نيجيريا تستعد لانتخابات رئاسية وسط إجراءات أمنية مشددة

رغم انحسار التهديد الذي تشكله جماعة بوكو حرام المتشددة، فإن عنف قطاع الطرق والانفصاليين والجماعات المنشقة المتطرفة، أصبح كبيرًا ومهددًا لاستقرار البلاد

نيجيريا تستعد لانتخابات رئاسية وسط إجراءات أمنية مشددة

ترجمات - السياق

تتجه نيجيريا، أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد، إلى انتخابات وسط نقص السلع وخطر أعمال العنف.

ولم يترشح الرئيس الحالي محمد بخاري (80 عامًا) بعد ولايتين شهدتا تفاقمًا لانعدام الأمن والفقر، في هذا البلد الذي يشكّل البالغون، الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، ستين بالمئة من نسبة سكانه.

نحو 94 مليون ناخب، مدعوون للإدلاء بأصواتهم في 176 ألف مركز تصويت، لانتخاب خلف لبخاري بين 18 مرشحًا، إضافة إلى نواب وأعضاء لمجلس الشيوخ.

وتُشكّل هذه الانتخابات موعدًا مهمًا لنيجيريا، التي يُفترض أن تصبح عام 2050 ثالث أكبر دولة، من حيث عدد السكان في العالم، في وقت تواجه منطقة غرب إفريقيا خطر تراجع حادّ للديمقراطية وانتشار أعمال العنف.

وأسهمت لاغوس في جعل نيجيريا قوة ثقافية عالمية، بفضل قطاع نوليوود، وهي الصناعة السينمائية النيجيرية القوية جدًا، وموسيقى أفروبيت، التي اجتاحت الكوكب، مع فنانين مثل بورنا بوي وويز كيد.

لكن الرئيس المقبل لأكبر اقتصاد في القارة الإفريقية وأكبر دولة نفطية فيها، سيرث مشكلات عدة، من أعمال العنف الإجرامي والجهادي في الشمال والوسط، إلى الاضطرابات الانفصالية في الجنوب الشرقي، والتضخم الجامح والفقر المستشري.

ورغم انحسار التهديد الذي تشكله جماعة بوكو حرام المتشددة، فإن عنف قطاع الطرق والانفصاليين والجماعات المنشقة المتطرفة، أصبح كبيرًا ومهددًا لاستقرار البلاد، بحسب صحيفة واشنطن بوست. 

في الشمال الشرقي، يتصادم الرعاة وقطاع الطرق بانتظام، ولا تزال الجماعات الجهادية المشتتة نشطة، بينما في الجنوب الشرقي، تصاعدت الهجمات الانفصالية في بيافران، وكذلك في منطقة دلتا النيجر، تتفشى القرصنة وسرقة النفط. 

وتبدو الصورة الاقتصادية للبلاد قاتمة جدًا، حيث يعيش أربعة من كل 10 نيجيريين تحت خط الفقر، بينما البطالة والتضخم مرتفعان، في حين أن العملة "النيرة" تراجعت بشدة. 

وأدت فورة البنية التحتية لزيادة الدين الخارجي إلى 40 مليار دولار، وتنفق الحكومة 98 في المئة من إيراداتها على خدمتها. 

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق لعديد من النيجيريين، هو النقص الواسع النطاق للوقود، في واحدة من أكبر البلدان المنتجة للنفط بإفريقيا، لعدم صيانة مصافي النفط التي تديرها الدولة، حيث استيراد معظم الوقود المكرر.

علاوة على هذه المشكلات، تتعرض نيجيريا لضربة كبيرة بسبب تغير المناخ، فلقد عانى الشمال الجفاف، وإزالة الغابات، وبشكل حاسم، على طول منطقة الساحل، انتشر التصحر حيث إن المناطق التي كانت خصبة وبها نباتات وأراض عشبية تجاوزتها الصحراء. 

وأدى ذلك إلى تأجيج الصراع بين المزارعين والرعاة، على الأراضي الصالحة للاستخدام، وفي الوقت نفسه، فإن المدن الجنوبية والساحلية معرضة للفيضانات.

لحسن الحظ، لم يتخل النيجيريون عن الديمقراطية، لكن معظمهم غير راضين عن عمل ديمقراطيتهم، أو بشكل أكثر دقة، يظنون أنها لا تعمل.

وبعد سنوات من المعاناة، هناك اعتقاد سائد بأن البلاد في حاجة ماسة إلى تغيير المسار، وستتاح للنيجيريين فرصة لتحقيق ذلك السبت، عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد. 

هذا مهم ليس فقط لنيجيريا، لكن أيضًا لبقية القارة والعالم، لأن ازدهار نيجيريا واستقرارها من شأنهما أن يؤديا إلى غرب إفريقيا أكثر ازدهارًا واستقرارًا. 

ولسوء الحظ، فإن العكس هو الصحيح: نيجيريا غير مستقرة ومليئة بالعنف، من شأنها أن تهدد استقرار المنطقة والأمن العالمي. 

وكما تعلم العالم من تمرد بوكو حرام، فإن ما يحدث في نيجيريا يميل إلى الامتداد عبر حدودها، وإذا كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أي مؤشر، فمن المتوقع أن تكون هذه الانتخابات الأكثر تنافسية في البلاد منذ عقود.

 تولى الرئيس الحالي، المحدود المدة، محمد بخاري، الحاكم العسكري السابق في الثمانينيات، منصبه عن طريق صندوق الاقتراع عام 2015 واعدًا بمكافحة الفساد المستشري وتحسين الوضع الاقتصادي.

ورغم خلفيته العسكرية، حيث قام بانقلاب ذات مرة، كان هناك أمل في البداية، أن يكون بخاري هو ما تحتاجه نيجيريا، حيث كان أول شخص يهزم الرئيس وقتها، جودلاك جوناثان، ومثل انتخابه سابقة يهزم فيها حزب معارض الحزب الحاكم، ناهيك عن  الانتقال السلمي للسلطة.

لكن فترتيه تميزتا بشعور من الانجراف والانهيار الاقتصادي والغياب الطويل بسبب مشكلات صحية. 

زوجته، السيدة الأولى عائشة محمد بخاري، اعتذرت للأمة، معترفة بأن فترة عمل زوجها كانت مخيبة للآمال، وطلبت الصفح. 

وعلى الخريطة السياسية، ثلاثة من كبار المرشحين لديهم فرصة واقعية للفوز:

بولا تينوبو المرشح عن مؤتمر بوهاري لكل التقدميين وهناك من يعده الفائز الأكثر احتمالًا، وهو مسلم مثل مرشحه لمنصب نائب الرئيس، في بلد منقسم بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، فإن المرشحين الرئاسيين ونائب الرئيس ينتمون تقليديًا إلى ديانات مختلفة. 

وواجه تينوبو (70 عاما) شائعات عن اعتلال صحته، وهو ما نفاه،  كما تحوم حوله أيضًا مزاعم عن تجارة المخدرات، التي أدت في التسعينيات من القرن الماضي، إلى تجميد الولايات المتحدة 10 حسابات مصرفية مرتبطة به، حتى وافق تينوبو على تسوية وخسر 460 ألف دولار، حسبما ورد وقتها، لكن عيبه الرئيس قد يكون أنه من الحزب نفسه، مثل شاغل الوظيفة الحالي، في وقت يريد فيه النيجيريون التغيير. 

هناك أيضًا أتيكو أبو بكر (76 عامًا)، مرشح حزب الشعب الديمقراطي المعارض، شمالي ومسلم، وهو نائب رئيس سابق ومسؤول جمركي كبير، وعمل بالسياسة فترة طويلة، لدرجة أنه يعد جزءًا من الحرس القديم، كما تحوم حوله مزاعم الفساد التي ينفيها.

عادة ما تكون الانتخابات النيجيرية ذات اتجاهين بين هذين الحزبين، لكن المرشح الذي يثير السباق هذه المرة هو بيتر أوبي، الذي اعتاد أن يكون مع حزب الشعب الديمقراطي، لكنه انضم إلى حزب العمال الصغير.

الرجل يبلغ من العمر 61 عامًا، وهو أصغر بعقد من منافسيه الرئيسين، ويظهر على أنه أكثر نشاطًا. 

أوبي، رجل أعمال وحاكم سابق ومسيحي، يغازل الناخبين الشباب المتحمسين للتغيير والقضاء على الفساد.

 أدار أوبي حملة ذكية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحمل جاذبيته لشباب المدن تشابهًا مع الحملة الناجحة للرئيس الكيني ويليام روتو العام الماضي.

للأسف، أصبحت الانتخابات نفسها هدفاً للعنف المتصاعد في نيجيريا، حيث اختطف عمال الانتخابات وهوجمت مكاتبهم.

وتقول جماعات حقوق الإنسان، إن أحد أسباب ذلك فشل الدولة في التحقيق مع المسؤولين عن العنف، الذي صاحب الانتخابات السابقة ومحاكمتهم، بما في ذلك الانتخابات الأخيرة عام 2019. وقد أدى ذلك إلى ثقافة الإفلات من العقاب. 

ومن الواضح أن من يفوز بالانتخابات سيواجه تحديات ضخمة، بما في ذلك إصلاح الاقتصاد المنهار، وإحياء قطاع النفط، وكبح الفساد، والأهم من ذلك، استعادة الأمن وإنهاء العنف. 

المهمة الأولى تحديد ومحاكمة أولئك الذين يحاولون تعطيل الاقتراع بالعنف، حتى لو كان ذلك يشمل قوات الأمن. 

نيجيريا لديها الكثير لتفخر به، فخلال الثمانينيات والتسعينيات كانت معروفة بالانقلابات العسكرية، لكنها أجرت انتخابات منتظمة منذ عام 1999.

وستكون هذه المرة الأولى منذ التحول الديمقراطي، التي لا يكون فيها أي من المرشحين المتقدمين في الانتخابات جنرالًا سابقًا. 

ورغم أعمال العنف التي سبقت الانتخابات، فقد انتقلت السلطة بسلام في الانتخابات السابقة.

نيجيريا بحاجة إلى انتخابات ذات مصداقية هذا العام، لاستعادة ثقة الناس بالديمقراطية، وتحتاج إفريقيا إلى نيجيريا مستقرة وديمقراطية، والعالم بحاجة إلى نيجيريا يمكنها أن ترقى إلى مستوى إمكاناتها على المسرح العالمي.