أرواح تحت الركام... ناجون من زلزال تركيا وسوريا يروون تفاصيل اللحظات المرعبة

بمزيج من الإرهاق والألم والأمل، أخذ رجال الإنقاذ فترات توقف منتظمة صامتة، ينظرون إلى الأنقاض، أملاً بالتقاط أية إشارة لحياة تحت الأنقاض، بينما حاول عشرات رفع كتل ضخمة من الحطام الخرساني.

أرواح تحت الركام... ناجون من زلزال تركيا وسوريا يروون تفاصيل اللحظات المرعبة

السياق

عمارات شاهقة تحولت إلى ركام في لحظات، آلاف الجثث متناثرة، آهات تخرج من تحت الأنقاض تنادي: هل من مجيب؟، مشاهد تبدو للوهلة الأولى كأنها نهاية العالم، إلا أنها كانت جزءًا من واقع أكثر ألمًا، تسببت فيه زلازل تركيا وسوريا، التي بدأت فجر الاثنين، وما زالت متعاقبة.

تلك المشاهد كانت تجسيدًا لأهوال اللحظات العصيبة، التي رواها الناجون من الزلازل، وحولت مدنًا تعج بالحركة إلى أنقاض، بعد سقوط آلاف المباني في البلدين، وإصابة عشرات الآلاف، وعددٍ غير معروف تحت الأنقاض.

 

قصص تحت الأنقاض

بينما تستمر أعداد الضحايا في سوريا وتركيا بالازدياد بشكل سريع، مع استمرار عمل فرق الإنقاذ، في ظل ظروف صعبة، يؤرقها الطقس السيئ، والإمكانيات الضعيفة والخدمات المنعدمة، روى ناجون من الزلزال المُدمر، أهوال اللحظات العصيبة التي عاشوها.

بعد أن ضرب الزلزال 10 مدن جنوبي تركيا، ما زال عدد من الناس في هاتاي وكهرمان مرعش، يشكون غياب فرق الإنقاذ الطارئة، للبحث عن الناجين تحت الأنقاض.

إحدى المدن التي تعرضت للدمار بسبب الزلزال، كانت شانلي أورفا التاريخية، جنوب شرقي تركيا، التي كانت تعج بالحركة.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن أحد الناجين ويدعى عمر الجنيد، قوله وهو يقف وسط الفوضى في مدينة شانلي أورفا الممزقة: «هناك عائلة أعرفها تحت الأنقاض»، مشيرًا إلى أن صديقه لا يرد على الهاتف، آملاً حدوث معجزة.

بمزيج من الإرهاق والألم والأمل، أخذ رجال الإنقاذ فترات توقف منتظمة صامتة، ينظرون إلى الأنقاض، أملًا بالتقاط أية إشارة لحياة تحت الأنقاض، بينما حاول عشرات رفع كتل ضخمة من الحطام الخرساني.

المشهد في شانلي أورفا التركية كان مخيفًا، فعلى الطريق زحف تيار من السيارات شمالاً خارج المدينة، آخذاً المصابين بصدمات نفسية، بعيداً عن مسرح أقوى زلزال تشهده تركيا منذ عقود.

وعلى بعد أكثر من 350 كيلومتراً إلى الغرب حيث مدينة أضنة، أمضى عمال الإنقاذ والمدنيون الأتراك، الاثنين، يمررون إلى بعضهم قطعاً من الخرسانة والسلع المنزلية عبر جبال من الأنقاض، لنقل أطنان من الحطام يدويًا.

وبصراخ مفاده: هل يسمعني أحد؟ رفع رجال الإنقاذ أصواتهم في بحث يائس عن ناجين. وفي محافظة كهرمان مرعش بتركيا بدا الوضع مشابهاً، فنحو 20 شخصاً بعضهم يرتدي سترات الإنقاذ لحالات الطوارئ، استخدموا مناشير كهربائية لشق مساحة تسمح لأي ناجٍ بالخروج منها أو إنقاذهم.

ورغم تلك الجهود، فإن مشكلة واجهة الحكومة التركية لإجلاء الآلاف، ففرق الإنقاذ وجدت نفسها في مواجهة مشكلة أخرى مخيفة، أبرزها انخفاض حرارة الجسم، الناجم عن برودة الطقس، ما عرقل جهودهم لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض.

وتقول «الغارديان»، إن مدنًا مثل ملطية وكهرمان مرعش وغازي عنتاب وديار بكر، التي ضربها الزلزال تشهد برودة شديدة، وتساقطاً للأمطار والثلوج، مع اقتراب الحرارة من الصفر.

وتعرضت هاتاي تحديداً لأضرار بالغة، بعد انهيار مطارها، وتسببت الجسور المنهارة في إغلاق الطرق المؤدية للمدينة.

من جانبه، قال مهندس الأرصاد الجوية المتخصص في إدارة الكوارث، مقدات كادي أوغلو، إن على عمال الإنقاذ أن يتحركوا بسرعة، لأن من الضروري إنقاذ العالقين تحت الأنقاض في ظرف 72 ساعة.

 

وضع مأساوي

ونقل موقع ميدل إيست آي، عن بولنت أوزمين، الأكاديمي المتخصص في إدارة الكوارث، قوله، إنه من شبه المستحيل توفير فرق احترافية في 10 مدن لتبحث بين آلاف المباني.

وأضاف: «للأسف نحتاج إلى متطوعين في هذه المهمة، لأن فرق المحترفين لن تكفي 10 مدن، فالموقف في غاية الصعوبة، والجميع يسابقون الزمن»، مشيرًا إلى أن الحرارة ستزداد انخفاضاً في الليل، وأن البحث بين الأنقاض يزداد صعوبة بسبب الظلام.

ويقول «ميدل إيست آي»، إن الشتاء القارس أعاق جهود البحث عن ناجين طوال الليل، بينما سُمع صوت امرأة تطلب المساعدة تحت كومة من الأنقاض في محافظة هاتاي الجنوبية.

وفي كهرمان مرعش، شمال هاتاي، تجمعت عائلات حول النيران التماساً للدفء.

 

أردني تحت الأنقاض

قصة جديدة كان بطلها الشاب الأردني فيصل البشابشة تحت أنقاض زلزال تركيا المدمر، فوالده أعلن إخراجه بعدما سقط عليه سقف فندق في منطقة أنطاكيا.

وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية، قال تيسير البشابشة والد الشاب الأردني، إن نجله فيصل كان من الذين سقط عليهم سقف الفندق، ومكث تحت الأنقاض ما يقارب 19 ساعة حتى إنقاذه.

ويقول والد الشاب الأردني، إن نجله ذهب إلى اسطنبول، للحصول على دورة تدريبية ميكانيكية للشاحنات، وتوجه ليلة الزلزال إلى أنطاكيا، مشيرًا إلى أنه وصل إلى الفندق في الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ولم يرتح سوى للحظات قليلة في غرفته، حتى وقعت الهزة الساعة الرابعة فجراً.

وبحسب البشابشة فإن نجله فيصل مكث تحت الأنقاض من الرابعة فجراً حتى إخراجه بعد 19 ساعة، مؤكداً أنه أصيب برضوض ويتلقى العلاج في المستشفى.

 

لاعب الرائد

وتقول صحيفة ميرور البريطانية، إنه عُثر على الغاني كريستيان أتسو، اللاعب السابق لتشيلسي ونيوكاسل الإنجليزيين والرائد السعودي، على قيد الحياة، بعد أن حوصر تحت الأنقاض عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا.

وبحسب الصحيفة البريطانية، أنقِذ اللاعب من تحت الأنقاض ونُقل إلى المستشفى بعد تعرضه لإصابات في قدمه اليمنى، ويعاني صعوبة في التنفس.

 

هل تحركت تركيا 3 أمتار؟

مختصون محليون ودوليون في علم الزلازل، قالوا إنه يبدو أن تركيا تحركت 3 أمتار إلى الجنوب الغربي، خاصة هيكل المنطقة الحدودية بين الصفيحة العربية والصفيحة الأناضولية أو التركية.

وقال رئيس المعهد الوطني والجيوفيزيقية والبراكين الإيطالي كارلو دوغ ليوني، إن كل هذا حدث في عشرات الثواني، بعد أن بلغت قوة الزلزال 7.8 – 7.9 على مقياس ريختر، مشيرًا إلى أن هذه الحركة حدثت في 30 – 40 ثانية.

 

ماذا عن سوريا؟

رغم القصص المأساوية التي خلفها الزلزال المدمر، فإن هناك مقاطع مصورة تحمل حياة جديدة لأجساد صغيرة غطاها الركام.

ففي بلدة جنديرس شمالي سوريا، انتشل سكان وعمال إنقاذ رضيعة ولدت بأعجوبة تحت الركام، وبقيت متصلة عبر حبل الصرة بوالدتها التي قُتلت بعدما دمر الزلزال منزل العائلة.

الصغيرة رأت النور يتيمة، بينما قُتل أفراد أسرتها جميعاً: والدها عبدالله المليحان ووالدتها عفراء مع أشقائها الأربعة، إضافة الى عمتها.

 

روح تحت الأنقاض

ويقول أحد أقارب العائلة ويدعى خليل السوادي لـ«فرانس 24»: «كنا نبحث عن أبو ردينة (خليل) وعائلته، وجدنا أولاً شقيقته ثم عثرنا على أم ردينة وكان هو قربها»، مضيفًا: «سمعنا صوتاً عندما كنّا نحفر، سبحان الله(...) نظفنا التراب لنجد الطفلة مع حبل الصرة، قطعناه وأخذها ابن عمي الى المستشفى».

وفي مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مجموعة من الرجال فوق ركام مبنى مدمر، بينما يهرول رجل من خلف جرافة صفراء وهو يحمل الرضيعة عارية إلا من طبقة من الغبار الممزوج بالدماء غطت جسدها الهزيل الذي تدلى منه حبل الصرة.

ووسط حرارة متدنية، يعلو صوت رجل في خلفية الفيديو يطلب إحضار سيارة لنقلها إلى المستشفى بينما يركض آخر فوق الركام ويرمي بطانية ملونة للفّها وسط تدني الحرارة التي لامست الصفر.

وبعد ساعات من البحث والعمل المضني بإمكانات ضئيلة، تمكن الإنقاذ وسكان من إخراج جثث العائلة، بينما تتلقى الرضيعة العناية الطبية في مستشفى بمدينة عفرين المجاورة أقصى شمال محافظة حلب.

ويقول الصحفي محمد قزموز، في تصريحات لصحيفة الغارديان، إنه فر مع أسرته في ظلمة ما قبل الفجر، حين هز الزلزال مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، مضيفًا: «شاهدنا مبنى ينهار بكل من داخله، كان قد تعرض لقصف القوات الحكومية الروسية والسورية خلال الحرب».

قرموز أمضى 12 ساعة مع أعضاء منظمة الخوذ البيضاء السورية التطوعية الإنسانية، بمحاولة للمساعدة في انتشال جثث الرجال والنساء والأطفال من المباني المنهارة في حيه.

ناجٍ آخر في سوريا، يدعى أسامة عبدالحميد، قال إن عائلته كانت نائمة عندما بدأ الزلزال، قائلًا: «انهارت الجدران فوقنا، وبدأ ابني الصراخ وتجمّع الناس حولنا، وعلموا بوجود ناجين، وأخرجونا من تحت الأنقاض».

 

توقف المساعدات

وتقول المتحدثة باسم الأمم المتحدة إن تدفق مساعدات المنظمة المهمة من تركيا إلى شمالي غرب سوريا توقف مؤقتاً بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق ومشكلات لوجستية مرتبطة بالزلزال العنيف الذي ضرب البلدين.

المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماديفي سون سوون قالت: «بعض الطرق معطلة والبعض الآخر لا يمكن الوصول إليه. هناك مشكلات لوجستية تحتاج إلى حل».