توبيخ أمريكي وتحذير صيني.. ما فرص الصدام العسكري بين واشنطن وبكين؟
أمريكا والصين وجهًا لوجه في سنغافورة... حوار ساخن تخيف نتائجه العالم

السياق
تنديد وتوبيخ وتحذير، توترات جعلت اجتماع حوار شانغريلا في سنغافورة، مواجهة قوية بين وزيري الدفاع الأمريكي والصيني، ما دق جرس إنذار من سيناريوهاته، خاصة مع تأزم الأوضاع بين القوتين العظميين.
فمن قضية تايوان، مرورًا بتحليق منطاد صيني فوق الولايات المتحدة أواخر عام 2022، إلى حادثتين بين القوات الأمريكية والصينية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي خلال الأيام الماضية، إضافة إلى القيود التي فرضها الرئيس الأمريكي جو بايدن على صادرات رقائق أشباه الموصلات إلى الصين، قضايا جعلت العلاقات الصينية الأمريكية في أسوأ حالاتها.
تلك القضايا ألقت بثقلها على حوار شانغريلا في سنغافورة، الذي تحول إلى مواجهة بين وزيري دفاع البلدين، وأثار مخاوف من اندلاع حرب عالمية بينهما، أو أن يتسبب التوتر في تأزيم عدد من الملفات.
فماذا حدث؟
بعد يوم من تصريحات قوية لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، دخل وزير الدفاع الصيني لي شانغفو، على خط المواجهة، بتحذيرات، رد فيها الصاع إلى نظيره الأمريكي، قائلًا إن المواجهة بين الصين وأمريكا ستكون كارثة لا يمكن للعالم أن يتحملها.
وفي كلمة ألقاها خلال حوار شانجري-لا الأمني في سنغافورة، قال وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو –الأحد- إن عقلية الحرب الباردة عادت في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مشيرًا إلى أن بلاده تسعى إلى الحوار لا المواجهة.
واتهم الوزير الصيني بعض الدول، بتكثيف سباق التسلح والتدخل عن عمد في الشؤون الداخلية للآخرين، في إشارة إلى الولايات المتحدة، مضيفًا: «عقلية الحرب الباردة عادت الآن، ما يزيد المخاطر الأمنية بشكل كبير... يجب أن يعلو الاحترام المتبادل على البلطجة والهيمنة».
وحذر وزير الدفاع الصيني من إقامة تحالفات عسكرية شبيهة بحلف شمال الأطلسي، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
لي أكد أن «المحاولات الهادفة إلى تعزيز تحالفات شبيهة بحلف شمال الأطلسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسيلة لاختطاف دول المنطقة وتضخيم الصراعات والمواجهات، الأمر الذي لن يؤدي سوى إلى إغراق منطقة آسيا والمحيط الهادئ في زوبعة من النزاعات والصراعات».
وفي محاولة من الصين لعدم إغلاق باب الحوار مع أمريكا، قال الوزير الصيني: «منطقة آسيا والمحيط الهادئ تحتاج إلى تعاون مفتوح وشامل، وليس إلى تجمع في مجموعات صغيرة. يجب ألا ننسى الكوارث الخطيرة التي سببتها الحربان العالميتان لشعوب العالم، ويجب ألا نسمح لهذا التاريخ المأساوي بأن يعيد نفسه».
ولم يذكر لي أي دولة بالاسم، لكن تصريحاته تستهدف -بشكل ضمني- الولايات المتحدة التي عززت تحالفاتها وشراكاتها في المنطقة لمواجهة نفوذ بكين.
ورغم المحاولات الصينية، فإن وزير دفاع بكين هاجم إبحار سفينة حربية عبر مسار مدمرة أمريكية وفرقاطة كندية تعبر مضيق تايوان، قائلًا إن ما تسمى دوريات «حرية الملاحة» استفزاز للصين.
وفي أول خطاب دولي له، منذ أن أصبح وزيرا للدفاع في مارس الماضي، قال الجنرال لي، إن الصين ليست لديها أي مشكلة مع «المرور البريء، لكن يجب علينا منع محاولات استخدام تلك الحريات. الملاحة (الدوريات)، ذلك الممر البريء، لممارسة الهيمنة على الملاحة».
كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد وبخ الصين، بخطاب ألقاه في الاجتماع الأمني السبت، لرفضها إجراء محادثات عسكرية، ما يضع البلدين في طريق مسدود بشأن قضية تايوان والنزاعات على السيادة في بحر الصين الجنوبي.
وصافح لي، الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه عام 2018 بسبب مشتريات أسلحة من روسيا، أوستن في مأدبة عشاء الجمعة، لكن الأمر لم يتطور إلى مناقشات على نطاق أوسع، رغم المطالب الأمريكية المتكررة بمزيد من الحوار العسكري.
ماذا قال أوستن؟
كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، قد وبخ الصين في خطاب ألقاه بالاجتماع الأمني –السبت- لرفضها إجراء محادثات عسكرية.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في المنتدى نفسه –السبت- إن واشنطن لن «تتوانى عن مواجهة التنمر أو الإكراه» من الصين، مشيرًا إلى أنها ستواصل الإبحار والتحليق فوق مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، لتأكيد أنهما مياه دولية ومواجهة مطالب بكين الإقليمية الكاسحة.
واستخدم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خطابًا بأكبر مؤتمر أمني في آسيا، للتحذير من أن الصراع على تايوان «سيؤثر في الاقتصاد العالمي بطرق لا يمكننا تخيلها» وكرر دعوات لمزيد من التواصل بين الجيشين الأمريكي والصيني.
وقال أوستن بحوار شانغريلا في سنغافورة السبت: «لا تخطئ: الصراع في مضيق تايوان سيكون مدمرًا. للعالم كله مصلحة في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان، والعالم. يعتمد عليها أمن ممرات الشحن التجارية وسلاسل التوريد العالمية»، بحسب «بلومبرغ».
وقال أوستن: «بالنسبة لقادة الدفاع المسؤولين، حان وقت التحدث في كل مرة، وحان الوقت المناسب للتحدث. إنني قلق للغاية لأن جمهورية الصين الشعبية كانت غير راغبة في الدخول بجدية أكبر بآليات أفضل لإدارة الأزمات بين جيشينا، لكنني آمل أن يتغير ذلك، وقريبًا».
جاء خطاب أوستن، بعد أن رفضت الصين مرارًا طلبات وزير الدفاع الأمريكي، لنظيره لي شانغفو، بإجراء محادثات في مؤتمر الدفاع.
وتطالب الصين الولايات المتحدة بإزالة العقوبات المفروضة على لي عام 2018، وهي خطوة نظرت فيها إدارة بايدن قبل استبعادها.
وقال مسؤول عسكري صيني: من المستحيل على لي وأوستن الاجتماع بالنظر إلى استمرار العقوبات، بحسب الوكالة الأمريكية.
توترات وأزمات
بعد هذه التصريحات بوقت قصير، قال مسؤول إن البحرية الأمريكية كانت تمر عبر الممر المائي بين تايوان والصين، وهو حدث تقليدي بعد الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي التي تعدها بكين أراضيها.
ونددت وزارة الدفاع الأمريكية –الأحد- بالتصرفات الخطرة بشكل متزايد للجيش الصيني في آسيا، بعد حادثتين بين قوات البلدين في الأيام الأخيرة.
وقال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر الذي يحضر مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مؤتمر سنغافورة: «ما زلنا نشعر بقلق إزاء الأنشطة الخطرة والإكراهية بشكل متزايد لجيش التحرير الشعبي في المنطقة، بما في ذلك خلال الأيام الأخيرة».
تأتي هذه التصريحات بعد حادثتين بين القوات الأمريكية والصينية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي خلال الأيام العشرة الماضية، بينما اتهمت البحرية الأميركية -السبت- سفينة صينية بالإبحار بشكل متعرج «خطير» حول إحدى مدمراتها التي كانت تبحر في مضيق تايوان مع سفينة كندية.
واتهمت واشنطن أيضًا طيار مقاتلة صينية بإجراء «مناورة عدوانية غير مبررة، قرب طائرة استطلاع أمريكية كانت تحلق فوق بحر الصين الجنوبي في 26 مايو الماضي»، غير أن الجيش الصيني قال إن الطائرة الأمريكية توغلت عمدًا في منطقة تدريب عسكرية صينية لإجراء عمليات استطلاع.
وفي اليوم نفسه، اعترضت سفينة حربية صينية مدمرة صاروخية موجهة أمريكية وفرقاطة كندية، أثناء عبورهما المضيق بين جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، التي تدعي الصين أنها أراضيها.
وتجاوزت السفينة الصينية السفينة الأمريكية، ثم انحرفت عبر قوسها على مسافة 150 ياردة بطريقة غير آمنة، وفقًا لقيادة المحيطين الهندي والهادئ الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، قالت الولايات المتحدة إن مقاتلة صينية من طراز J-16، قامت -أواخر الشهر الماضي- بمناورة «عدوانية غير ضرورية» أثناء اعتراضها طائرة استطلاع تابعة للقوات الجوية الأمريكية فوق بحر الصين الجنوبي، وحلقت مباشرة أمام مقدمة الطائرة.
وقد أثارت تلك الحوادث والتي سبقتها مخاوف من حادث محتمل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد بين البلدين، في وقت تصاعد التوترات.
ماذا يعني ذلك؟
نقلت «بلومبرغ» عن هي لي، وهو ملازم أول ونائب رئيس سابق لأكاديمية العلوم العسكرية في جيش التحرير الشعبي الصيني، قوله إن الولايات المتحدة «تدمر العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. الصين لن تأخذ أوامر أثناء صعودها السلمي».
وقال روري ميدكالف، رئيس كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية، إن أوستن «حافظ على موقفه ضد جهود الصين لتصوير أمريكا على أنها معزولة عن المخاوف الآسيوية، من خلال توخي الحذر -وليس الصراخ- بشأن المخاطر التي تشكلها الصين».
وقال هوو تشيو بينغ، المحاضر البارز في الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية بجامعة ماليزيا الوطنية: "دول جنوب شرق آسيا ستسعد -على الأرجح- بدعوة أوستن لحوار مفتوح مع الصين، إنه تأكيد يساعد في تقليل مخاطر الصراع".
ويُعقد مؤتمر سنغافورة مع دول في جميع أنحاء آسيا، تشعر بقلق متزايد من أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين لا يمكن إنهاؤها ويمكن أن تنتقل في النهاية إلى صراع.
وفي حديث غير رسمي على هامش القمة، قال ضابطان عسكريان صينيان، إن بكين تريد إشارات واضحة من واشنطن على اتباع نهج غير تصادمي في آسيا، وأن يشمل ذلك إنهاء العقوبات المفروضة على وزير الدفاع الصيني، قبل استئناف المحادثات العسكرية.
خطوات نحو الصين
في محاولة لمنع التوتر بين البلدين، وصل مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية إلى بكين –الأحد- لحضور اجتماعات مقررة هذا الأسبوع.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية -في بيان- إن مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي دانيال كريتنبرينك، سيناقش القضايا الرئيسة في العلاقات الثنائية خلال زيارته للصين.
وترافقه في الزيارة سارة بيران مديرة شؤون الصين وتايوان في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بحسب البيان، الذي قال إن اجتماعات كريتنبرينك الرسمية ستبدأ الاثنين، وسيتطرق خلالها لقضايا حقوق الإنسان، وسيواصل الدفاع عن الحريات الأساسية في الصين.