بعد تعليق معاهدة نيوستارت.. هل تستعد روسيا لاختبار أسلحة نووية؟

مع أن روسيا لم تنسحب رسميًا من المعاهدة، إلا أن تعليقها ينذر -على الأرجح- بإنهاء المعاهدة، ما يجعل التوسع المستقبلي للترسانة النووية الروسية واستئناف التجارب النووية أمرًا ممكنًا.

بعد تعليق معاهدة نيوستارت.. هل تستعد روسيا لاختبار أسلحة نووية؟

ترجمات - السياق

خطر جديد بات يواجه العالم، بعد تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشاركة بلاده في معاهدة ستارت الجديدة، التي تعد آخر اتفاقية للتحكم في الأسلحة النووية، بين موسكو وواشنطن.

وتحدد المعاهدة حجم الترسانتين الأمريكية والروسية بـ 1550 رأسًا نوويًا منتشرًا على 700 نظام إيصال استراتيجي، مزيج من الصواريخ البالستية العابرة للقارات (ICBMs) والصواريخ البالستية التي تُطلق من الغواصات والقاذفات بعيدة المدى، كما توفر إجراء تحقق يسمح للمسؤولين من كل دولة، بتفتيش المواقع النووية في الأخرى.

ومع أن روسيا لم تنسحب رسميًا من المعاهدة، إلا أن تعليقها ينذر -على الأرجح- بإنهاء المعاهدة، ما يجعل التوسع المستقبلي للترسانة النووية الروسية واستئناف التجارب النووية أمرًا ممكنًا.

وتقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار في إعلانه تعليق المعاهدة في 21 فبراير الجاري، إلى إمكانية إجراء الاختبارات النووية، فوجَّه "روساتوم" -شركة الطاقة النووية التي تديرها روسيا- لبدء الاستعدادات للاختبار.

وأشارت إلى أن إجراء اختبار كهذا سيكون له هدفان، أولاً: استخدام روسيا التجارب النووية كأداة للدبلوماسية القسرية، وتحديد وقت الاختبارات ليتزامن مع الأحداث ذات الأهمية السياسية أو العسكرية.

وتقول الصحيفة الأمريكية إن هذه الاختبارات يمكن أن تحدث قبل شن هجمات جديدة في أوكرانيا، أو توسيع الهجمات الروسية على البنية التحتية المدنية، مشيرة إلى أنه خارج أوكرانيا، يمكن أن تسبق التجارب النووية الجهود المبذولة لزعزعة استقرار جيران روسيا، مثل المؤامرة المحتملة لإطاحة الحكومة المولدوفية.

 

إشارات روسية

هذه التجارب النووية ستكون إشارات إلى أن روسيا مستعدة لاستخدام ترسانتها، حالة قيام الولايات المتحدة أو "الناتو" بعمليات ضدها، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، التي قالت إنه حال العمليات العسكرية الروسية -سواء كانت العملية الحالية في أوكرانيا أم العمليات المستقبلية في مكان آخر- يمكن أن تكون هذه الاختبارات جزءًا من استراتيجية روسية، لمنع تصعيد الصراع المحلي إلى صراع إقليمي.

وأشارت إلى أن روسيا تشارك في الإشارات النووية لهذه الأغراض، فقد استخدم بوتين وقادة روس التهديدات النووية -مرارًا وتكرارًا- أثناء الحرب في أوكرانيا وقبلها، إضافة إلى نشر أسلحة تفوق سرعة الصوت ذات قدرات نووية في كالينينغراد وسوريا، حيث ستكون ضمن نطاق عواصم "الناتو" في أوروبا الغربية والبحر المتوسط، في الأسابيع التي سبقت الغزو، بينما ستضيف التجارب النووية وسيلة أخرى للإشارة النووية القسرية.

وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن هذه الاستراتيجية لن تكون روسية فقط، فكوريا الشمالية تجمع بين التجارب النووية والأهداف السياسية، مشيرة إلى أنه غالبًا ما تتزامن الاختبارات الكورية الشمالية مع التدريبات العسكرية المشتركة، بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، أو تنصيب رئيس جديد للولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية، أو الأحداث المهمة في العلاقات الأمريكية بكوريا الجنوبية أو اليابان أو الصين.

 

الهدف الثاني

الهدف الثاني للتجارب النووية المتجددة، تحسين الترسانة النووية الروسية، إذ تشير «ذا ناشيونال»، إلى أن موسكو تشارك في برنامج تحديث نووي رئيسي، يؤثر في أرجل الثلاثي النووي لروسيا، ويتضمن ترقيات للقدرات الحالية، مثل تطوير صاروخ سارمات البالستي عابر للقارات أو Borei-A SSBN وأنظمة جديدة مثل مركبة الانزلاق Avangard التي تفوق سرعة الصوت.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن روسيا والولايات المتحدة طورتا رؤوسًا حربية وأنظمة إطلاق جديدة، من دون تفجير سلاح نووي خلال العقود الماضية، مشيرة إلى أن النمذجة الحاسوبية سمحت للبلدين بتصميم وتقييم أسلحة جديدة.

وبينما يتوقع المسؤولون الاعتماد على الإشراف على المخزونات، بدلاً من اختبار التفجيرات في المستقبل المنظور، قالت الصحيفة الأمريكية إن برامج الصيانة والتحديث العسكرية الروسية، لم تكن موثوقة مثل نظيراتها الأمريكية، فموسكو شهدت إخفاقات عسكرية متكررة في أوكرانيا، رغم برنامج تحديث تقليدي شامل ومكلف، بعد أداء ضعيف بشكل صادم، خلال الحرب الروسية الجورجية عام 2008.

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن تقارير عن الفساد وعدم الكفاءة ظهرت في وزارة الدفاع والجيش بروسيا، زاعمة أن كثيرًا من استثمارات روسيا في التحديث التقليدي، ذهب إلى جيوب النخب، بدلاً من استخدام معدات جديدة وأفضل.

وأدى «فشل» التحديث التقليدي لروسيا، إلى تكهنات بحالة الترسانة النووية الروسية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الفساد وعدم كفاءة القيادة الصناعية والعسكرية الدفاعية الروسية، قد تؤدي إلى التقليل من موثوقية الأسلحة الروسية.

وأشارت إلى أن الاختبار قد يسمح للقادة الروس بتأكيد قدرات الأنظمة الجديدة بشكل أفضل من النمذجة الحاسوبية، ما يقلل المخاوف من رادع نووي غير موثوق به، إضافة إلى أنه سيُظهر للخصوم أن هذه الأسلحة ستعمل، وستحسن القدرات الرادعة للترسانة النووية الروسية.

 

قنبلة القيصر

حال إجراء الاختبار، من المرجح أن يحدث في نوفايا زمليا، الذي كان أحد مواقع التجارب النووية الرئيسة في الاتحاد السوفييتي، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي تحدثت عن اختبار قنبلة القيصر، أكبر جهاز نووي جرى تصميمه وتفجيره، هناك.

وزادت روسيا تطوير البنية التحتية العسكرية والقدرات أقصى شمالها، بما في ذلك نوفايا زمليا، على مدى السنوات الماضية، إذ تشير «ذا ناشيونال»، إلى أنه يُنظر إلى المنطقة على أنها بالغة الأهمية لأمن روسيا.

وحذرت الصحيفة الأمريكية، من أن استئناف التجارب النووية، سيؤدي إلى زيادة قيمتها الاستراتيجية لموسكو، وقد يؤدي إلى مزيد من عسكرة القطب الشمالي الروسي.

 

عواقب استراتيجية

وأكدت أن زيادة عسكرة القطب الشمالي ستكون له عواقب استراتيجية كبيرة، على قوى القطب الشمالي الأخرى، وهم أعضاء حاليون أو طموحون في "الناتو".

وأشارت إلى أن روسيا وسعت مطالباتها في قاع البحر بالقطب الشمالي على مدى السنوات الماضية، ما جعل مطالبها الإقليمية في تصادم مع مطالبات كندا والنرويج، خاصة الأخيرة التي تدخل معها في علاقات متوترة، على طول حدودهما البرية والبحرية، في القطب الشمالي.

وقالت «ذا ناشيونال إنترست»، إن زيادة الأصول العسكرية الروسية في القطب الشمالي، ستؤدي إلى تفاقم هذه النزاعات وزيادة انعدام الأمن في دول القطب الشمالي، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ورغم أن «الموت الوشيك لمعاهدة نيو ستارت محتمل، فإنه غير محتم»، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه على الولايات المتحدة محاولة إحياء المشاركة الروسية في الصفقة.

إلا أنها قالت إنه نظرًا للفشل المحتمل للمبادرات الدبلوماسية مع موسكو، يجب أن تكون الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مستعدين للتعامل مع استئناف التجارب النووية الروسية، عبر تحسين الدفاعات في القطب الشمالي، وهي منطقة لم تضعها الولايات المتحدة بعيدًا عن أولوياتها.

إضافة إلى تطوير قدراتها الخاصة، فإنه على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركاء مهمين في القطب الشمالي، مثل كندا والنرويج والدنمارك، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن على أعضاء الناتو من خارج القطب الشمالي، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، التعامل مع حلفاء القطب الشمالي، والتأكد من أن قواتهم البحرية يمكن أن تسهم في تعزيز أمن القطب الشمالي، ما يزيد الحاجة الملحة لإضافة السويد وفنلندا إلى "الناتو".

وأشارت إلى أنه من شأن ضم السويد وفنلندا، إضافة قدرات عسكرية كبيرة للتحالف في منطقة ضعف، فلدى البلدين الوسائل والجغرافيا لتوفير معلومات استخبارية مهمة عن النشاط الروسي في نوفايا زمليا أو بالقرب منها.

 

لماذا تتخذ روسيا هذه الخطوة؟

تقول الصحيفة الأمريكية، إن السبب المحتمل أن تكلفة الانسحاب انخفضت بالنسبة لروسيا، بينما أصبحت فوائد الاختبار مهمة بشكل متزايد، مؤكدة أن موسكو تحتاج إلى زيادة اعتمادها على الأسلحة النووية، لردع أي عدوان من العدو ضدها أو التدخل الدولي لدعم أوكرانيا.

في الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي تعليق المعاهدة، أو الانسحاب منها من جانب واحد، إلى إدانة من الجهات الدولية الفاعلة، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، التي قالت إن مؤيدي زيادة الحد من التسلح قد يدعون إلى زيادة عزلة روسيا، ما قد يضر بتجارتها وعلاقاتها بجيرانها الأوروبيين.

وأشارت إلى أن عزلة روسيا عن هذه الدول نمت بشكل ملحوظ خلال الحرب الأوكرانية، فتراجعت التجارة -خاصة في النفط والغاز- مع أوروبا، وتحول جزء كبير منها إلى الصين والهند، مع إمكانية نمو التجارة في المستقبل مع بكين ونيودلهي.

ورغم ذلك، فإن الصحيفة الأمريكية، قالت إنه لا يوجد دعم قوي لاتفاقيات الحد من التسلح، فلقد قاومت الصين الجهود المبذولة لإدخالها في نظام الحد من التسلح، ولديها مصالح في توسيع ترسانتها الخاصة، كما أنها أقامت شراكة وثيقة مع روسيا.

في غضون ذلك، كانت الهند من أشد المنتقدين لنظام الحد من التسلح العالمي وعدم الانتشار منذ إنشائه في الستينيات، تقول «ذا ناشيونال»، مشيرة إلى أن نيودلهي قد تستفيد اقتصاديًا من التجارب النووية الجديدة، كون التقدم في تكنولوجيا الأسلحة النووية قد يمتد إلى القطاع النووي المدني في روسيا، الذي كان شريكًا مهمًا لصناعة الطاقة النووية الصغيرة والمتنامية في الهند.

وتوقعت الصحيفة الأمريكية موت «نيو ستارت»، لتتزايد في أعقابه الاحتمالات لعصر جديد من التجارب النووية الروسية، تزيد بموجبه الاختبارات من فعالية الأسلحة النووية الروسية، وتصبح أداة للدبلوماسية القسرية، وتؤدي إلى مزيد من العسكرة في القطب الشمالي.

إلا أنها قالت إنه من المرجح أن تكون التأثيرات الاستراتيجية والسياسية لذلك أقل من تأثيرات التجارب النووية، فالولايات المتحدة تمتلك مخزونًا كبيرًا من الأسلحة النووية غير المنتشرة، يمكن أن يضاهي التوسع النووي الروسي بعض الوقت، الذي سيكون محدودًا بالقيود المالية والقيود المتعلقة بالموارد، خاصة أن الخسائر التقليدية تزيد تكلفة استبدال العتاد.