عقب تراجع نتنياهو.. هل تستمر الاحتجاجات في إسرائيل؟
يرى الكاتب كيم سنغوبتا، أن الخلاف حول الإصلاحات القضائية الذي فجر احتجاجات واسعة في إسرائيل، سيستمر سنوات.

ترجمات - السياق
رغم تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إصلاحاته القضائية، تحت ضغط الجماهير، بعد التظاهرات الضخمة التي عمت البلاد، فإن تداعيات هذه الاحتجاجات قد تستمر سنوات، وفق صحيفة إندبندنت البريطانية.
ورأت الصحيفة، في تحليل للكاتب كيم سنغوبتا، أن الخلاف الذي فجر احتجاجات واسعة في إسرائيل، سيستمر سنوات.
وأشارت إلى أن هذه الاحتجاجات -الرافضة للإصلاح القضائي الذي اقترحته حكومة نتنياهو- هي الأكبر والأكثر أهمية في تاريخ البلاد، ومن ثمّ فإن تداعياتها قد تستمر فترة طويلة.
كان نتنياهو أعلن تأجيل التعديلات القضائية التي أثارت الجدل، قائلًا إنه يستهدف "منع حرب أهلية" في البلاد.
وفي خطاب متلفز، قال نتنياهو: "أستمع للمطالبات بتبديد التوتر، لكني لم أقبل أن أستسلم لهذه الأقلية المتطرفة، التي تستعد لتمزيق صفوف شعبنا، وتلجأ إلى العنف وإشعال النار والتهديد بالنيل من النواب المنتخبين".
محاكمة نتنياهو
وذكرت "إندبندنت" أن المشروع الذي عرضته حكومة نتنياهو اليمينية يضرب استقلال القضاء، ويحجب الرقابة القانونية على الأفعال والقرارات السياسية.
ورأت أن الإصلاحات التي كانت تصر عليها الحكومة وتراجعت عنها تحت ضغط الجماهير العريضة، تحمي نتنياهو في محاكمته بتهم الفساد الموجهة إليه، مشيرة إلى أن الاحتجاجات الواسعة التي تضمنت إضرابًا عامًا، شلت الحركة في البلاد، لكن التطور الأكبر في القضية موقف الأجهزة الأمنية من الإصلاحات المقترحة.
وأشارت إلى أن المظاهرات، التي تركت أصداءً محلية ودولية واسعة، تسببت في شل أهم المؤسسات (المطارات والموانئ)، وأُغلقت الطرق الرئيسة، والبنوك والمكاتب والمتاجر، وحتى المستشفيات التي لم تعد تقدم سوى رعاية الطوارئ.
ولم يتوقف الأمر محليًا، إذ دعت نقابة الدبلوماسيين، الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، حيث أضرب موظفو السفارة الإسرائيلية في لندن، وعدد من البعثات الدبلوماسية في الخارج.
وقال المتحدث باسم نقابات العمال، يانيف ليفي، إن الدبلوماسيين في البعثات الإسرائيلية بالخارج دخلوا أيضًا في إضرابات.
وزادت حدة التظاهرات المستمرة منذ نحو 3 أشهر، مساء الأحد الماضي، بالتزامن مع إقالة نتنياهو، لشريكه في الائتلاف الحكومي، وزير الدفاع، يوآف غالانت، لأنه دعا إلى وقف المشروع، محذرًا من أنه لم يشاهد غضبًا بهذه الحدة في صفوف في الأجهزة الأمنية.
كان غالانت قد وجَّه -السبت- نداءً للحكومة في خطاب تلفزيوني، لوقف خطط تعديل النظام القضائي، محذرًا من أن الانقسام العميق الذي أثارته في المجتمع الإسرائيلي، يؤثر في الجيش ويهدد الأمن القومي.
وبعد ساعات من إعلان الإقالة، استقال القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك، عساف زمير، قائلًا إن "الوضع السياسي في إسرائيل بلغ نقطة حرجة، وأشعر بإحساس عميق بالمسؤولية وبالتزام أخلاقي بالدفاع عن الصواب والكفاح من أجل القيم الديمقراطية التي أعتز بها".
ونبه مسؤولون عسكريون أيضًا إلى تزايد رفض الاحتياطيين -العماد الأساسي للجيش الإسرائيلي- الالتحاق بمراكزهم، ما تسبب في مشكلات تشغيلية.
بينما اتهم نتنياهو، وإيتمار بن غفير وزير الأمن الوطني، مدير الشرطة، كوبي شابتاي، بالتساهل مع المحتجين.
ورفض شابتاي التراجع عن سياسته، مؤكدًا خلال كلمة وجهها لنتنياهو: "سنحرص على المساواة في التعامل مع المتظاهرين، ولن يخيفنا أحد".
وتابع شابتاي: "شرطة إسرائيل قومية، لا سياسية، وستبقى كذلك، ووظيفتها إتاحة التعبير عن الرأي لكل مواطن، وكذلك الموازنة بين الحق في التظاهر والحق في التنقل".
كان بيني غانتس، زعيم حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي، ووزير الدفاع السابق، بين الذين خاطبوا الجماهير الرافضة لإصلاح نتنياهو، قائلاً: "نحن شعب واحد... من لا يحمي بلده لن يكون له بلد، وأنتم تحمون بلدنا".
لكن وزير الدفاع السابق رحب بخطاب نتنياهو، وطالبه بإعادة وزير الدفاع غالانت إلى منصبه، وقال: "سنعود إلى الكنيست ونتحاور مع نتنياهو بنية صادقة"، مضيفًا: "أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي".
خروج اليمين
وترى "إندبندنت" أن الاختبار الأول الذي واجهه شابتاي بشأن ما صرح به -إتاحة التعبير عن الرأي لكل مواطن- هو موقفه حال نزول أنصار اليمين المتطرف الداعمين للإصلاح القضائي.
وتصاعدت الدعوات بين أنصار اليمين المتطرف في إسرائيل إلى "مظاهرات مضادة" للاحتجاجات على إصلاحات النظام القضائي، ضد من سموهم "الليبراليين والخونة".
ودعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش –الاثنين- مؤيدي اليمين المتطرف إلى التظاهر في القدس مساءً، تأييدًا للحكومة والإصلاحات القضائية.
وقال سموتريتش: "لا يمكن بأي شكل أن تتوقف الإصلاحات القضائية"، موضحًا أنها "ستصوب النظام القضائي" و"تعزز الديمقراطية".
كان من المتظاهرين المؤيدين للإصلاح في القدس، عشرات من أعضاء جماعة "لا فاميليا" اليمينية المتطرفة، الذين صوروا وهم يهاجمون المارة العرب.
يذكر أن "لا فاميليا" القومية المتطرفة هي ظاهريًا ألتراس لمشجعي فريق بيتار القدس لكرة القدم، رغم أن الفريق نأى بنفسه مرارًا وتكرارًا عن الجماعة، بسبب خطابها العنصري وسلوكها العنيف.
من جانبه، قال نداف لازار، المتحدث باسم "الحركة من أجل جودة الحكم"، لإحدى الصحف المحلية: "نريد أن تكون الرسائل المقصودة من احتجاجنا محددة في الطابع الديمقراطي لإسرائيل فقط".
وشهدت التظاهرات الرافضة للإصلاح القضائي، رفع قليل من الأعلام الفلسطينية، وسبب ذلك -كما قيل- قطع الطريق على الحكومة حتى لا تتحجج بأن "أعداء" إسرائيل يستفيدون من وقف خطط إقرار التعديلات الخاصة بالنظام القضائي.
وترى "إندبندنت" أن نتنياهو يحتاج لـ"وقفة" بشأن تنفيذ إصلاحه القضائي، إلا أن هذه "الوقفة" لن تعالج قلق المحتجين مما يمكن أن يحدث نهاية المطاف.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة ستسبب مشكلات لحكومته الائتلافية، خصوصًا مع تزايد المطالبات بإقالة وزير العدل، ياريف ليفين.
فقد طالب قياديون في حزب الليكود نتنياهو بإقالة ياريف ليفين، الذي أصر -منذ يناير الماضي- على التمسك بمشروعه القانوني هذا، الذي يقلص سلطة المحكمة العليا، معطيًا صلاحيات وحرية أكبر للحكومة والنواب.
إلا أن ليفين أعلن تحت ضغط الشارع الملتهب والتظاهرات التي هددت مصير الحكومة، مساء الاثنين، أنه اقتنع بأهمية تأجيل التعديلات القضائية، مضيفًا أنه سيؤيد قرار نتنياهو بهذا الملف.
بينما هدد إيتمار بن غفير وزير الأمن الوطني، بالاستقالة من الحكومة، حال التراجع عن الإصلاح القضائي.
وقال بن غفير، عبر "تويتر" لأنصاره: "حالة طوارئ... اتجهوا إلى القدس، لن يسرقوا الانتخابات منا، المعسكر اليميني سيقدم دعمًا في القدس، لا يمكننا التخلي عن خيار الأمة، أحضروا العلم، وانضموا إلى المظاهرات".
وترى "إندبندنت" أنه "إذا سقطت حكومة الائتلاف هذه، فإنها ستؤدي إلى انتخابات سادسة في أربع سنوات"، مشيرة إلى أنه إذا كان نتنياهو عاد إلى السلطة في نوفمبر الماضي، على رأس ائتلاف ضم مزيجًا من الدينيين المتشددين واليمنيين المتطرفين، فإنه لا يضمن النجاح المرة المقبلة.
وهو ما علق عليه البروفيسور يوفال شاني، من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، بالقول: "من الواضح أن ذلك يتعلق ببقائه السياسي، فسيكون ضعيفاً إذا توقف عن الإصلاح".
بينما قال المحلل السياسي آفي آرونشتاين: "كان هذا زواج مصلحة بين اليمين الذي يرى القضاء المستقل عقبة أمام خططه، ونتنياهو الذي رأى فيه تهديدًا شخصيًا، ومن ثمّ لن يرغب أي منهما في التخلي عن التغييرات المقترحة بسهولة ".