هاريس في إفريقيا... هل تستطيع أمريكا الانتصار على الصين؟
خوفًا من اكتساب الصين موطئ قدم اقتصادي ضخم في القارة، تحاول إدارة بايدن، ليس فقط تخفيف هذه القبضة، لكن تشجيع مزيد من الشركات الأمريكية على الاستثمار في الدول الإفريقية.

ترجمات - السياق
محاولة جديدة من الولايات المتحدة، لتحديد مسار مختلف للعلاقات الأمريكية الإفريقية، يركز على التعاون والابتكار والنمو الاقتصادي في المنطقة بدلاً من الأزمات.
تلك المحاولة تتمثل في رحلة لنائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، تستغرق أسبوعًا في غانا ودولتين إفريقيتين أخريين، تأمل من خلالها الولايات المتحدة إعادة صياغة العلاقات الأمريكية الإفريقية، وتحييد النفوذ الصيني المتنامي.
وتقول صحيفة بوليتيكو الأمريكية، إنه بالنسبة إلى أول زيارة لنائبة الرئيس كامالا هاريس في منصبها إلى إفريقيا، فإن الهدف ليس أقل من إعادة تحديد العلاقات بين الولايات المتحدة والدول التي من المقرر أن تزورها.
وخوفًا من اكتساب الصين موطئ قدم اقتصادي ضخم في القارة، تحاول إدارة بايدن، ليس فقط تخفيف هذه القبضة، لكن تشجيع مزيد من الشركات الأمريكية على الاستثمار في الدول الإفريقية.
ويمثل وصول هاريس –الأحد- أحدث الجهود لتحقيق تلك الغايات، فهي خامس مسؤول كبير في إدارة بايدن يزور إفريقيا هذا العام، بعد سفيرة الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد ووزيرة الخزانة جانيت يلين في يناير الماضي، إضافة إلى زيارة السيدة الأولى جيل بايدن في فبراير الماضي، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، فإن الرئيس جو بايدن يعتزم زيارة إفريقيا العام الجاري.
وفي غانا، ينصب تركيز هاريس على الارتقاء بالشباب، قائلة لحشد من الشخصيات البارزة وتلاميذ المدارس الذين استقبلوها: هناك نمو وفرص وابتكار وإمكانات، وأرى في كل ذلك، فرصة عظيمة ليس فقط لشعوب هذه القارة، بل لشعوب العالم».
مخاطر كبيرة
وغانا ليست هدفها الوحيد، فهاريس ستزور أيضًا تنزانيا وزامبيا خلال أيامها السبعة في القارة، وستعقد اجتماعات ثنائية مع قادة الدول الثلاث، وستزور قلعة العبيد في كيب كوست بغانا، وستعلن عن استثمارات القطاعين العام والخاص.
وتهدف الرحلة إلى المساعدة في الوفاء بالتزامات الإدارة اعتبارًا من ديسمبر في قمة القادة الأمريكية الإفريقية، لكن بالنسبة لهاريس، التي تعد أول نائب رئيس أسود للولايات المتحدة، فإن ذلك ينطوي أيضًا على مخاطر كبيرة.
تتمثل مهمة هاريس في إقناع الدول الإفريقية بأن الولايات المتحدة تريد أن تستثمر في مستقبل البلدان الموجودة هنا، وتساعد في تغيير النظرة للولايات المتحدة، وتشجيع مزيد من الاستثمارات التجارية.
على مدى عقود، كان تصور الولايات المتحدة أنها تعامل الدول الإفريقية مثل القضايا الخيرية، وفقًا لعديد من الخبراء الإقليميين، في وضع تفاقم خلال إدارة ترامب، التي تجاهلت القارة السمراء إلى حد كبير أو استخفت بها، بحسب الصحيفة الأمريكية.
الصين على الطريق
ففي اجتماع عام 2018، أشار الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى بعض الدول الإفريقية على أنها «دول قذرة». في الوقت نفسه، عززت الصين استثماراتها في إفريقيا، وساعدت في بناء الطرق ومشاريع البنية التحتية الأخرى وعلاقات اقتصادية وسياسية أقوى.
وقال كاميرون هدسون، أحد كبار المساعدين في برنامج إفريقيا التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «واشنطن تلعب دور اللحاق بالركب في إفريقيا. مع الاستثمار التجاري الذي قام به الصينيون يأتي كثير من النفوذ والتأثير السياسي في تلك البلدان. لا يتعلق الأمر فقط بأنهم يجنون المال».
لكن الخبراء يقولون إن إدارة بايدن لديها فرصة للتنافس مع الصين، حيث يرى مزيد من القادة الأفارقة أن علاقتهم بالصين «شكل جديد من أشكال الاستغلال».
رسم السياسات
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إدارة بايدن تحاول رسم سياستها تجاه إفريقيا، على أنها تستند إلى علاقات طويلة الأمد بدلاً من خطوة أكبر لمواجهة الصين وخنق الدعم الاقتصادي لروسيا، لكن مسؤولي الإدارة يعترفون بأن هؤلاء المنافسين العالميين يأخذون في الاعتبار وجهة نظرهم بشأن السياسة الأمريكية الإفريقية الحالية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: من الواضح أنه لا يمكننا تجاهل اللحظة الجيوسياسية الحالية، فليس سرًا أننا في منافسة مع الصين. وقد قلنا بوضوح شديد أننا نعتزم التفوق على الصين في المنافسة على المدى الطويل.
وأضاف المسؤول الأمريكي أن زيارة هاريس تهدف إلى إثبات أن أمريكا لديها «أجندة إيجابية للقارة، من شأنها تغيير فحوى العلاقة».
وفي ملاحظاتها أمام قمة القادة الأفارقة في ديسمبر الماضي، استعرضت هاريس الرسالة التي من المتوقع أن تتكئ عليها خلال الأسبوع المقبل التي مفادها: أن الإدارة ستعقد شراكات عبر القارة «على أساس الصراحة والانفتاح والشمول والمصالح المشتركة والمصالح المشتركة. وبشكل عام، لن تسترشد إدارتنا بما يمكننا القيام به لإفريقيا، لكن بما يمكننا فعله فيها».
من جانبه، قال أماكا أنكو، الذي يرأس قسم الممارسات الإفريقية بمجموعة أوراسيا: «الشركات الأمريكية لا ترى إفريقيا من منظور اقتصادي. إنهم لا يرون البلدان الإفريقية كفرص للاستثمار»، مضيفًا أن الزيارة تعد «الخطوة الأولى لتحويل الخطاب من التركيز على الفساد وحقوق الإنسان والأمن إلى فرص العمل».
فرص استثمارية
وستعلن هاريس –الأربعاء- عن فرص استثمارية للقطاعين العام والخاص على مستوى القارة، تهدف إلى التمكين الاقتصادي للمرأة، كما ستدعو رجال الأعمال والأعمال الخيرية من البلدان الإفريقية والولايات المتحدة إلى «الشمول الرقمي والمالي في القارة».
ويقول الخبراء إن زيارة هاريس لن تمحو عقودًا من الافتقار إلى الشراكة مع الدول الإفريقية، في رحلة تستغرق أسبوعًا، مشيرين إلى أن القادة الأفارقة سيراقبون الإشارات التي تؤكد أن الولايات المتحدة لا تردد كلمات فحسب هذه المرة.
وتهدف هاريس إلى طمأنة الحلفاء الأفارقة للولايات المتحدة، بأن واشنطن تركز على تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي في المنطقة، بدلاً من التركيز بشكل فردي على معالجة الفساد والعنف في القارة، وفقًا لكبار المسؤولين الأمريكيين.
مهمة صعبة
وقالت موريثي موتيجا، مديرة إفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية، عن مهمة هاريس: «إنها معضلة لا تحسد عليها. إنه عمل صعب».
وأكد بعض القادة الأفارقة في السنوات الأخيرة أنهم لا يريدون فقط إلقاء محاضرات عن الديمقراطية من القادة الغربيين، لكن مزيد من الشراكة الاقتصادية والاتفاقيات التجارية التفضيلية، والحصول على التمويل بأسعار عادلة.
وقال كوبوس فان ستادن، مدير تحرير جريدة تشاينا جلوبال ساوث، إن أول رحلة كل عام لوزير خارجية صيني دائمًا ما تكون إلى إفريقيا، مشيرًا إلى أن بكين تولي اهتمامًا دبلوماسيًا حتى للدول الإفريقية الصغيرة، ما أهلها لأن تكون شريكًا رئيسًا.
وأضاف: «العلاقات بُنيت على مدى سنوات وسيكون من الصعب اختراقها في المدى القصير (...) يتطلب الأمر مشاركة مستمرة عبر عديد من الإدارات الأمريكية، الأمر الذي قد يمثل تحديًا».