خطاب بايدن عن حالة الاتحاد... بروفة للترشح للرئاسة في 2024
خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حالة الاتحاد، لم يكن مجرد بيان سياسي عادي، بل إعلان نية للترشح لانتخابات 2024.

ترجمات – السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن، كان "إعلان نية للترشح لانتخابات 2024"، مشيرة إلى أنه أغفل -بشكل كبير- السياسة الخارجية وتحديات الأمن القومي للبلاد من قِبل روسيا والصين، وركز بشكل أكبر على الأوضاع المحلية.
خطاب حالة الاتحاد، تقليد سنوي للرؤساء الأمريكيين، يعرضون خلاله إنجازات إدارتهم على الكونغرس، وكذلك التحديات التي تواجه الأمة.
وقالت المجلة، في تحليل لكبير مراسليها مايكل هيرش: "في خطاب حالة الاتحاد الذي تجنب إلى حد كبير القضايا الدولية، عزز الرئيس بايدن رسالته المحلية الشعبية، في ما تعد بداية لحملة إعادة انتخابه المتوقعة عام 2024".
وأشارت إلى أنه بعد أيام فقط من أمر بايدن بإسقاط منطاد تجسس صيني، وسط ضجة من الجدل في الكابيتول هيل، تجاهل الرئيس التهديد الاستراتيجي، الذي تمثله بكين والقضايا الدولية الأخرى، وبدلاً من ذلك، أمضى معظم خطابه الذي دام 72 دقيقة في انتقاد استغلال الشركات المحلية في كل شيء، من أسعار الأدوية إلى أسعار شركات الطيران والفنادق، والموضوعات التي قد تروق للطبقة الوسطى في الولايات المتحدة.
بايدن قال إن الولايات المتحدة لن تسمح للصين بترهيبها، لكنه أكد -في الوقت نفسه- أن واشنطن لا تسعى إلى نزاع مع بكين. وتابع: "لا تسيئوا فهمنا: كما أظهرنا بوضوح الأسبوع الماضي، إذا هددت الصين سيادتنا، سنعمل على حماية بلادنا وفعلنا ذلك"، في إشارة إلى إسقاط الجيش الأمريكي لمنطاد صيني، السبت الماضي، قبالة سواحل ولاية كارولاينا الجنوبية.
أرقام قاتمة
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم اهتمام بايدن بما سماهم "أصحاب الياقات الزرقاء" -أي طبقة العمال- وإثارته للقضايا التي تمسهم، لكسب ودهم قبل الانتخابات المقررة العام المقبل، فإن فرص إعادة انتخابه تتضاءل، بسبب التضخم وارتفاع الأسعار الذي ضرب البلاد، نتيجة استجابة إدارته وتفاعلها المباشر مع الحرب الدائرة في أوكرانيا.
ورأت أن بايدن (80 عامًا) يواجه أرقامًا قاتمة في استطلاعات الرأي وشكوكًا حتى داخل حزبه، عما إذا كان يجب أن يترشح مرة أخرى نظرًا لسنه.
فقط -حسب المجلة- قُرب نهاية خطابه ذكر الرئيس بإيجاز التحدي الاستراتيجي من الصين والوحدة الجديدة لحلف الناتو ردًا على حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، التي وصفها بايدن بأنها "اختبار للعصور".
ورد بايدن -في خطابه أمام مجلسي النواب والشيوخ- على الانتقادات الحادة للمعارضة الجمهورية، التي تتهمه بأنه انتظر طويلًا بشأن الرد على بالون التجسس، موضحة أن ذلك مؤشر ضعف لإدارته في مواجهة بكين، وقال إن الولايات المتحدة "في أقوى موقع منذ عقود للمنافسة مع الصين أو أي طرف آخر في العالم".
وأوضح أن "الفوز بالمنافسة مع الصين يجب أن يوحدنا جميعًا"، مؤكدًا في الوقت نفسه تصميمه على "العمل مع الصين حيث يمكن أن يخدم ذلك المصالح الأمريكية ويفيد العالم".
وقال: "أوضحت للرئيس الصيني شي جين بينغ أننا نسعى إلى المنافسة وليس إلى صراع"، مشيرًا -مرات عدة- إلى معركة تصنيع أشباه الموصلات، حيث فقدت الولايات المتحدة مكانتها المهيمنة لصالح الصين.
ولكن بعد هذه السطور، عاد بايدن بسرعة إلى موضوعه السياسي المحلي، وكأنه يراهن على أنه ليس ضعيفًا بشكل خاص بين الناخبين، بشأن سياسته الخارجية المتشددة إلى حد ما، ومن ثمّ يحتاج -بشكل أساسي- إلى الدفاع عن إنجازاته المحلية.
وأضافت المجلة أن تجاهل بايدن للتحديات التي تواجه السياسة الخارجية لواشنطن باستفاضة في خطابه، قد يعزز أيضًا أرقام تأييده القاتمة، مشيرة إلى أنه ذكر التحدي الاستراتيجي من الصين والوحدة الجديدة للناتو ردًا على الحرب الروسية في أوكرانيا "بإيجاز فقط نهاية خطابه، ثم عاد سريعًا إلى مناقشة القضايا المحلية".
رسالة شعبوية
ورأت "فورين بوليسي" أن بايدن باهتمامه بالجانب المحلي في خطابه، أعاد تأكيد رسالة شعبوية مفادها أنه سيرفع شعار "صُنع في أمريكا" كموضوع رئيس لحملته الرئاسية، وكمقترح وشعار مقابل للشعار الذي سبق أن رفعه سلفه، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باسم "أمريكا أولاً".
وذكرت أن بايدن أشار -مرارًا وتكرارًا- إلى أنه سيتخذ أي خطوات حمائية ضرورية لإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، مستشهدًا بتحقيقه نحو 800 ألف وظيفة صناعية جديدة -حتى الآن- منذ تولى منصبه.
وقال الرئيس الأمريكي وسط تصفيق من الحزبين: "سوف نتأكد من أن سلسلة التوريد لأمريكا تبدأ في أمريكا".
وشدد على أن "التضخم وصل إلى أرقام قياسية بسبب جائحة كورونا والحرب المريعة في أوكرانيا وتعطل سلاسل إمدادات الغذاء والطاقة، لكننا بدأنا خفض البطالة، ورفعنا سعر الفائدة، وسيطرنا بشكل كبير على التضخم، ومازال أمامنا عمل كبير في هذا الشأن، ولن نتخلى عن أن تكون سلاسل التوريد تبدأ وتنتهي في الولايات المتحدة".
وأعلن بايدن أيضًا أن جميع مواد البناء المستخدمة في مشاريع البنية التحتية الفيدرالية، ستُصنع في الولايات المتحدة.
وقال: "ديمقراطيتنا منيعة وأدعو الجمهوريين إلى العمل معنا لإعادة بناء اقتصادنا، لدينا عمل كثير في مجال الرقائق الإلكترونية، ومصانع ضخمة في هذا المجال، لقد كنا ننتج أكثر من 40% من وسائل مواصلات العالم".
وتابع: "قدمنا مشروع قانون لأكبر خطة للبنية التحتية في الولايات المتحدة منذ عقود، ستوفر مزيدًا من الوظائف، والفقر سوف يختفي، وسنساند الطبقة الوسطى، ولن نتخلى عنهم، وكل مواد البناء المستخدمة في مشاريع البنية التحتية، يجب تصنيعها داخل الولايات المتحدة".
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه في فترة ممتدة من التراجع المؤقت، الذي أسعد مستشاريه السياسيين، أسقط بايدن بعض المضايقات على الحزب الجمهوري المنقسم -الذي يأمل أن يكون الاقتتال الداخلي الشرس داخله تذكرة استمراره في البيت الأبيض- وهو ما لقي رد فعل عنيفًا من النائبة الجمهورية مارغوري تيلور جرين، التي خالفت اللياقة البرلمانية قائلة بصوت صارخ: "أنت كاذب".
جاء ذلك عندما أشار بايدن إلى أن بعض الجمهوريين كانوا يسعون إلى قطع البرامج المحلية الرئيسة لكبار السن، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
وبعد أن رفع بعض الجمهوريين أصواتهم، احتجاجًا على أن هذا غير صحيح، وأنهم لا يخططون لقطع تلك البرامج، قال بايدن مازحًا: "يسعدني أن أرى، لا، أقول لكم، أنا أستمتع بالتحول".
إعادة انتخابه
وحسب "فورين بوليسي" بدا أن استطلاعًا سريعًا لشبكة سي إن إن عقب خطاب بايدن، يبرر قرار الرئيس بالتركيز على إنجازاته المحلية، إذ إن الموافقة على برنامجه الاقتصادي ارتفعت من 40 إلى 66 في المئة بين المستقلين السياسيين.
ومن المتوقع أن يُعلن بايدن حملته لإعادة انتخابه في الأسابيع المقبلة.
واعتبرت "سي إن إن"، في مقال تحليلي للخطاب، أن رسالة بايدن من مجلس النواب "كانت رسالة تفاؤل خالص، حتى في مواجهة العداء الصريح".
وذكرت الشبكة أن خطاب بايدن نجح في مواجهة الانتقادات التي يتعرض لها من النواب الجمهوريين، وفي تسليط الضوء على إنجازات فترته الرئاسية للأمريكيين، الذين يقولون إنه لم ينجز الكثير، ولبعض الديمقراطيين غير السعداء باحتمال إعلانه إعادة الترشح.
ولكن في مواجهة اتهامات الجمهوريين بأنه زعيم فقير، قد لا يكون أمام بايدن خيار خلال العامين المقبلين، سوى الظهور بمظهر "الصقر" خارجيًا ، كمحاولة لإيجاد مخرج لهذه المعضلة، بما في ذلك السعى إلى بعض التسوية مع الصين، ورسم مسار العلاقات مع روسيا أيضًا.
ولفتت المجلة، إلى أنه بعد جدل البالون، أرجأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أول مهمة دبلوماسية مخططة له إلى بكين، وأشار مسؤولو البيت الأبيض -الأسبوع الماضي- إلى أنه قد يستغرق بعض الوقت قبل إعادة جدولتها.
ونقلت المجلة عن محللين قولهم إن أزمة المنطاد "لا تبشر بالخير لبقية العام في العلاقات الأمريكية الصينية"، مشيرين إلى أن العام الجاري "سيكون أكثر عدوانية ومواجهة خارجية للصين، مع عودة الحياة الطبيعية بعد رفع قيود كورونا، ما يعني أن المنافسة بين واشنطن وبكين ستشتد أكثر من أي وقت مضى".
أمام ذلك، تواصل إدارة بايدن الخط الذي كانت تتبعه خلال العامين الماضيين، القائم على أن أي تحسن في العلاقات "سيعود إلى الصين"، على حد تعبير المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير في إفادة صحفية هذا الأسبوع.
وقالت كارين جان بيير: إن بايدن "يبقي جميع الخيارات على الطاولة"، مضيفة: "الرئيس يضع دائمًا سلامة وأمن الشعب الأمريكي أولًا".
بينما اتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الصين بانتهاك سيادة الولايات المتحدة، من خلال دخول منطاد صيني للأجواء الأمريكية، مضيفًا أن واشنطن تعاملت مع هذا الأمر "بشكل مسؤول".
وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في واشنطن، الأربعاء: "نسمع مجددًا من شركائنا أن العالم يتوقع من الصين والولايات المتحدة أن تديرا علاقاتهما بشكل مسؤول، وهذا ما نهدف إليه، وندعو الصين إلى الأمر ذاته".
من جانبه، قلص الحزب الجمهوري هجماته على بايدن بسبب البالون، لكنه لا يزال يبحث عن أي فرصة لإظهار أن "بايدن يسمح للصين بالتفوق على واشنطن"، حسب وجهة نظر سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، والمرشحة المحتملة عن الجمهوريين أمام بايدن.
وطالبت حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي عبر "تويتر" بـ"إسقاط البالون"، قبل إسقاطه بقرار من بايدن، مضيفة: "ألغوا رحلة بلينكن وحمّلوا الصين المسؤولية، حان الوقت لجعل أمريكا قوية مرة أخرى".
كما كتب السناتور الجمهوري توم كوتون على تويتر: "على الرئيس بايدن أن يتوقف عن تدليل واسترضاء الشيوعيين الصينيين، أسقِط المنطاد الآن واستغل التكنولوجيا الموجودة فيه، التي يمكن أن تكون ثروة استخباراتية".
ورغم كل ذلك، كما أوضح خطاب بايدن، فإن القضايا الداخلية، هي التي يعتقد الرئيس أنها ستحدد نجاحه أو فشله عام 2024، إذا قرر الترشح.