ما سر التحول المفاجئ في علاقة الإخوان بالبرهان؟
هناك من يرى أن الحديث عن بوادر صراع وشيك، بين الإسلاميين وفلول البشير والبرهان، أو أنهم يسعون إلى التخلص منه لأنه متساهل أكثر من اللازم مع خصمه، محمد حمدان دقلو، الغرض منه استعادة ما فقده من بريق وشعبية، حصل عليهما بداية الحرب.

السياق
بدأت بوادر صراع وشيك، بين الإسلاميين في السودان وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، إذ يسعى الإسلاميون إلى التخلص منه "لأنه متساهل أكثر من اللازم مع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع"، الذي يخوض حربًا مع القوات المسلحة منذ أكثر من شهر.
في ظل حُكم عمر البشير -الذي امتد ثلاثة عقود- هيمن الإخوان على السلطة، وأسسوا شبكة واسعة من المصالح المالية والتجارية والسياسية.
وحكم عسكريون السودان 55 عامًا، منذ حقق استقلاله قبل 67 عامًا، بحسب "ريفت فالي إنستيتوت".
ويؤكد هذا المركز البحثي أن "السياسة السودانية مرتبطة ارتباطًا عضويًا بالعسكريين والجيش هناك مؤسسة مسيسة".
عام 2019، عندما اضطر الجيش الى إطاحة البشير تحت ضغط الشارع، ابتعد الإسلاميون عن الواجهة، وحُظر حزب المؤتمر الوطني، الذي كان يتزعمه البشير، ووُضع كثيرون من المسؤولين في السجن.
واختار الجيش، لتهدئة خاطر الشارع والمجتمع الدولي "ضابطًا مجهولًا" هو عبدالفتاح البرهان، على رأس البلاد، كما يقول الباحث أليكس دي فول.
حرب أهلية أم ملاذ للإرهابيين؟... سيناريوهات 'مخيفة' تهدد السودان
ضمان مكانهم
بمرور الوقت، أكثر البرهان من التصريحات المناوئة للإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني.
لكن منذ أدى اشتعال الحرب في 15 أبريل إلى الفوضى في السودان، وإلى هرب قادة النظام السابق من السجون، ظهر المؤتمر الوطني مجددًا، ليعلن دعمه للجيش في مواجهة قوات الدعم السريع التي يتزعمها دقلو.
في السياق، هناك من يرى أن الحديث عن بوادر صراع وشيك، بين الإسلاميين وفلول البشير والبرهان، أو أنهم يسعون إلى التخلص منه "لأنه متساهل أكثر من اللازم مع محمد حمدان دقلو"، الغرض منه استعادة ما فقده من بريق وشعبية، حصل عليهما بداية الحرب، وأخذا يتراجعان بعدما عجز عن هزيمة قوات الدعم السريع.
وعلى العكس، تصب المعطيات التي تشير إلى خلاف بين البرهان والإسلاميين بالسودان، في اتجاه أن العلاقة بينهما قوية، والتمهيد لتقديم قيادات عسكرية محسوبة عليهم بلا مواربة إلى الواجهة، تحسبًا لتطورات قد تضعه خارج السلطة، إذ لم تسعفه براغماتيته في تقليد الرئيس السابق، بالحصول على دعم من جهات متفرقة، ولم يتمكن من توحيد المؤسسة العسكرية خلفه، وبدأت قيادات فيها تتسرب من المعركة، أو تنحاز لقوات الدعم السريع.
استثمار الأوضاع
في المقابل، يقول عثمان ميرغني، رئيس تحرير يومية التيار المستقلة: "الإسلاميون يستثمرون في الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، ليضمنوا وضعًا في التسوية السياسية المقبلة".
وتجلت عودتهم بقوة، عندما وجَّه البرهان -الجمعة- رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يطلب فيها تغيير موفده إلى السودان فولكر بيرثيس.
وقال البرهان، إن الموفد الأممي صار "طرفًا وليس وسيطا" في السودان، واتهمه بارتكاب "تدليس وتضليل" أثناء قيادته عملية سياسية، ما "شجع" -وفقًا له- دقلو على "شن العمليات العسكرية".
كان الإسلاميون يعترضون على المبعوث الأممي، ويتظاهرون منذ أشهر للمطالبة باستبداله.
لكن ميرغني يؤكد أن البرهان ليس سوى "قطعة شطرنج في السياسية السودانية، فهو لا يمثل تيارًا سياسيًا، لكن دوره يرتبط بوظيفته كضابط بالقوات المسلحة".
ويشير أليكس دي فال إلى أن البرهان "يواجه عوائق عدة".
ويتابع هذا الخبير بالشؤون السودانية: "خلافًا لدقلو والبشير من قبله، ليست لديه موارد مالية خاصة، لكي يتمكن من عقد تسويات سياسية".
ويضيف: "لذلك فقد أجبر دومًا على التفاوض مع العسكريين ومع الحرس القديم قبل كل القرارات المهمة".
من أطلق الرصاصة الأولى في السودان؟.. أسرار تروى للمرة الأولى
المهمة انتهت
يرى أمير بابكر، رئيس تحرير موقع مواطنون، المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، أن البرهان "بنى علاقة مع الإسلاميين لتحقيق طموحه في الحكم".
ورغم محاولته "إظهار الابتعاد عنهم، فإنه استجاب لضغوطهم لوجودهم في الأجهزة الأمنية، ونفذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021"، وفقًا له.
انقلب البرهان قبل بضعة أسابيع من الموعد المحدد لتسليم السلطة إلى المدنيين. وسمح ذلك أيضًا بتجميد أنشطة لجنة تفكيك شبكات نظام البشير وامبراطوريته الاقتصادية.
واضطر أخيرًا إلى طلب تغيير موفد الأمم المتحدة.
وقال محلل عسكري، طلب عدم كشف هويته: "الإسلاميون موجودون في المؤسسة العسكرية، منذ وصولهم إلى السلطة في انقلاب البشير عام 1989" .
وتابع: "حاول البرهان إبعاد بعضهم، لكنه في الوقت ذاته، أبقى على آخرين".
اليوم يجد البرهان نفسه وحيدًا، في مواجهة الإسلاميين الذين يتهمونه بالتساهل مع قوات الدعم السريع، التي كان على علاقة جيدة بها، إذ عمل ضابطًا في منطقة وسط دارفور العسكرية، خلال سنوات الصراع الذي اندلع في الإقليم الواقع غربي البلاد عام 2003.
كان دقلو يومها قائدًا لقوات الجنجويد، التي فرضت الرعب في الإقليم.
ويقول ميرغني: "هو مجرد ضابط في القوات المسلحة، تنتهي مهمته بانتهاء وظيفته، وهو ما قد يتحقق بعد انتهاء الحرب".