الصينيين، الذين ينظرون إليها على أنها استفزاز متعمد، وقال تشاو ليغيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن التحالف يخاطر "بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي، وتكثيف سباق التسلح".

وانتقد ليغيان ما وصفها بأنه "عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن"، محذرًا من أن الدول الثلاث "تضر بمصالحها".

لكن بكين، التي تطور قدرات صاروخية تفوق سرعة الصوت ومتقدمة في طريقها لامتلاك 1500 سلاح نووي في العقد المقبل، تهدد بزعزعة استقرار ما يسميه أكويلينو "النظام القائم على القواعد" الذي مكّن الدول "على مدى العقود الثمانية الماضية من أن تكون آمنة وذات سيادة ومزدهرة''.

وقال إن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن كلفه بمهمتين، الأولى: أن يفعل كل ما في وسعه لتجنُّب الحرب في المحيط الهادئ، مضيفًا: "إننا نقضي كثيرًا من الوقت في العمل لمنع هذا الصراع".

المهمة الأخرى: إذا تعلق الأمر بالحرب، فعليه القتال فورًا وتحقيق الفوز، حسب قول أكويلينو.