سيناريو عسكري مخيف... حرب أمريكا مع الصين لن تكون كأي حرب

حرب الولايات المتحدة مع الصين لن تكون مثل أي حرب شهدها الأميركيون من قبل

سيناريو عسكري مخيف... حرب أمريكا مع الصين لن تكون كأي حرب

ترجمات - السياق

مع احتدام الخلافات بين واشنطن وبكين، رأى الدكتور روس بابادغ، الخبير في مركز تقييم الاستراتيجيات والميزانيات بواشنطن، أن أي حرب محتملة بين الولايات المتحدة والصين، لن تشبه أي صراع خاضه الأمريكيون، مشيرًا إلى أن الصينيين أكثر استعدادًا لشن نوع أوسع بكثير من الحروب التي قد تصل إلى عمق المجتمع الأمريكي.

وذكر في تحليل لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن اندلاع حرب كبيرة في المحيطين الهندي والهادي محتمل، أكثر من أي وقت مضى، منذ الحرب العالمية الثانية.

ورجح بابادغ  -وهو مؤلف كتاب "الحرب الكبرى التالية... هل تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الانتصار على الصين؟"- أن تكون الشرارة الأولى غزو الصين لتايوان، خصوصًا بعد أن قال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إن توحيد تايوان مع الصين "يجب أن يتحقق".

وأضاف الكاتب، رئيس منتدى كانبرا الاستراتيجي: "لقد أصبح نظام الحزب الشيوعي الصيني قويًا بما يكفي عسكريًا واقتصاديًا وصناعيًا لإخضاع تايوان وتحدي الولايات المتحدة بشكل مباشر من أجل التفوق الإقليمي".

 

المصالح الأمريكية

ويرى باباغ أن المصالح الاستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة على المحك، وأن غزوًا صينيًا ناجحًا لتايوان سيؤدي إلى فجوة في الولايات المتحدة ودفاعات الحلفاء في المنطقة، ما يقوِّض -بشكل خطير- موقع الولايات المتحدة الاستراتيجي غربي المحيط الهادي، ومن المحتمل أن يقطع طريق وصولها إلى أشباه الموصلات الرائدة عالميًا والمكونات الحيوية المُصنعة في تايوان، ولهذا يصرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه سيدافع عنها.

وحذر الكاتب -ردًا على تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن المتكررة، بأنه سيدافع عن هذه الجزيرة- من أنه يجب على القيادة الأمريكية تجنب الدخول في حرب متهورة مع الصين عن غير قصد، لأن هذا الصراع سيكون مختلفًا عن أي شيء واجهه الأمريكيون على الإطلاق.

وأوضح أن الأمريكيون اعتادوا إرسال جيشهم للقتال بعيدًا عن الوطن، لكن الصين "عدو من نوع مختلف، إذ تمتلك قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية قادرة على إثارة الحرب داخل الوطن الأمريكي".

وقال رئيس منتدى كانبرا الاستراتيجي: "بصفتي محللًا استراتيجيًا ومخططًا دفاعيًا، بما في ذلك وزارة الدفاع الأسترالية، فقد أمضيت عقودًا في دراسة كيف يمكن أن تبدأ الحرب، وكيف تدور، والعمليات العسكرية وغير العسكرية التي تستعد الصين لها... ومن ثمّ فأنا مقتنع بأن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة خطيرة جدًا، ويجب أن يصبح مواطنوها أكثر وعيًا بها".

وشدد على أن السيناريو العسكري مخيف في حد ذاته، حيث إنه من المرجح أن تشن الصين هجومًا خاطفًا من الجو والبحر والفضاء الإلكتروني للسيطرة على أهداف استراتيجية رئيسة بتايوان في غضون ساعات، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من التدخل، مضيفًا: "تايوان أكبر بقليل من ولاية ماريلاند، فإذا تذكرنا سرعة سقوط أفغانستان وكابل في أيدي طالبان عام 2021، سيصبح من الواضح أن الاستيلاء على تايوان يمكن أن يكون بسرعة نسبيًا".

وأشار إلى أن الصين تمتلك أيضًا أكثر من 1350 صاروخًا بالستيًا وصواريخ كروز قادرة على ضرب القوات الأمريكية والقوات المتحالفة في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين والأراضي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة غربي المحيط الهادئ، لافتًا إلى أن الصعوبة المطلقة التي قد تواجهها الولايات المتحدة، في شن حرب على بُعد آلاف الأميال عبر المحيط الهادئ، تتمثل في أن هذه الحرب ستكون ضد خصم لديه أكبر قوة بحرية في العالم وأكبر قوة جوية في آسيا.

ويبيّن باباغ، في تحليله، أنه رغم ذلك، يُفضل المخططون العسكريون الأمريكيون خوض حرب تقليدية، ويتناسون أن الصينيين مستعدون لشن نوع أوسع بكثير من الحروب التي قد تصل إلى عُمق المجتمع الأمريكي.

 

أزمات أمريكية

ونوه باباغ إلى أنه على مدى العقد الماضي، نظرت الصين -بشكل متزايد- إلى الولايات المتحدة باعتبارها غارقة في أزمات سياسية واجتماعية.

واستشهد بتصريحات شي التي قال فيها: "الشرق ينهض بينما الغرب آخذ في التراجع"، مشيرًا إلى أن الرئيس الصيني كان يقصد من ذلك "أن أكبر نقاط ضعف أمريكا تكمن في جبهتها الداخلية".

أمام ذلك، يرى الكاتب، أن "شي" مستعد لاستغلال ذلك، من خلال حملة متعددة الجوانب لتقسيم الأمريكيين وتقويض واستنفاد إرادتهم للدخول في صراع طويل الأمد، وهو ما يسميه الجيش الصيني تفكك العدو.

في المقابل، فإنه على مدى العقدين الماضيين ، بنت الصين قدرات هائلة في الحرب الدعائية السياسية، والحرب الإلكترونية المصممة لاختراق الولايات المتحدة والحكومات الحليفة والمؤسسات الإعلامية والشركات والمجتمع المدني والتلاعب بها وتعطيلها، وفق الكاتب.

وأوضح أنه "إذا اندلعت الحرب، من المتوقع أن تستخدم الصين هذا لتعطيل الاتصالات ونشر الأخبار المزيفة وغيرها من المعلومات المضللة"، لافتًا إلى أن الهدف من ذلك سيكون تعزيز الارتباك والانقسام وانعدام الثقة وإعاقة اتخاذ القرار داخل صفوف الأمريكيين، مضيفًا: "قد تضاعف الصين ذلك من خلال الهجمات الإلكترونية وربما بعض الهجمات المباشرة على الأقمار الاصطناعية أو البنية التحتية ذات الصلة".

ومن المرجح -حسب باباغ- أن تكون هذه العمليات مصحوبة بهجمات إلكترونية لتعطيل الكهرباء والغاز والمياه والنقل والرعاية الصحية والخدمات العامة، لافتًا إلى أن الصين أثبتت قدراتها، بما في ذلك بتايوان، حيث شنت حملات تضليل داخل الجزيرة، بخلاف دورها في عديد من حوادث القرصنة الخطيرة التي استهدفت الولايات المتحدة.

ونوه إلى أن "شي" دافع عن قدرات الحرب السياسية الصينية باعتبارها "سلاحًا سحريًا".

من الأسلحة الخطيرة أيضًا، التي من الممكن أن تستغلها الصين ضد الولايات المتحدة، هيمنتها على سلاسل التوريد والشحن، التي سيكون تأثيرها في الأمريكيين عميقًا جدًا.

وبيّن باباغ أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد على الموارد الصينية والسلع المصنعة، بما في ذلك عديد من التطبيقات العسكرية، بينما يعتمد المستهلكون الأمريكيون على الواردات الصينية الصُنع ذات الأسعار المعتدلة لكل شيء، من الإلكترونيات إلى الأثاث إلى الأحذية.

ولفت إلى نقل الجزء الأكبر من هذه البضائع في السفن على طول الممرات البحرية، التي تسيطر عليها -بشكل متزايد- المصالح التجارية الصينية، منوهًا إلى أنه حال اندلاع الحرب ستتوقف هذه التجارة، وكذلك الشحنات الأمريكية إلى الصين.

أمام ذلك، ستتفاقم الأضرار الأمريكية -وفق الكاتب- الذي أشار إلى أن الإمدادات الأمريكية في عديد من المنتجات ستنخفض، ما يؤدي إلى شل مجموعة واسعة من الشركات، منوهًا إلى أن الأمر قد يستغرق شهورًا لاستعادة التجارة، ما يسهم في ارتفاع التضخم والبطالة بشكل غير مسبوق، لا سيما في الفترة التي يعاد فيها توجيه الاقتصاد للجهود الحربية، التي قد تشمل تحول بعض مصنعي السيارات إلى تصنيع الطائرات أو شركات تصنيع الأغذية التي تتحول إلى إنتاج الأدوية ذات الأولوية، بخلاف توقف البورصات في الولايات المتحدة ودول أخرى، بسبب الشكوك الاقتصادية الهائلة.

في المقابل، تعد الصين القوة الصناعية العالمية المهيمنة، بعديد من المقاييس، ففي عام 2004، كان إنتاج التصنيع في الولايات المتحدة أكثر من ضعف الناتج الصيني، بينما عام 2021، كان إنتاج الصين ضعف إنتاج الولايات المتحدة.

تنتج الصين أيضًا عددًا من السفن والصلب والهواتف الذكية أكثر من أي دولة أخرى، وهي رائدة عالميًا في إنتاج المواد الكيميائية والمعادن والمعدات الصناعية الثقيلة والإلكترونيات، اللبنات الأساسية للاقتصاد الصناعي العسكري.

بخلاف ذلك، يرى الكاتب أن الحرب في أوكرانيا أظهرت أن الولايات المتحدة لا تستطيع مجاراة الصين، في إنتاج أسلحة متطورة وغيرها من الإمدادات اللازمة للحرب، مشيرًا إلى أن تزويد كييف بالمعدات العسكرية، أدى إلى استنفاد المخزونات الأمريكية لبعض الأنظمة العسكرية الرئيسة.

ومع ذلك -يضيف الكاتب- فإن الحرب في أوكرانيا صغيرة نسبيًا مقارنةً بالمطالب المحتملة لحرب كبرى في المحيطين الهندي والهادئ.

ويتساءل باباغ: "ما الذي على الولايات المتحدة فعله".

ويجيب أن ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة على الجبهة العسكرية، هو تسريع البرامج الجارية بالفعل، لتعزيز ونشر قواتها غربي المحيط الهادئ، لتكون أقل عرضة لهجمات الصين، وداخليًا يجب بذل جهود متضافرة لإيجاد طرق لحماية وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية الأمريكية بشكل أفضل من المعلومات المضللة الصينية.

وكذلك، تجب إعادة تشكيل سلاسل التوريد لبعض السلع والخدمات الحيوية، لتحويل الإنتاج إلى الولايات المتحدة أو الدول الحليفة، كما يجب على واشنطن متابعة حملة استراتيجية طويلة الأمد، لاستعادة هيمنتها على التصنيع العالمي.

وشدد الكاتب على أن بناء ردع أقوى، عن طريق معالجة نقاط الضعف، أفضل وسيلة لتجنُّب الحرب، وبما أن هذا الأمر يستغرق وقتًا، فمن المهم -حتى ذلك الحين- أن تتجنب واشنطن الاستفزازات، وتحافظ على خطاب مهذب مع بكين.

وأضاف: "رغم اعتبار عديد من الأمريكيين أن المنطاد الذي حلّق على ارتفاعات عالية عبر الولايات المتحدة، انتهاكًا صينيًا مروعًا لسيادة الولايات المتحدة، فقد يتضح أنها مجرد (لعبة أطفال) مقارنةً بالفوضى التي يمكن أن تنشرها الصين على الوطن الأمريكي حال الحرب".