بين دراما القضاء وكارثة الليرة اللبنانية.. هل يتجه لبنان إلى الانفجار الكبير؟

قال المحلل السياسي اللبناني أمين قمورية، إن لبنان دخل المتاهة الأخيرة للانهيار الكبير، مشيرًا إلى أنه عندما يتعارك قاضيان كبيران، يعني ذلك أن القضاء خارج الخدمة، ما يقوِّض الشؤون الداخلية لأية دولة.

بين دراما القضاء وكارثة الليرة اللبنانية.. هل يتجه لبنان إلى الانفجار الكبير؟

السياق

انسداد سياسي وأزمات اقتصادية وعرقلة للتحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت، آفات اجتمعت على البلد الواقع بين مطرقة حزب الله، وسندان الحسابات المحلية والإقليمية، التي تعرقل أية تسوية ممكنة لأزماته.

لبنان الذي تتجاذبه إيران بذراعها المحلية حزب الله، بينما تقف في الجهة المقابلة فرنسا وأمريكا ودول إقليمية أخرى، يعاني أزمات، قد تدفعه إلى الانهيار، إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة لحلحلتها ومعالجتها.

فمنذ انهيار نظامه المالي، يعاني لبنان أزمة تلو الأخرى، إلا أن ما يحدث اليوم بداية لأكثر المراحل تسببًا في زعزعة الاستقرار، منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

تلك الأزمات التي اجتمعت وتلاقت عند نقطة الشغور الرئاسي، تسهم في تفكك الدولة، الذي تسارع بفعل أزمة مالية مستمرة منذ ثلاث سنوات، تركتها النخبة الحاكمة لتتفاقم.

 

ماذا يحدث في لبنان؟

بين دراما القضاء وكارثة الليرة اللبنانية وصراعات السلطة على جميع الصعد، يتجه لبنان إلى «الانفجار الكبير»، بعد توالي الأزمات وتسارع الانحدارات، في تطورات تدفع إلى تضاؤل الأمل باستقرار لبنان.

فأحداث الساعات الأخيرة، من احتجاجات وإجراءات كف يد القاضي العدلي عن تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تركت شرخًا غير قابل للإصلاح في الجسم القضائي، إضافة إلى مزيد من الانهيار في قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وسط تحذيرات من محللين بانفجار وشيك في الأوضاع الاجتماعية.

وانفجرت التوترات المختمرة منذ أمد بعيد بشأن التحقيق، بعد أن وجَّه القاضي طارق البيطار اتهامات لبعض الأشخاص الأكثر نفوذًا في البلاد، متحديًا الضغوط السياسية باستئناف تحقيقه، وبعد أن شملت قائمة المتهمين أصدقاء وحلفاء من أقوى الفصائل في لبنان، بما في ذلك حزب الله، ردت المؤسسة بسرعة –الأربعاء- باتهام المدعي العام للبيطار بأنه يغتصب السلطات.

تطورات قادت البلد المأزوم اقتصاديًا إلى انهيار في مؤسساته، لم يتوقف عند القضاء اللبناني، فأغلبية الإدارات الرسمية تسير في مسار انحداري، بدءًا من الفراغ الرئاسي منذ نهاية أكتوبر، مرورًا بالشلل الذي يصيب الوزارات، وتدهور القطاع المصرفي، وصولًا إلى تعثر عمل الجيش والخلاف المستفحل بين قائده ووزير الدفاع الذي هدد بطرح بند إقالة قائد الجيش على مجلس الوزراء، الذي لا يجتمع سوى في حالات استثنائية.

 

تحذيرات أممية

تلك الوقائع سببت قلقًا للأمم المتحدة، مما سمته انهيار الدولة في لبنان، مشيرة -في أحدث تقاريرها- إلى أن ما وصفتها بالأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان، هي المسؤولة عن فقر معظم اللبنانيين.

ورأى التقرير أن ثقافة الإفلات من العقاب وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد، أدت إلى دوامة هبوط العملة، وتدمير الاقتصاد والقضاء على مدخرات اللبنانيين.

إلى ذلك، قال السفير محمد بدر الدين زايد، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون العربية، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إن قضية الغياب الدولي عما يحدث في لبنان، أحد أسباب تأزم الأوضاع.

وأوضح الدبلوماسي المصري، أن لبنان اعتاد منذ الحرب الأهلية أن يكون هناك دور دولي بالتأثير في مدخلاته، مشيرًا إلى أن الدور الدولي كان يلعب في محاور مختلفة، سواء بتعقيد الأوضاع أم بمساعدة لبنان في تخطي التعقيدات الداخلية والخارجية.

 

ثلاثة أبعاد

وأشار إلى أنه رغم أن دولًا عدة لم تنجح أثناء تدخلها، في ظل ظروف سابقة للمساعدة في حلحلة الموقف، فإن الفشل يعود إلى أبعاد ثلاثة تؤدي إلى تعقيد الوضع.

أولا: البعد الطائفي في لبنان، الذي وصل إلى منتهاه.

ثانيا: سيطرة فصيل عسكري هو حزب الله على الأوضاع في لبنان، ما أدى إلى تراجع السياحة.

ثالثا: الخلل الهيكلي في الاقتصاد اللبناني وتناقض المؤثرات على المشهد، ما أنهك البلد العربي.

وأشار إلى أن المدى الذي وصلت إليه سيطرة حزب الله على الأوضاع، إضافة إلى عجز الخارج عن التأثير، أدى إلى تعقيد الأزمة في لبنان.

 

الانهيار الكبير

من جانبه، قال المحلل السياسي اللبناني أمين قمورية، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إن لبنان دخل المتاهة الأخيرة للانهيار الكبير، مشيرًا إلى أنه عندما يتعارك قاضيان كبيران، يعني ذلك أن القضاء خارج الخدمة، ما يقوِّض الشؤون الداخلية لأية دولة.

وأوضح المحلل السياسي، أن المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تعمل في لبنان هي المؤسسة العسكرية، إلا أن الخلاف بين قائد الجيش ووزير الدفاع أعطب عملها، محذرًا من وصول لبنان إلى الفوضى الأمنية، نتيجة التحريض الطائفي، الذي فاقم الانقسام المذهبي.

وأشار إلى أن شغور منصب رئيس الجمهورية، يدفع لبنان إلى الأزمة، مؤكدًا أن هناك يأسًا بين اللبنانيين والمسؤولين الحكوميين، أعدم الحياة السياسية، فلا أحزاب خارج الطوائف والجماعات المذهبية، بينما الجامعات لا توجد فيها اتحادات من شأنها إنتاج أحزاب مستقلة.

المحلل السياسي اللبناني قال إن ما تعيشه بيروت نتاج أزمة طائفية، سمحت باستشراء الفساد، مشيرًا إلى أن القوى الداخلية والخارجية لم تعمل على التخلص من النظام الطائفي الذي يقوِّض لبنان، ما يؤكد أنه لا شيء يبشر بأن هناك حلًا.

وطالب بضرورة تجاوز عتبة الشغور الرئاسي، التي باتت مستحيلة في ظل الانقسام الداخلي والخارجي، خوفًا من ذهاب الأمور إلى التشرذم، لا التسويات الكبيرة.

 

أزمة طويلة

المحلل السياسي اللبناني علي حمادة، حذر في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، من أن انفجار الفصل الأخير في لبنان مثلًا في القضاء، ينبئ بأن أزمة لبنان أزمة طويلة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن تقوم دولة وأن يقوم نظام بلا قضاء.

وحذر المحلل السياسي من أن ما يحدث في أروقة القضاء، الذي وصفه بـ«المسيس والمستتبع»، وينخر جزء كبير منه الفساد، يعني أن هناك «مزيدًا من المآسي والانفجارات، التي لم تتوقف على القضاء، فالليرة اللبنانية بدأت تنفجر، بانهيارها أمام الدولار، وسط غياب المعالجات».

وفقدت العملة اللبنانية أكثر من 97 بالمئة من قيمتها منذ عام 2019، إلا أنها تسارع انهيارها في الأيام القليلة الماضية، ما أدى إلى إفقار المزيد من اللبنانيين.

وسيواجه نحو 2.3 مليون شخص، أي نحو 42 بالمئة من السكان، انعدام أمن غذائي حاد، في الربع الأول من هذا العام، وفقًا لدراسة مدعومة من الأمم المتحدة.

وتساءل: كيف يمكن أن نقبل بشغور رئاسي في لبنان؟، مشيرًا إلى أن المشكلة تكمن في أن حزب الله وقوى سياسية تظهر الصراع معه، يتآمران للإبقاء على الشغور الرئاسي، في واقع وصفه بـ«المخيف».