صراع من أجل البقاء... الإخوان بين سيناريوهات الإنعاش والتغيرات الدراماتيكية المرتقبة
اجتماع اسطنبول يكشف تصدع أركان الإخوان... هل يعيد التنظيم ترتيب صفوفه؟

السياق
تنظيم أسس بنيانه على شفا جُرف هار، فأودى به إلى «سكرات الموت» وصراع الأجنحة على إرث حسن البنا، بعد أن غابت القيادات، وأصبحت الجماعة خالية من المرجعيات التنظيمية.
فتنظيم الإخوان الذي أسس أركانه المتصدعة، قبل 95 عامًا في مصر، يصارع فقدان الهوية والمرجعية، ما دفعه إلى الاستعانة بقيادات غير مصرية، لملء فراغ القادة المحبوسين في غياهب السجون، بعد أن انقطع التواصل بينهم.
وبينما لم تكتب رسميًا شهادة الإخوان، إلا أن التنظيم الإرهابي يعاني «سكرات الموت»، في انتظار من يطلق عليه رصاصة الرحمة، بعد أن تكالبت الصراعات الداخلية على جسد التنظيم، الذي نحلته الضربات المتلاحقة داخل القاهرة من السلطات المصرية، وخارج البلد الإفريقي من سلطات المغرب العربي.
ذلك الجسد الذي بات نحيلًا، يحاول أن يتعايش على إرث التاريخ، آملًا تصدق النبوءات بتغييرات دراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط، كي يستمد قوته، ويعود إلى عافيته، مستغلًا تلك الأحداث المتوقعة، ثغرة للمطالبة بإطلاق سراح قياداته، وتصدر المشهد من جديد.
فهل ينجح الإخوان؟
قبل أيام، عُقد اجتماع في مدينة اسطنبول التركية، حيث مقر جناح محمود حسين، الذي نصب نفسه مرشدًا عامًا للإخوان، إلا أن المفارقة أن ذلك الاجتماع كان لجناح لندن، الذي ينازع الأول على منصب المرشد العام.
وتقول مصادر «السياق» المقربة من المكتب الإداري في لندن، إن جناح إبراهيم منير نائب المرشد الراحل، القائم بالأعمال السابق، اجتمع -قبل أيام- في أحد فنادق اسطنبول تحت ما يسمى «المكتب العالمي»، لمبايعة صلاح عبدالحق قائماً بأعمال المرشد العام محمد بديع، مشيرة إلى أن خطوة كهذه ستعد بداية انطلاقة رسمية لجماعة موازية لجماعة محمود حسين، قائد جناح اسطنبول.
إلا أن مصادر «السياق»، قالت إن هذا الاجتماع شهد ما وصفته بـ«الأحداث الساخنة»، التي تمثلت في: تعديل عدد من بنود وثيقة الهيئة، التي كان معمولًا بها قبل اتخاذ مجموعة محمود حسين قراراً بإعفاء إبراهيم منير من منصبه.
وبموجب هذا التعديل، باتت الهيئة «مكتب إرشاد للجماعة»، تضم قيادات جناح لندن: صلاح عبدالحق رئيساً، ومحيي الدين الزايط نائباً، وعضوية: محمد البحيري، ومحمد الدسوقي، والسعدني أحمد، ومسعد الزيني، وحمود الإيباري، وصهيب عبدالمقصود، ومحمد الفقي، وخالد جمال.
لم يكن ذلك فحسب، بل شهد الاجتماع حضور جنسيات غير مصرية، وليست لهم أي علاقة تنظيمية بشؤون الجماعة في مصر، ما أثار غضب كثيرين من الإخوان، بحسب مصادر «السياق»، التي قالت إن بينهم: علي العوضي من ألمانيا وحسين الشرقاوي من البوسنة والهرسك، وعبد الحمد ذنيبات وهمام سعيد من الأردن، وأحمد الراوي وعبدالله بن منصور من أوروبا، ومحمد وليد من سوريا، وعزام الأيوبي من لبنان، إلى جانب آخرين من ماليزيا وتركيا.
تطورات فرضت نفسها على صراع الإخوان، الذي دخل عامه الثاني بلا حسم، وأثارت تساؤلات عن مستقبل التنظيم الإرهابي، وما إذا كان يعاني النزع الأخير أم أن طوق نجاة ما في الطريق إليه.
هيكل جديد
إلى ذلك، قال المتخصص في الحركات الإسلامية، الباحث محمود علي، في تصريحات لـ«السياق»، إن تطورات جبهة لندن تكشف أزمة تنظيمية تجاوزت الهيكل الأم إلى الأجنحة والأفرع، مشيرًا إلى أن حضور الاجتماع قيادات غير مصرية، يشير إلى التأثير السلبي لغياب قيادات الجماعة المركزية في مصر عن المشهد الداخلي، وارتباط استمرار الجماعة بقيادات القطر المصري.
وأوضح الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن جبهتي لندن واسطنبول، تعانيان غياب المرجعية التنظيمية المتمثلة في القيادات القابعين بالسجون المصرية، مشيرًا إلى أن الاستعانة بقيادات غير مصرية، تشير إلى توجه لبناء هيكل جديد، يتوافق مع الظروف والمشهد الراهن الذي تعانيه الجماعة.
واستدل على رؤيته بـ«تجاوز» جبهة لندن بقياداتها، للوائح والنظم الداخلية، التي تفرض عدم تدخل غير مصريين في بناء هيكل الجماعة مركزيًا (داخل مصر)، في مشهد يمكن أن يعيد جبهة اسطنبول مرة أخرى للصراع، كحارس الجماعة.
بداية وفاة
تلك الرؤية وافقها الباحث في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية منير أديب، الذي قال في تصريحات لـ«السياق»، إن تنظيم الإخوان يعاني «سكرات الموت»، أي بداية الوفاة، ويصارع من أجل البقاء.
وبينما قال إن التنظيمات والقوى السياسية التي تعاني، عادة ما تلجأ إلى الابتعاد عن الإعلام، أكد أن تنظيم الإخوان بجبهتيه، أسير صراعات داخلية، يحرص التنظيم على عدم تفشي أنباء عنها.
وأوضح الباحث في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية، أن جبهة اسطنبول التي يقودها محمود حسين، أجرت -بسرية تامة- انتخابات لتشكيل هيئة المكتب، إلا أنها لم تعلنها، انتظارًا للوقت المناسب، في حدث أرجعه إلى طبيعة الذين اختيروا للمهمة.
أما جبهة لندن، فتعكف على اختيار القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان، خلفًا للراحل إبراهيم منير، بحسب أديب الذي قال إن جبهة لندن التي سبق أن اتفقت على اختيار صلاح عبدالحق القيادي بالتنظيم، الذي كان يعيش قرابة 40 عامًا في السعودية، من المرتقب أن تعلن ترشيحه رسميًا خلال الأيام المقبلة.
وعن أسباب التأخير، أكد الباحث في شؤون الإسلام السياسي، أن الإعلان الرسمي تأخر لاعتبارات أمنية وسياسية، تتعلق بانتقاله إلى تركيا ومنها إلى لندن بعد إتمام الأوراق الخاصة بإقامته، التي انتهت مؤخرًا.
تدخلات إقليمية
رؤية أخرى أشار إليها الباحث في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية سامح عيد، في سياق قراءته لتطورات الأزمة الإخوانية، مؤكدًا أن الخلاف بين جبهات جماعة الإخوان ما زال قائمًا، خاصة أن هناك أطرافًا إقليمية ترغب في تحقيق مصالحها السياسية بالمنطقة، ما يدفعها لاستدعاء جماعة الإخوان مرة أخرى إلى المشهد السياسي الإقليمي.
وأوضح الباحث في شؤون الإسلام السياسي، في تصريحات لـ«السياق» أنه في ظل توقعات حادة بتغيرات دراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط، فإن هذه الأطراف لها مصلحة في إعادة الإخوان إلى المشهد، الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن الاستفزاز الإيراني، يتطلب تيارًا سُنيًا راديكاليًا يهيج الجموع، ويهيئها إلى مواجهة مرتقبة مع طهران، مؤكدًا أن التوقعات بتغير المشهد السياسي في تونس والسودان وليبيا، الذي ربما يمتد إلى دول أخرى، يفرض ضرورة وجود الإخوان وعودتهم للمشهد.
وأكد سامح عيد، أن الإسلام السياسي سيكون حاضرًا، ليس بالضرورة في صدارة المشهد، لكن كرقم صعب في المعادلة، مشيرًا إلى عدم إعلان جبهة اسطنبول تشكيل هيئة المكتب، وإحجام جبهة لندن عن الإفصاح عن القائم بأعمال المرشد، يشيران إلى رغبة جماعة الإخوان في أن تطول الفترة الانتقالية حتى «تسكين القواعد»، واستقطابها.