انتخابات تركيا... المعارضة منقسمة والأكراد كلمة السر
يواجه أردوغان أشد تحد له حتى الآن، من ستة أحزاب معارضة، جمعت قواها للانتخابات الرئاسية والبرلمانية

السياق
أزمة اقتصادية مستمرة وقيود متزايدة على حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة، إضافة إلى كارثة زلزال 6 فبراير الماضي، تحديات جمة تقف حائلًا أمام نجاح الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية المرتقبة الشهر المقبل.
تلك التحديات، قد تمنحها المعارضة فرصة لإبطال «تعويذة أردوغان» التي سيطر بموجبها على السياسة التركية والإدارة والقضاء، وانتزاع تأييد شعبي، يمنحهم عبور مأزق 14 مايو المقبل.
أبرز التحديات
تواجه تركيا ارتفاعًا في معدلات التضخم وتعاني زلزالين خلفا 50 ألف قتيل، حاول أدروغان تخفيف حدتهما، بالتعهد وحزبه الحاكم العدالة والتنمية، بتخفيض التضخم إلى أرقام فردية، وهو التزام تعهد به -كذلك- منافسوه.
ويواجه أردوغان يواجه أشد تحد له حتى الآن، من ستة أحزاب معارضة، جمعت قواها للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وأي مرشح يمكنه الحصول على أكثر من نِصف الأصوات الرئاسية في 14 مايو المقبل، يعد الفائز الصريح، إلا أنه إذا تعذر ذلك، فإن السباق يذهب إلى جولة الإعادة بعد أسبوعين.
كان الناخبون في تركيا مستقطبين، لكن أردوغان، 69 عامًا، يتعرض لضغوط لم يسبق لها مثيل، فتركيا أصبحت في عهده سلطوية بشكل متزايد.
وحكم أردوغان تركيا منذ عام 2003، في البداية رئيسًا للوزراء، لكن بعد ذلك رئيسًا منذ عام 2014، وزاد سلطاته بشكل كبير بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الفاشل عام 2016، بينما يتولى حزبه العدالة والتنمية السلطة منذ نوفمبر 2002.
وألقى عدد متزايد من الأتراك باللوم عليه في ارتفاع التضخم، بسبب رفضه غير التقليدي لرفع أسعار الفائدة، كما تعرض الرئيس التركي والحزب الحاكم لانتقادات على نطاق واسع، لفشلهما في تكييف ممارسات البناء بتركيا قبل زلزال 6 فبراير ولإساءة إدارة جهود البحث والإنقاذ بعد ذلك، ما ترك ملايين الأتراك بلا مأوى في 11 مقاطعة تضررت من الزلازل.
المنافسون
يعد كمال كيليجدار أوغلو، 74 عامًا، منافسًا معتدلاً ومحبًا للكتب، رغم أنه مُني بهزائم انتخابية على رأس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس.
لكن هذه المرة قد تكون مختلفة، لأنه يقاتل كمرشح لستة أحزاب معارضة، بدءًا من حزبه يسار الوسط وحزب الصالح القومي إلى أربع مجموعات أصغر، بما في ذلك اثنان من حلفاء أردوغان السابقين، شارك أحدهما في تأسيس حزب العدالة والتنمية.
ويحظى كيليجدار أوغلو أيضًا بدعم غير رسمي من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تركيا، الذي يخوض انتخابات البرلمان تحت راية حزب آخر، اليسار الأخضر، بسبب قضية تزعم صلات بالمقاتلين الأكراد.
لم يكن اختياره شائعًا، لأن هناك من عدوا رؤساء بلديات اسطنبول وأنقرة أفضل المرشحين، بعد أن سيطروا على المدن عام 2019 لحزب الشعب الجمهوري للمرة الأولى منذ عام 1994.
كيليجدار أوغلو، موظف حكومي سابق، ينتمي إلى الأقلية العلوية، قاد مسيرة 24 يومًا من أجل العدالة عام 2017، التي عُدت أكبر عرض للتحدي لحكم الرئيس أردوغان منذ سنوات.
ويريد التحالف استعادة الديمقراطية البرلمانية وسيادة القانون وحرية التعبير وحرية الإعلام، وضمان احترام الفصل بين السلطات مرة أخرى، فكيليجدار أوغلو صرح بأنه، حال انتخابه لمنصب الرئيس، سيلغي المادة التي تعد إهانة الرئيس جريمة جنائية.
ويدعم كيليجدار أوغلو أيضًا، رئيس بلدية اسطنبول الشهير أكرم إمام أوغلو ونظيره الذي يتمتع بشعبية كبيرة في أنقرة منصور يافاس، فحال فوزه بالانتخابات، سيعين إمام أوغلو ويافاس نائبين للرئيس.
ويتوقع عديد من السياسيين الأكراد ذوي النفوذ، أن يدعم الناخبون الأكراد في تركيا، الذين يشكلون بين 15 و20% من الناخبين، كيليجدار أوغلو.
تقسيم التصويت
من المعروف أن استطلاعات الرأي التركية لا يمكن الاعتماد عليها، لكن أي فرصة أتيحت لكيليجدار أوغلو للفوز في الانتخابات مباشرة في الجولة الأولى، يبدو أنها تحطمت بسبب قرار زميله السابق في حزب يسار الوسط، محرم إنجه، بالانضمام إلى السباق الرئاسي.
كان إنجه، 58 عامًا، المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري عام 2018، لكنه تركها بعد ذلك بعامين بسبب خلافات مع كمال كيليجدار أوغلو، ويدير الآن حزب الوطن القومي العلماني، وواجه اتهامات بإضعاف أصوات المعارضة واللعب في أيدي الرئيس أردوغان.
لكنه يتمتع بحضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أعجب الناخبون الشباب على وجه الخصوص به على «تيك توك».
وتشمل وعود إنجه الانتخابية، تعزيز سيادة القانون وحرية الصحافة، التي يتوقع أن تعزز أيضًا الاقتصاد التركي وقطاع السياحة فيه.
سنان أوغان
هناك مرشح آخر لديه فرصة ضئيلة لتحقيق نجاح كبير هو القومي المتطرف سنان أوغان، لكنه أيضًا لديه القدرة على أن يكون صانع ملوك.
عام 2011، دخل البرلمان مع حزب الحركة القومية، عندما كان في المعارضة، وطُرد من في عام 2015، رغم انضمامه مرة أخرى بعد دعوى قضائية.
عام 2017، طُرد أوغان مرة أخرى، بينما قال حزب الحركة القومية عنه إن سلوكه «أضر بشكل خطير بوحدة الحزب»، واتهمه بـ«عدم الانضباط تجاه رئيس الحزب».
ورغم أنه كان مرشحًا محتملاً لقيادة حزب الحركة القومية في ذلك الوقت، فإنه لا يملك فرصة واقعية للفوز بالرئاسة.
وبصفته قوميًا قويًا، فإن موقفه من السياسة الخارجية واضح، إذ يعد بالتوقف عن الاحتفال بعيد استقلال اليونان، ويؤكد أن تركيا يجب أن تولي اهتمامًا خاصًا للدول التركية وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان.
كل صوت مهم
مجرد أصوات قليلة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في الانتخابات، كما يعرف الأتراك جيدًا، فعام 1994، كان أردوغان من مرشحين عدة لمنصب عمدة اسطنبول.
وفي حين أن المرشحين الأربعة من الأحزاب غير الإسلامية، فازوا بـ22 و20 و15 و12% من الأصوات على التوالي، حصل أردوغان على 25%، لينتصر بفارق ضئيل.
وهذا العام، هناك مخاوف مرة أخرى بين المعارضة التركية، من أن انشقاقها قد يسمح لأردوغان بالفوز في الانتخابات.
التصويت
لدخول البرلمان المكون من 600 مقعد، يحتاج الحزب إلى حصد 7% من الأصوات، أو أن يكون جزءًا من تحالف يفعل ذلك، لهذا السبب أصبحت التحالفات مهمة جدًا في تركيا، وسلطت المعارضة المكونة من ستة أحزاب، الضوء على تغيير ذلك، كأحد إصلاحاتها المقترحة.
ويصوت الأتراك لقوائم الحزب بدلاً من المرشحين بموجب التمثيل النسبي، لذا فإن عدد المقاعد يتوافق مع الأصوات المدلى بها لكل حزب بدلاً من التحالفات. وفي بعض المقاعد، وافقت المعارضة على القتال تحت راية حزب واحد.
وفي ظل إصلاحات أردوغان، أصبح الرئيس الآن هو الذي يختار الحكومة، لذلك لا يوجد رئيس وزراء. وإذا فشل تحالفه الشعبي الواسع في الفوز بأغلبية في البرلمان، قد يكافح من أجل الحكم بالطريقة نفسها، كما هو الحال الآن. ويضم تحالف الشعب المؤيد لأردوغان 334 نائباً.
المعارضة
يريد تحالف الأمة بقيادة كيليجدار أوغلو استعادة النظام البرلماني في تركيا وإصلاح الرئاسة، وإزالة حق رئيس الدولة في نقض التشريعات، وقطع علاقات المنصب بالأحزاب السياسية وجعله قابلاً للانتخاب كل سبع سنوات.
كما ترغب في بدء محاولة تركيا المستمرة منذ عقود للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، واستعادة «الثقة المتبادلة» مع الولايات المتحدة، بعد سنوات من العلاقات المتوترة خلال حكم أردوغان.
وتعهد تحالف الأمة بخفض التضخم إلى أقل من 10% في غضون عامين، وإعادة اللاجئين السوريين إلى أوطانهم طواعية. وتستضيف تركيا 3.6 مليون لاجئ سوري.
أكراد تركيا... كلمة السر
تقول صحيفة المونيتور، إن من المتوقع أن يدعم أكراد تركيا بقوة المرشح الرئاسي كمال كيليجدار أوغلو في انتخابات 14 مايو، وهو عامل حاسم، في أقوى جهد للمعارضة حتى الآن، لإنهاء حكم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي استمر عقدين.
ففي دعم ضمني لكيليجدار أوغلو، أعلن حزب الشعب الديمقراطي، الحركة الرئيسة المؤيدة للأكراد في تركيا، الشهر الماضي، أنه لن يقدم مرشحًا في الانتخابات الرئاسية.
وسبق الإعلان عن محادثات بين كيليجدار أوغلو وزعماء حزب الشعوب الديمقراطي، دعا فيها الجانبان إلى بداية جديدة لإعادة تركيا إلى طريق الديمقراطية، وتعهدا بمناقشة وحل القضية الكردية في البرلمان.
ويقول روج جيراسون، منسق "راويست"، وهي شركة استطلاعية مقرها ديار بكر، في تصريحات لـ«المونيتور»، إنه جنوبي شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية، من المرجح أن يكون دعم ترشيح كيليجدار أوغلو للرئاسة أقوى من دعم حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية المتزامنة.
وفاز حزب الشعوب الديمقراطي بأكثر من 50% من الأصوات في معظم المحافظات الجنوبية الشرقية بالانتخابات البرلمانية لعام 2018، بما في ذلك في ديار بكر الأكثر اكتظاظًا بالسكان.
في شوارع ديار بكر، يبدو أن استراتيجية حزب الشعوب الديمقراطي للسباق الرئاسي تلقى صدى، فآسيي خاتون أيدين أوغلو، موظف حكومي متقاعد وناخب حزب الشعوب الديمقراطي، قال لـ«المونيتور»: «سأصوت لحسن الحظ لصالح كيليجدار أوغلو. إنه قائد أحبه، صادق ومحترم».
ورغم أن هناك من أعرب عن أسفه لغياب مرشح حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، فإن معظم ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي الذين قابلتهم «المونيتور» قالوا إنهم سيستجيبون لقرار حزبهم وطعون صلاح الدين دميرتاس، زعيم الحزب السابق المسجون.
يعود الفضل إلى كيليجدار أوغلو في اعتدال نهج حزب الشعب الجمهوري تجاه الأكراد، منذ أن أصبح رئيسًا للحزب عام 2010، لكن اهتمامهم لم يترجم إلى دعم انتخابي.
بدأت الأمور تتغير في استطلاعات الرأي لعام 2019، يقول جيراسون، مضيفًا أن الاستطلاع كان يشير إلى سباقات رؤساء البلديات غربي تركيا عام 2019، عند اختبار التعاون الضمني بين المعارضة الرئيسة وحزب الشعوب الديمقراطي لأول مرة.
وأشار إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي خرج من السباقات في عديد من المدن الكبرى، التي تضم أعدادًا كبيرة من المهاجرين الأكراد، وعلى الأخص اسطنبول، ما مهد الطريق أمام ناخبيه لدعم مرشحي حزب الشعب الجمهوري، ومساعدتهم في الفوز بمناصب رئاسة البلدية التي طالما شغلها حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان.
كان تواصل كيليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي مفتاحًا، لتجنُّب الإخلال بالتوازنات الدقيقة في تحالفه المتنوع، ويعارض الناخبون القوميون في كتلة المعارضة التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، الأمر الذي قد تحظره المحكمة الدستورية، بسبب صلات مزعومة بحزب العمال الكردستاني، الجماعة المحظورة المصنفة مجموعة إرهابية، لحمل السلاح ضد أنقرة عام 1984.
ويقول فهاب كوسكون، المحلل الأكاديمي والسياسي البارز في ديار بكر، في تصريحات لـ«المونيتور»، إن شريحة مهمة من الناخبين الأكراد ولت وجهها بعيدًا عن حزب العدالة والتنمية، بسبب فشله في تقديم الأمل اقتصاديًا، وأدائه الاقتصادي الضعيف في الآونة الأخيرة، وتحالفه مع حزب الحركة القومية، والتخلي عن مطالبته بحل القضية الكردية بالوسائل الديمقراطية.
وقال كوسكون إن من المرجح أن يدعم الأكراد المحبطون حزب الشعب الجمهوري وحزبي معارضة أصغر بقيادة مساعدين سابقين لأردوغان.
في ديار بكر، على سبيل المثال، من المتوقع انتخاب مرشح واحد على الأقل من حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، وهو إنجاز فشل الحزب في تحقيقه بالعقدين الماضيين.
في غضون ذلك، أشار كوسكون إلى أن معظم الناخبين الأكراد لأول مرة، الذين يمثلون ما يقرب من 25% من 6 ملايين شاب مؤهل للتصويت لأول مرة، يفضلون حزب الشعوب الديمقراطي.
وتقول «المونيتور»: رغم توقع الدعم الكردي الحاسم لكيليجدار أوغلو، فإنه لا يمكن أن يكون فوز زعيم حزب الشعب الجمهوري مفروغًا منه، كما يحذر منظمو استطلاعات الرأي، فحزبان معارضان صغيران قدما مرشحيهما في السباق الرئاسي، ما جعل من الصعب على أوغلو الفوز في الجولة الأولى.
في السياق نفسه، تحدث أحد أبرز خصوم رجب طيب أردوغان من زنزانته، لحث المعارضة التركية على اغتنام أفضل فرصة لها -حتى الآن- لإسقاط رئيس البلاد.
وقال السياسي التركي الكردي المسجون منذ عام 2016 بتهم الإرهاب، صلاح الدين ديميرتاش، إن المعارضة الموحدة التي تضم الأكراد، يمكن أن تمنع الانزلاق إلى «الديكتاتورية».
وردًا على أسئلة أرسلت إليه من خلال محاميه، قال ديميرتاش، في تصريحات لـ«فايننشال تايمز»: «إذا فاز أردوغان في هذه الانتخابات، ستنتقل تركيا إلى نوع جديد من الديكتاتورية».
وأضاف السياسي التركي: تمكن أردوغان من البقاء في السلطة من خلال تقسيم المجتمع، مشيرًا إلى أن وحدة المعارضة كما هي في صناديق الاقتراع، ليست مهمة فقط للقضاء على هذا الاستقطاب، لكن للفوز في الانتخابات.
وستكون أصوات الأقلية الكردية في تركيا، التي تشكل قرابة 18% من السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة، محورية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في 14 مايو للمرة الأولى قبل الانتخابات.
ويقول ديميرتاش: «لم يصل أي حزب لا يحظى بتأييد الناخبين الأكراد إلى السلطة على الإطلاق، الأكراد سيكونون حاسمين في هذه الانتخابات أيضًا».
وأشار السياسي التركي، الذي ينتمي إلى الأقلية العلوية في الدولة ذات الأغلبية السنية، المولود في مقاطعة ذات أغلبية كردية، إلى أن الأكراد «يقدرون مرشحًا رئاسيًا مشتركًا وكانوا متفائلين بحملة أوغلو، لكنهم ينتظرون ليروا كيف تسير الأمور قبل اتخاذ قرار».