احتمالات الحرب ضعيفة..كيف يؤثر التنافس بين أمريكا والصين في خريطة العالم؟

رغم أن البلدين، غير مستعدين للدخول في صراع، فإن زيارة مسؤول كبير في البنتاغون إلى تايوان، الأسبوع الماضي، أثارت انتقادات كبيرة من الصين.

احتمالات الحرب ضعيفة..كيف يؤثر التنافس بين أمريكا والصين في خريطة العالم؟

ترجمات - السياق

تقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست، إنه لم يكن لدى الرئيس الصيني شي جين بينغ، سبب لإرسال منطاد تجسس واضح واستفزازي إلى المجال الجوي الأمريكي، لكن الفصائل الأخرى داخل الحزب الشيوعي الصيني فعلت ذلك.

فبينما كان بالون التجسس الصيني يحوم فوق مونتانا، اتخذ وزير الخارجية أنتوني بلينكن قرارًا بتأجيل زيارته المقررة إلى الصين، التي كانت مخاطرها كبيرة، حيث كان من المتوقع أن يناقش الجانبان الحظر الجاري على رقائق أشباه الموصلات، وزيارة رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي إلى تايوان، والحرب في أوكرانيا، وغيرها من القضايا.

ورغم توتر العلاقات الصينية الأمريكية، فإن الرئيس جو بايدن تعهد بأن حادث البالون لن يؤدي -نهاية المطاف- إلى إضعاف العلاقات الأمريكية الصينية، لكن هناك قليلًا من الشك، في زيادة الضغط المحلي، لتشديد الضغط على الحزب الشيوعي الصيني.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه منذ وقت ليس ببعيد، مد الحزب الشيوعي الصيني غصن الزيتون إلى الولايات المتحدة والغرب، على أمل تحسين العلاقات بطرق تفيد التجارة الصينية مع أوروبا وأمريكا، وتسمح بمزيد من القرب من أكبر منافس سياسي لها.

هذه العلاقات المتوطدة استفاد منها سفير الصين لدى الولايات المتحدة، تشين جانج، فحضر مباراة في واشنطن ويزاردز، وأرسل تحيات السنة الصينية الجديدة إلى الجمهور الأمريكي قبل المباراة.

 

قوة الصين

بالنظر إلى التداعيات السلبية، التي كان من المؤكد أنها ستأتي في أعقاب تحليق بالون تجسس ضخم في الأجواء الغربية، برز تساؤل: لماذا اتخذ الحزب الشيوعي الصيني هذه الخطوة؟

أحد التفسيرات المحتملة، أن هذا كان جزءًا من تقليد التجسس الصيني، وأن الحزب الشيوعي الصيني أراد إبراز صورة قوية قبل زيارة بلينكن.

ومع ذلك، قالت الصحيفة الأمريكية إن الصين لم تكن مستعدة لقوة الرد الدبلوماسي الأمريكي، وهو ما يبدو غير محتمل من بلد متطور مثل الصين، مشيرة إلى أن ما يحتاجه الرئيس شي جين بينغ الآن هو تهدئة التوترات مع الولايات المتحدة، إلا أن الاستفزازات الخطيرة المنطلقة في الأجواء الأمريكية، تتعارض مع هذا الهدف.

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إنه إذا لم يكن إطلاق المنطاد فوق أراضي الولايات المتحدة فكرة شي جين بينغ، فلذلك احتمالان: أحدهما أن بعض البيروقراطيين الصينيين كانوا غير حساسين سياسياً بما يكفي، لإطلاق البالون فوق الولايات المتحدة، قبل زيارة بلينكن، من دون طلب الإذن، والآخر أن ذلك قد يشير لمعارضة داخلية لشي، لزيادة توتر العلاقات الأمريكية الصينية والاستهزاء الدولي بقيادة شي.

ورغم أن البلدين، غير مستعدين للدخول في صراع، فإن زيارة مسؤول كبير في البنتاغون إلى تايوان، الأسبوع الماضي، أثارت انتقادات كبيرة من الصين، ودفعتها لفرض عقوبات على شركة لوكهيد مارتن، ووحدة تابعة لشركة رايثيون، لتزويدها بمعدات عسكرية للجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي.

 

ملفات متوترة

وتؤكد تعليقات مكتب شؤون تايوان، التابع لمجلس الوزراء، التدهور الكبير في العلاقات بين بكين وواشنطن بشأن تايوان، والتكنولوجيا، ومزاعم التجسس، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وردًا على سؤال عن زيارة مايكل تشيس، نائب مساعد وزير الدفاع، قال المتحدث باسم المكتب تشو فنغليان إن الصين «تعارض بحزم أي تفاعل رسمي وتعاون عسكري» بين الولايات المتحدة وتايوان، مضيفًا أن جهود الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان لتعزيز استقلال الجزيرة بمساعدة أجنبية «محكوم عليها بالفشل».

وتعد الصين تايوان جزءًا من أراضيها تحت سيطرتها، بالقوة إذا لزم الأمر، وقد كثفت مضايقاتها العسكرية والدبلوماسية، بينما لم يعلق متحدث باسم البنتاغون -بشكل مباشر- على زيارة تشيس، مكررًا أن «التزامنا تجاه تايوان قوي للغاية، ويسهم في الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وفي المنطقة».

 

صداقة بلا حدود

روسيا أحد ملفات التوتر بين البلدين، الذي زاد حدته الدعم العسكري الصيني لروسيا، الذي وصفته بكين بـ«صداقة بلا حدود».

فـ«روسيا هي العاصفة والصين هي تغير المناخ»... هذه الاستعارة التي أطلقها في أكتوبر 2022 رئيس جهاز المخابرات الداخلية الألماني، بلا منازع صورة دقيقة للواقع الذي يواجهه العالم، في جو جيوسياسي مضطرب.

وألقت الصين باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في استفزاز الكرملين، وانتقدت العقوبات القاسية المفروضة على روسيا، التي دعمت الصين بقوة على حساب تايوان.

وفي زيارة لموسكو الثلاثاء، قال وانغ يي كبير الدبلوماسيين بالحزب الشيوعي الصيني، إن العلاقات بين موسكو وبكين «متينة وستصمد أمام اختبار الوضع الدولي المتقلب»، مشيرًا إلى أن روسيا والصين لديهما «فرصة ممتازة لمواصلة التعاون الاستراتيجي الوثيق والاتصالات لحماية مصالحنا الاستراتيجية المشتركة».

وهذا الأسبوع أيضًا، التقى وفد من المشرِّعين الأمريكيين الذين يزورون تايوان -الثلاثاء- الرئيسة تساي إنغ ون، التي قالت إنها تتطلع إلى زيادة التعاون في قضايا من الأمن إلى تغير المناخ.

وبينما الأزمة العالمية الحالية ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا -الذي حاز الاهتمام الدولي لما يقرب من عام- فإن القوة الدافعة الرئيسة للقرن الحادي والعشرين، هي المنافسة المستمرة بين الولايات المتحدة والصين.

فرغم إشارات الانفراج الصادرة بقمة مجموعة العشرين في بالي، نوفمبر الماضي، فإن من الواضح أن القوتين داخلتان في معركة من أجل السيادة العالمية.

وتُظهر الأحداث الأخيرة، أن القوتين العظميين تسعيان إلى تعزيز قوتهما العسكرية أو التكنولوجية أو الاقتصادية، أو علاقاتهما الثنائية، فإن كلتيهما تعمل على تعزيز موقعهما الدولي.

ويقول جورج هاين، أستاذ العلاقات الدولية في كلية باردي للدراسات العالمية بجامعة بوسطن: «هناك إجماع متزايد على أننا نواجه حربًا باردة ثانية. إنها فكرة أتخذها منذ عام 2020 على الأقل. في ذلك الوقت، انتقد عديد من الزملاء هذا الموقف، الذي عدوه سابقًا لأوانه، موضحين أنه لم يكن هناك سوى صراع تجاري تكنولوجي، لكن بلا أيديولوجية عسكرية.

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية الذي كان سفير تشيلي لدى الصين: بالطبع، هناك اختلافات بين هذه الحرب الباردة الثانية والأولى، ويرجع ذلك -في المقام الأول- إلى حجم الاقتصاد الصيني والاعتماد المتبادل بين البلدين. هناك اختلافات مهمة، لكن من نواحٍ كثيرة، فإن الحروب الباردة متشابهة. ولا مؤشرات على أنها ستتغير في المستقبل القريب.

بدوره، يقول ميكو هووتاري، المدير التنفيذي لمعهد مركاتور للدراسات الصينية ومقره برلين، إنه رغم وجود اختلافات، فإن أوجه التشابه القوية مع الحرب الباردة الأولى واضحة «من عناصر سباق التسلح النووي إلى جوانب المنافسة الأيديولوجية. لقد دخلنا في منطقة نزاع منخفض الحدة».

 

كيف يؤثر التنافس بين العملاقين في خريطة العالم؟

المحيطان الهندي والهادئ

هذه المنطقة موضوع نشاط مكثف من البلدين، فالولايات المتحدة عززت العلاقات مع حلفائها، كما يتضح من إنشاء تحالف أوكوس، الذي يسمح لأستراليا بامتلاك أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى أن هناك أيضًا دعمًا متزايدًا لتايوان، وهو توسع للتحالف الأمريكي الياباني لمعالجة مجال الفضاء، فضلاً عن زيادة الوصول الأمريكي إلى القواعد العسكرية في الفلبين.

ويقول هووتاري: «تشير القيادة الأمريكية العليا إلى أن السنوات المقبلة ستشهد أكبر تغييرات عسكرية منذ عقود»، لكن واشنطن تعمل على مستويات مختلفة.

بينما يؤكد هاين محاولة تقريب المواقف الاستراتيجية من الهند، عملاق آخر لديه القدرة على تحديد ميزان القوى، مشيرًا إلى أنه في العقد الأول من هذا القرن، ركزت الولايات المتحدة على الحرب ضد الإرهاب، فحاول أوباما تغيير ذلك، بما سماه المحور نحو آسيا.

بالنظر إلى حجم الهند وقضاياها مع الصين، فإن واشنطن تحاول تنمية علاقتها بنيودلهي منذ سنوات، من خلال تقارب واضح بين الرئيس السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

إلا أنه مع ذلك، وفقًا لهاين، فإن هذا التحول له حدوده، فالاقتصاد الهندي أصغر بكثير من الصيني، إضافة إلى أن نيودلهي ليست مندمجة في آليات التعاون الإقليمي.

 

الاتحاد الأوروبي و"الناتو"

يعد الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر لاعب اقتصادي عالمي، بعد الولايات المتحدة والصين، ما يجعله طرفًا أساسياً في صراع العمالقة.

وتضغط واشنطن من أجل شركائها الأوروبيين، لدعم سياستها تجاه بكين، إلا أنه مع ذلك، هناك عديد من الأصوات في أوروبا تدعو إلى علاقات جيدة مع الصين.

ويرى البعض -مثل أولئك الموجودين على الجانب الشرقي من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي- أن العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، الضامن الوحيد ضد التهديد الروسي، ما يجعلهم على استعداد لاتباع السياسات الصارمة التي تقترحها واشنطن تجاه بكين، لكن آخرين -خاصة ألمانيا- يتخوفون من الانجراف الذي قد يكون له تأثير خطير للغاية في مصالحهم التجارية.

ومن الواضح أن الحكومة الألمانية ترى أنه من المناسب محاولة تجنُّب عالم من التكتلات، مع مجموعة السبع من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى.

وتحاول بكين الاستفادة من هذه الورقة الرابحة، فالاتحاد الأوروبي يعتمد بشدة على الصين لتوريد المواد الخام الاستراتيجية، فضلاً عن المنتجات الأساسية في التحول الأخضر، مثل الألواح الشمسية.

في مواجهة هذا الوضع، تسعى المفوضية الأوروبية لرسم مسارها الخاص، عبر خطة لضمان قدر أكبر من الاستقلال في ما يتعلق بالمواد الخام الاستراتيجية، إضافة إلى تجنُّب قيادة الانفصال عن الصين مقترحة نهجًا أكثر توازناً، يعتمد على الحد من المخاطر.

الصيف الماضي، تمكنت الولايات المتحدة من إقناع "الناتو" بإدراج الصين في مفهومها الاستراتيجي لأول مرة. ومع ذلك، وبسبب مقاومة الحلفاء الأوروبيين، كانت الإشارة أقل قوة مما كانت تأمله واشنطن.

 

بقية العالم

تتمتع الولايات المتحدة بميزة واضحة على الصين، بفضل شبكة كثيفة من التحالفات، التي نُسجت على مدى عقود مع عشرات الدول، التي تعد اليوم من أكثر الدول تقدمًا في العالم. وتشمل هذه البلدان الثلاثين التي تشكل حلف شمال الأطلسي وشركاء آسيا والمحيط الهادئ، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.

وتستجيب بكين بخطي عمل رئيسين: أولاً، ببناء علاقة وثيقة مع روسيا، الدولة التي تشاركها الرغبة في إعادة صياغة نظام عالمي يعدان كلاهما خاضعًا لسيطرة الولايات المتحدة وشركائها.

ومع ذلك، فإن الحرب التي شنتها موسكو ضد أوكرانيا، ونقاط الضعف الروسية التي كشفتها، تثير التساؤلات عن القيمة المستقبلية للعلاقة، رغم أن بكين تجني فوائد على طول الطريق، حيث تشتري إمدادات ضخمة من النفط والغاز الروسي.

إلا أن بكين لها مزايا معينة على واشنطن في مناطق شاسعة من العالم، بما في ذلك عشرات البلدان في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وهي مناطق أهملتها الولايات المتحدة.

ولا يهتم عديد من هذه البلدان، بتلقي دروس الديمقراطية أو سيادة القانون أو المساواة بين الجنسين، بدلاً من ذلك، تفضل هذه الحكومات التمويل لتعزيز البنية التحتية والتنمية الاقتصادية.

لقد أدركت الصين -منذ فترة طويلة- أن هناك مناطق شاسعة في العالم بحاجة ماسة إلى التمويل من أجل التنمية، فلم تغطِ المؤسسات الدولية هذه الحاجة بشكل كافٍ، بينما كانت الخطابات الديمقراطية أقل اهتمامًا بكثير من الأموال لبناء الطرق والموانئ والسكك الحديدية.

وتحولت الصين إلى استراتيجيات دبلوماسية أكثر كلاسيكية لاستعادة الأرض، فكانت زيارة شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر رمزًا قويًا للرغبة في اختراق الأجنحة الضعيفة لواشنطن، التي تمر علاقتها بحليفها العربي القديم بأوقات عصيبة للغاية.

ومن الصعب العثور على أركان من الكرة الأرضية، حيث يذهب العمالقة من دون اكتشافها. ومع ذلك، هناك بقعة واحدة على وجه الخصوص لديها القدرة على تحويل هذه الحرب الباردة الجديدة إلى حرب ساخنة: تايوان، إلا أن الوقت فقط سيخبرنا بما يحدث هناك.