تسونامي من الوثائق المسربة... هل ثقافة سرية المعلومات بأمريكا خرجت عن السيطرة؟

هل ثقافة سرية المعلومات في الولايات المتحدة خرجت عن السيطرة؟، وما الذي ينبغي أن يعتقده الشعب الأمريكي حيال ذلك؟

تسونامي من الوثائق المسربة... هل ثقافة سرية المعلومات بأمريكا خرجت عن السيطرة؟

ترجمات -السياق 

بعد كشف وثائق سرية في منازل الرئيس السابق دونالد ترامب، والحالي جو بايدن، ومايك بنس نائب الرئيس السابق، تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية: "هل ثقافة سرية المعلومات في الولايات المتحدة خرجت عن السيطرة؟"، وما الذي ينبغي أن يعتقده الشعب الأمريكي حيال ذلك؟

وقبل الإجابة عن السؤالين، أشارت الصحيفة، في تحليل للكاتب الأمريكي فريد زكريا، إلى نقاط عدة، منها أن مقالا نُشر عام 2004 قدر عدد الصفحات السرية الموجودة بنحو 7.5 مليار صفحة. وعام 2012، صُنفت السجلات بالسرية بمعدل 3 سجلات في الثانية، ما يعني أن هناك نحو 95 مليون وثيقة سرية خلال ذلك العام فقط.

وأوضحت: "لا أحد يعرف عدد المرات التي تُصنف فيها المعلومات بالسرية، علمًا أنه من عام 2019 كان أكثر من 4 ملايين شخص مؤهلين للوصول إلى المعلومات السرية".

فقد أعاد اكتشاف وثائق مصنفة سرية في منازل ترامب وبايدن وبنس، إشعال نقاش عن جدوى تصنيف الحكومة الأمريكية لملايين الوثائق كل عام تحت خانة "سري" أو "سري جدًا" وغيرهما.

أسرار نووية وأسماء جواسيس وبرقيات دبلوماسية، تعمل الحكومات في كل مكان على حماية معلومات من شأنها تعريض الأمن أو أسماء الجواسيس أو العلاقات مع دول أخرى للخطر، لكن ماكينة السرية في الولايات المتحدة تعمل على نحو مفرط، وفق مراقبين.

ففي كل عام يُتخذ قرابة 50 مليون قرار بشأن مسألة تصنيف مستندات حكومية في فئات مثل "غير مُصرح بالنشر" أو سري" أو سري جدًا"، وفق عدد من الخبراء.

تسونامي وفضائح

لكن الفضيحة الحقيقية -وفق "واشنطن بوست"- أن حكومة الولايات المتحدة لديها نظام أسرار خارج عن السيطرة، يُمثل خطرًا على جودة الحكومة الديمقراطية.

وأشارت الصحيفة إلى نقطة سياسية رئيسة، مفادها أن الناس تجاهلوا هذه القضايا عندما تبين أن ترامب يحتفظ بوثائق سرية في منزله بمنتجع مارالاغوا، لكنهم بدأوا يناقشونها بعدما بدا أن الرئيس بايدن أيضًا مُذنب بارتكاب الجرم نفسه، موضحة أن هذه المعايير المزدوجة تعد تحيزًا سياسيًا، حسب وصفها.

ورأت أن سلوك ترامب كان في حد ذاته "قضية رئيسة"، لا سيما رفضه تسليم الوثائق وتحدي الطلبات المباشرة من وزارة العدل.

وتابع الكاتب ساخرًا: "بالنظر إلى جنون نظام التصنيف، فإن العجب أننا لا نجد مزيدًا من الوثائق السرية للغاية متناثرة في منازل المسؤولين الحكوميين".

فعام 1998، نشر دانييل باتريك موينيهان (ديمقراطي من نيويورك)، خدم سنوات في لجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ عام 1977، كتابًا بعنوان "السرية... التجربة الأمريكية"، أعرب فيه عن أسفه لظهور "ثقافة السرية" داخل حكومة الولايات المتحدة، التي يعتقد أنها ضارة بالسياسة الخارجية وخطيرة على الديمقراطية.

ويرى موينيهان أن عديدًا من أكبر أخطاء الحكومة كان نتيجة إحجامها عن مشاركة المعلومات وإخضاع تحليلها للنقد الخارجي.

ويبين أن من يعتقد أن سبب إنشاء مجتمع الاستخبارات مواجهة التهديد السوفييتي فقط، فهو مخطئ، مشيرًا إلى أنه أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، زعمت أجهزة المخابرات أن الاتحاد السوفييتي كان متقدمًا بشكل كبير على الولايات المتحدة في تكنولوجيا الصواريخ ونشرها، وهو أمر رغم أهميته فإنه زائف.

ولفت الكتاب إلى أنه أواخر التسعينيات، كان التوجيه المركزي لمجتمع الاستخبارات، تحديد ما إذا كان صدام حسين يحاول تطوير أسلحة دمار شامل في العراق أم لا، الأمر الذي فُهم بشكل خاطئ أيضًا.

وعام 2016 كشف تقرير للكونغرس أن "50 إلى 90% من المواد المصنفة سرية ليست كذلك".

وعندما تُرفع صفة السرية عن مستندات قديمة، فإنها أحيانًا قد تكون مسلية، كما رفعت "سي آي إيه" عام 2011 السرية عن وثائق تعود لنحو قرن وتشرح كيف يمكن صناعة الحبر الخفي.

ويرى موينيهان أن السرية أصبحت من أشكال التنظيم والرقابة البيروقراطية، مشيرًا إلى أن الحكومات كانت تعد المعلومات مصدر قوة، ومن ثمّ يخفونها عن الجميع، وطوّروا آليات متقنة لتجميعها، إلا أنه مع التطور التكنولوجي قد يكون الأمر مختلفًا.

ولفت إلى أن بعض الحكومات ومجتمع الاستخبارات تستروا على عديد من الأخطاء والأنشطة غير القانونية من خلال تصنيفها "سرية".

وقلل موينيهان من تأثير هذه المعلومات في الوقت الحاضر، قائلًا: المحامي العام كتب للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1989 يحثه على نشر أوراق خاصة بالبنتاغون، كما صدرت وثائق سرية للغاية عن حرب فيتنام أثناء شن الحرب، مضيفًا: "لم أر أي أثر يهدد الأمن القومي بسبب النشر".

استحالة المراقبة

وترى "واشنطن بوست" أن المساءلة والسيطرة مستحيلتان، عندما يجهل المواطنون كثيرًا مما تفعله الحكومة، وعندما تكون لديها القدرة على منع الوصول إلى أي من تلك المعلومات.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن تيموثي نفتالي، الباحث بجامعة نيويورك، المدير السابق لمكتبة نيكسون، تأكيده أن هذه المشكلة أصبحت أسوأ في العصر الرقمي بسبب "تسونامي الوثائق السرية المخزنة في مكان ما، مع قلة عدد العاملين في الأرشيف الوطني لرفع السرية، إذ قد يستغرق الأمر 5 سنوات لطلب رفع السرية عن وثيقة واحدة كي تصل إلى الوكالة التي عليها أن تقرر إذا ما كانت ستفعل ذلك".

بينما يشير الأكاديمي ماثيو كونيلي، الباحث بجامعة كولومبيا، إلى أن حكومة الولايات المتحدة تنفق قرابة 18 مليار دولار سنويًا على تصنيف المعلومات وحمايتها و 100 مليون دولار فقط على رفع السرية.

وتعليقًا على ذلك، أفادت الصحيفة الأمريكية، بأن معظم الرؤساء يأتون إلى مناصبهم واعدين بكشف الأسرار وعدم إخفائها، ومع ذلك بمجرد تقلدهم مناصبهم يفضلون النظام المريح الذي يجعل أفعالهم بمنأى عن التدقيق والتقييم، مضيفة: "ما لدينا هو مجمع ضخم من السرية الاستخباراتية العسكرية الآخذة في النمو، وهي وصفة لاتخاذ قرارات سيئة وحكومة غير خاضعة للمساءلة".

يذكر أنه عندما غادر الرئيس السابق دونالد ترامب البيت الأبيض، أخذ معه صناديق من السجلات تشمل وثائق مصنفة سرية جدًا، وقد استدعى ذلك تفتيش منزله في فلوريدا الصيف الماضي.

ومؤخرًا عُثر على عدد قليل من الوثائق المصنفة سرية في منزلي نائب الرئيس في عهد ترامب، مايك بنس، والرئيس الحالي جو بايدن تعود إلى الحقبة التي كان فيها نائب الرئيس في عهد باراك أوباما.