الغارديان: تصريحات ماكرون حول الصين ستكون مُكلفة جدًا
قالت صحيفة الغارديان إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يسعى إلى توحيد الصف الأوروبي، بهدف تعزيز الموقف مع الصين.

ترجمات -السياق
يبدو أن الاهتمام الأوروبي بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخاصة برفضه التبعية للولايات المتحدة، وموقفه من العلاقات مع الصين، لن يمر مرور الكرام، إذ مازال المسؤولون الأوروبيون يحذرون من أنها قد تكون لها تبعات خطرة.
فقد سلطت صحيفة غارديان البريطانية الضوء على هذه التصريحات، مشددة على أنها ستكون "مُكلفة جدًا".
وذكرت الصحيفة -في افتتاحيتها- أن الرئيس الفرنسي هو الذي دعا منذ أربعة أعوام، إلى التعامل بحزم مع الصين، لافتة إلى أن الموقف الأوروبي تجاه بكين تعزز بسبب سياستها الخارجية، وتصرفها أثناء تفشي كورونا، ودعمها لروسيا على حساب أوكرانيا.
ورأت أن حرص ماكرون على اصطحاب رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في زيارته إلى الصين، كان دليلا على أنه يسعى إلى توحيد الصف الأوروبي.
عصر السذاجة
ورغم تصريحاته الجديدة التي تعد تقاربًا مع بكين، فإن "غارديان" أشارت إلى أنه قبل أربع سنوات، رأى ماكرون أن ما سماه "عصر السذاجة الأوروبية" تجاه الصين قد انتهى، ما يعني أنه مر بتحول كبير.
هذا التحول فسَّره المؤرخ الأمريكي أندرو سمول في كتابه "التمزق"، بأنه لم يكن ناتجًا عن ضغوط الولايات المتحدة للانحياز إلى جانب -رغم أن ذلك كان محسوسًا بلا شك- لكن بسبب تعاملات أوروبا الخاصة مع بكين.
تأتي هذه التصريحات بعد انتقادات أوروبية متكررة للصين، بسبب قوتها المتزايدة في السياسة الخارجية، وتعاملها مع كورونا، ودعمها لروسيا ضد أوكرانيا.
والشهر الماضي، حثت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على "التخلص من المخاطر" في العلاقات مع الصين.
ومن ثمّ بدا أن إصرار الرئيس الفرنسي على مشاركة فون دير لاين، لرحلته إلى بكين الأسبوع الماضي، يبعث برسالة مفادها "ضرورة توحيد الصف الأوروبي".
ولكن تصريحاته للصحفيين وهو عائد من بكين، حسب "غارديان"، هي التي لفتت الانتباه، عندما قال إن أوروبا ينبغي ألا تتصرف كتابع للولايات المتحدة، وينبغي لها أيضًا ألا تورط نفسها في أزمات لا تخصها، في إشارة واضحة إلى أزمة تايوان بين الصين والولايات المتحدة.
وترى الصحيفة البريطانية، أن هذه التصريحات أضرت بدعم الديمقراطية وأغضبت العواصم الأوروبية، إذ وصفها النائب الألماني، نوربرت رتغن، بأنها كارثة بالنسبة للسياسة الخارجية الأوروبية.
كان ماكرون حذر من أن أكبر خطر تواجهه أوروبا، هو التورط في أزمات لا علاقة لها بها "ما يمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة بوليتيكو، مشددًا على وجوب أن تقاوم الدول الأوروبية الضغوط التي تسعى لتحويلها إلى تابعة للولايات المتحدة.
ضرورة التطابق
توضح "غارديان" أن السياسة الخارجية الأوروبية، ليس مطلوبًا منها أن تكون مطابقة للسياسة الأمريكية، كما أن الصين تعرف أن تايوان عند الاتحاد الأوروبي ليست بالأهمية التي هي عند الولايات المتحدة.
ولكن -وفق الصحيفة- التصريحات كما أدلى بها ماكرون، وهو عائد من بكين، بينما كانت الصين تجري مناورات عسكرية حول تايوان، يجعلها خاطئة.
وقد صوّر المسؤولون الألمان زيارة وزيرة الخارجية، أنالينا بربوك، إلى بكين هذا الأسبوع، بأنها محاولة للحد من الأضرار التي خلفتها تصريحات ماكرون.
وحذرت بربوك من أن التصعيد في مضيق تايوان سيكون "سيناريو مروعًا للعالم".
وأشارت الصحيفة إلى أن الاهتمام الأوروبي، ينبغي ألا يتجاهل أهمية صناعة الرقائق والتجارة المتدفقة عبر تايوان، التي تؤكد أن أوروبا لا يمكنها أن تكون غير مبالية بمستقبل هذه الجزيرة.
وترى "غارديان" أن الدول الأوروبية قد تختلف مناهجها في التعامل مع الصين، لكن ينبغي ألا تتناقض في ما بينها.
فقد أكدت فون دير لاين أن منع الصين من تزويد روسيا بالسلاح أولوية، وأن دعم موسكو قد يكون النقطة الحاسمة في تحديد العلاقة مع الصين.
ولكن ماكرون، حسب الصحيفة، فضل تقديم الجزرة، زاعمًا أن الصين قد تستفيد من التعاون مع الأوروبيين.
ونوهت "غارديان" إلى أن "المصلحة التجارية كانت الدافع لهذا الموقف".
وبينما هناك من يرى أن فرنسا قررت السير بمفردها، يرى آخرون أن ماكرون أُفلتت منه الكلمات ولم يقدر تأثيرها.
بينما أشار آخرون إلى أن إصرار ماكرون على فصل التبعية الأوروبية عن واشنطن، يأتي بناءً على استراتيجية أوروبية خاصة، تقوم على أساس المخاوف من عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ولكن تصريحاته كانت -حسب "غارديان"- تفتقد الحكمة، وتوقيتها غير مناسب، فقد سارع عضو مجلس الشيوخ الجمهوري، ماركو روبيو، إلى القول إذا كان الرئيس الفرنسي يتحدث باسم القارة الأوروبية، فإن الولايات المتحدة مطالبة بالانشغال باحتواء الصين وترك الحرب الأوكرانية للأوروبيين.
من جانبها، استغلت وسائل الإعلام الحكومية الصينية كلمات ماكرون الفضفاضة كانتصار لصالح بكين، إلا أن "انتصارهم" هذا قد يكون قصير الأمد، حسب الصحيفة البريطانية.
إذ يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس، وتزداد العلاقات الصينية مع أوروبا تدهورًا.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن بكين أهدرت الجهود الكبيرة التي استثمرتها في أوروبا الوسطى والشرقية، ليس فقط من خلال دبلوماسية "المحارب الذئب" لكن، بشكل حاسم، من خلال ربط نفسها بشكل وثيق بموسكو في حربها ضد كييف.
وأضافت: "تبدو الضرورات الاقتصادية والديمقراطية والأمنية الأساسية أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، ومن ثمّ سيكون العمل في وحدة أساسية مطلبًا لكل دول الكتلة، وإلا ستكون النتيجة مُكلفة جدًا".