رغم الخسائر... بوتين يستعد لسنوات طويلة من الحرب في أوكرانيا

بعد مرور ما يقرب من عام على الغزو، الذي كان من المفترض أن يستغرق أسابيع، يستعد بوتين لشن هجوم جديد في أوكرانيا.

رغم الخسائر... بوتين يستعد لسنوات طويلة من الحرب في أوكرانيا

ترجمات -السياق 

تستعد روسيا لشن هجوم جديد لاستعادة زمام المبادرة، وسط استعدادها لمواجهة طويلة في أوكرانيا رغم تعثر اقتصادها، وفق شبكة بلومبرغ الأمريكية.

وذكرت الشبكة أن اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستمرار الحرب، يأتي في ظل خسائر فادحة يتعرض لها الاقتصاد الروسي، مع تزايد العقوبات الغربية المتتالية ضد بلاده.

فبعد عام تقريبًا على اندلاع الحرب في أوكرانيا، أوقعت المعارك 180 ألف قتيل أو جريح في صفوف الجيش الروسي و100 ألف في الجانب الأوكراني، إضافة إلى قتل 30 ألف مدني، وفق تقديرات أعلنها رئيس الأركان النرويجي إريك كريستوفرسن.

وفي نوفمبر الماضي، ذكر رئيس الأركان الأمريكي مارك ميلي أن الجيش الروسي تكبد خسائر تزيد على 100 ألف جندي بين قتيل وجريح، مع حصيلة مماثلة "على الأرجح" في الجانب الأوكراني، بينما لا يمكن التحقق من هذه الأرقام من مصدر مستقل.

إجهاد موسكو

وأشارت "بلومبرغ" إلى أنه بعد مرور ما يقرب من عام على الغزو، الذي كان من المفترض أن يستغرق أسابيع، يستعد بوتين لشن هجوم جديد في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه يُجهد بلاده في صراع مع الولايات المتحدة وحلفائها، يتوقع أن يستمر سنوات.

وحسب الشبكة، يهدف الكرملين إلى إظهار أن قواته تستطيع استعادة زمام المبادرة، بعد أشهر من خسارة بعض الأراضي التي سبق أن ضمها، والضغط على كييف وداعميها للموافقة على هدنة تترك لروسيا حق السيطرة على الأراضي التي تحتلها، وفقًا لمسؤولين ومستشارين على دراية بالموقف.

ورأت أن بوتين لا يستطيع أن ينكر نقاط ضعف الجيش الروسي -الذي أمضى عقودًا في بنائه- بعد أن خسرت قواته أكثر من نِصف مكاسبها الأولية في أوكرانيا، وفقًا للمصادر التي تحدثت بشرط عدم ذكر أسمائها لدواع أمنية.

وكشفت المصادر، أن ما سمتها "النكسات المستمرة والمتوالية للجيش الروسي في أوكرانيا" دفعت كثيرين في الكرملين إلى أن يكونوا أكثر واقعية في طموحاتهم، مدركين أنه حتى الحفاظ على خط المواجهة الحالي سيكون إنجازًا كبيرًا.

لكن بوتين -وفق المصادر- لا يزال مقتنعًا بأن القوات الروسية الأكبر وأن استعدادها لقبول الخسائر -التي يبلغ عددها عشرات الآلاف، أي أكثر من أي صراع منذ الحرب العالمية الثانية، وفقًا للتقديرات الأمريكية والأوروبية- سيسمح لها بالانتصار يومًا، رغم الإخفاقات على الأرض، حتى الآن.

ونقلت الشبكة الأمريكية عن مصادر مقربة من الكرملين قولها، إن الهجوم المحتمل قد يبدأ في فبراير أو مارس المقبلين.

وتؤكد تعليقاتهم هذه تحذيرات أوكرانيا وحلفائها، من أن هجومًا روسيًا جديدًا آتٍ، وتشير إلى أنه قد يبدأ قبل أن تحصل كييف على الإمدادات الموعودة من دبابات القتال الأمريكية (إبرامز) والأوروبية (ليوبارد2).

تصعيد خطير

وترى "بلومبرغ" أن تصميم بوتين ينذر بتصعيد خطير في حربه ضد أوكرانيا، بينما تستعد كييف لصده ودفع قواته بعيدًا عن أراضيها، رافضة أي وقف لإطلاق النار، يترك روسيا تحتل جزءًا من أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمها الرئيس الروسي عام 2014.

وأوضحت المصادر المقربة من الكرملين، أن الزعيم الروسي يعتقد أنه لا بديل أمامه سوى الانتصار، في صراع يراه وجوديًا أمام الولايات المتحدة وحلفائها، مشيرين إلى أنه لتحقيق هذا الهدف، قد يلجأ إلى جولة جديدة من التعبئة العامة في الربيع المقبل، حيث أصبح الاقتصاد والمجتمع خاضعين -بشكل متزايد- لاحتياجات الحرب.

ونقلت الشبكة الأمريكية عن تاتيانا ستانوفايا، الخبيرة الروسية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، المحللة بمؤسسة آر بوليتيك للأبحاث، قولها: بوتين يشعر بخيبة أمل للطريقة التي تسير بها الأمور، لكنه ليس مستعدًا للتخلي عن أهدافه، مضيفة: "هذا يعني فقط أن الطريق سيكون أطول وأكثر دموية وأسوأ للجميع".

وبينما يتساءل مسؤولو المخابرات الأمريكية والأوروبية، عما إذا كان لدى روسيا الموارد اللازمة لشن هجوم جديد، حتى بعد حشد 300 ألف جندي إضافي في الخريف الماضي، يُكثف حلفاء أوكرانيا إمدادات الأسلحة، ويستعدون لتسليم المركبات المدرعة ودبابات القتال الرئيسة للمرة الأولى، التي يمكن أن تساعد القوات الأوكرانية في اختراق الخطوط الروسية.

لكن الهجمات الروسية الوحشية والطاحنة في أماكن مثل باخموت، وهي مدينة شرقية ذات قيمة استراتيجية محدودة، تسببت في إضعاف القوات الأوكرانية، وتحويل مسار القوات وتقويض قدرة كييف على شن عمليات هجومية في أماكن أخرى، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.

وبعد هجمات خاطفة شنتها القوات الأوكرانية في الصيف والخريف على خطوطها الدفاعية، كثفت روسيا -منذ ذلك الحين- إجراءات الحماية باستخدام الخنادق وفخاخ الدبابات والألغام، لإبطاء أي تقدم محتمل.

تأتي هذه الهجمات -حسب الشبكة الأمريكية- في الوقت الذي يعلن فيه الكرملين أنه ليس لديه خطط لمزيد من التعبئة في الوقت الحالي.

لكن على المدى الطويل، وافق بوتين على خطط لتوسيع رتب الجيش بنحو 50% خلال السنوات المقبلة، ونشر قوات جديدة بالقرب من فنلندا -التي هي في طور الانضمام إلى "الناتو"- وفي المناطق المحتلة من أوكرانيا.

وتعيد المدارس والجامعات الروسية، دورات التدريب العسكري التي أجريت آخر مرة على نطاق واسع خلال الحقبة السوفيتية، حيث تتغلغل الاستعدادات للحرب داخل المجتمع الروسي.

مع ذلك، بدأ بعض المسؤولين (الواقعيين) الحديث لوسائل الإعلام الحكومية الخاضعة لسيطرة مشددة عن أداء "كارثي" للجيش الروسي على الأرض في أوكرانيا.

وقال الدكتور سيرغي ماركوف، مستشار سابق للرئيس الروسي: الجيش الروسي أصبح أقل مما كان عليه، وخسر الكثير في حربه على أوكرانيا.

وأضاف: "حتى الآن النتائج كانت مروِّعة، لأن روسيا لم تكن مستعدة لهذه الحرب من البداية".

وتابع: "لقد تحول الصراع إلى حرب طويلة وليس لدى روسيا -حتى الآن- ما يكفي من القوة البشرية أو المعدات لاستكمالها"، مستطردًا: "يجب أن نوقف الهجوم المضاد الأوكراني، وإحباط جهود الغرب لهزيمتنا من خلال التفوق العسكري".

وترى "بلومبرغ" أن القوات الروسية لم تُظهر القدرة على التفوق العسكري، منذ الأسابيع الأولى للغزو، حيث استعادت مدينة صغيرة واحدة فقط، في الأشهر الستة الماضية، وبتكلفة كبيرة في الخسائر.

ولكن على النقيض من ذلك، فاجأت القوات الأوكرانية باستمرار الحلفاء والمراقبين، بنجاحها في صد الغزاة.

تقديرات بوتين

ورأت "بلومبرغ" أن ثقة بوتين بقدرة جيشه على تحقيق انتصار -حتى على حساب الخسائر والدمار الهائل- تعكس سوء قراءة لالتزام الغرب برد عدوانه، كما يقر بعض المطلعين.

ويشير المطلعون على الأمر، إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها زادوا -بثبات- إمدادات الأسلحة إلى فئات كانت محظورة، آخرها دبابات إبرامز الأمريكية، وليوبارد2 الألمانية.

مع ذلك، يخشى المسؤولون العسكريون الأمريكيون والأوروبيون أن يعتمد الصراع أكثر على المعارك المدفعية بعيدة المدى، على غرار الحرب العالمية الأولى، مع تقليص الخطوط الأمامية والمواجهات المباشرة إلى حد كبير، وهو سيناريو يمكن أن يصب في مصلحة روسيا، التي تضم عددًا أكبر من السكان والصناعة العسكرية.

دبلوماسيًا، سعت روسيا لكسب المؤيدين بين الدول غير الغربية، من خلال دعوات لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار، لكن حتى المقربون من الكرملين يعترفون بأن هذه المبادرات ميؤوس منها في الوقت الحالي، بالنظر إلى مطالبة أوكرانيا بسحب روسيا قواتها أولًا كشرط لأي اتفاق.

وقالت المصادر: الحد الأدنى الذي سيقبله الكرملين، هدنة مؤقتة تترك روسيا مستحوذة على الأراضي التي تسيطر عليها قواتها، لكسب الوقت لإعادة بناء هذه القوات.

وأشاروا إلى أنه رغم أنها لا ترقى إلى حدود المناطق التي ضمها بوتين بشكل غير قانوني في سبتمبر الماضي، فإن ذلك من شأنه ترك لروسيا مساحة كبيرة من الأرض، تربط المناطق التي احتلتها قبل الحرب، مشددين على أنه نتيجة لذلك، لم تتقبل كييف وحلفاؤها هذه الحلول والمبادرات.

ونقلت الشبكة عن رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي أندريه كورتونوف، قوله: بوتين متأكد من أن الغرب أو أوكرانيا سوف يرهقان في النهاية، وهو ما يخدم تطلعاته.

وأشار إلى أن هزيمة الرئيس الأمريكي جو بايدن -الذي قاد التحالف لدعم أوكرانيا- في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة العام المقبل، قد تجلب "مزيدًا من المرونة" بشأن هذه القضية في واشنطن.

ووفقًا لخبراء اقتصاديين، بينما أدت موجة جديدة من ضغوط العقوبات - على وجه الخصوص، الحد الأقصى للأسعار المفروضة على صادرات النفط الروسية- إلى تقليص عائدات الكرملين، إلا أنها لم تقلل -حتى الآن- قدرة بوتين على تمويل الحرب، إذ لا تزال لدى روسيا إمكانية الوصول إلى المليارات من الاحتياطات باليوان، التي لا تتأثر بالعقوبات، ويمكن أن تساعد في سد عجز الميزانية، عامين أو ثلاثة.

أمام ذلك، تتزايد المخاوف بين حلفاء أوكرانيا من أن الصراع سيستمر سنوات.

وقال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، في 20 يناير الجاري: "سيكون من الصعب جدًا هذا العام إخراج القوات الروسية عسكريًا من جميع أراضي أوكرانيا، لكنني أعتقد أنه نهاية المطاف، ستنتهي هذه الحرب -مثل عديد من الحروب- عند طاولة المفاوضات".

ورأى أن الوضع في أوكرانيا "صعب جدًا" لامتداد القتال على مساحة شاسعة من الأراضي، مشيرًا إلى أن الحرب "ستنتهي بالتفاوض".

جاءت تصريحات ميلي، خلال مؤتمر صحفي مشترك، الجمعة، مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، عقب اجتماع لوزراء دفاع 50 دولة لدعم أوكرانيا.

وأضاف: "من وجهة نظر عسكرية، القتال العنيف تمتد جبهته من خاركوف إلى خيرسون، هذه مساحة تغطي تقريبًا من واشنطن إلى أتلانتا، وهي مساحة أرض كبيرة جدًا".

وأوضح رئيس الأركان الأمريكي أنه "سيكون من الصعب إخراج القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية هذا العام".

وأشار إلى أنه في النهاية، سينتهي الأمر على طاولة المفاوضات، لكن التوقيت سيُحدد من زعيمي البلدين، أي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.