وسط أزمة اقتصادية... جولة ثانية من انتخابات البرلمان التونسي
نواب البرلمان الـ161 الذين سينتخبون، الأحد، ليس بإمكانهم دستوريامنح الثقة للحكومة ولا يمكن أن يوجهوا لائحة لوم ضدها، إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وفق ما قال أستاذ العلوم السياسية حمّادي الرديسي لوكالة فرانس برس.

السياق
بعد جولة أولى جاءت نسبة المشاركة فيها منخفضة، تشهد تونس الأحد دورة ثانية من الانتخابات التشريعية، التي دُعي نحو ثمانية ملايين شخص إلى المشاركة فيها، وسط استياء شديد من السياسة يشعر به المواطنون، الذين أثقلت الصعوبات الاقتصادية المتزايدة كاهلهم.
يتنافس 262 مرشحًا بينهم 34 امرأة في هذه الجولة التي تعتبر المحطة الأخيرة في طريق إصلاح انطلق منذ 25 يوليو 2021 بقرارات رئاسية استثنائية جمدت عمل البرلمان -قبل حله لاحقا- وأقالت رئيس الحكومة السابق الموالي للإخوان.
وفي يوليو 2022 أقِر دستور جديد إثر استفتاء شعبي، تضمن صلاحيات محدودة للبرلمان، مقابل تمتع الرئيس بأغلبية السلطات التنفيذية، ومنها تعيين الحكومة ورئيسها.
نواب البرلمان الـ 161 الذين سينتخبون الأحد، ليس بإمكانهم دستوريًا "منح الثقة للحكومة ولا يمكن أن يوجهوا لائحة لوم ضدها، إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس"، وفق ما قال أستاذ العلوم السياسية حمّادي الرديسي، لوكالة فرانس برس، إضافة إلى ذلك، لا يمكن عزل الرئيس أيًا تكن الأسباب.
ونُظّمت الدورة الأولى من الانتخابات النيابية في 17 ديسمبر، وسجلت نسبة مشاركة في حدود 11.22%، وهي أضعف نسبة مشاركة منذ ثورة 2011 التي أطاحت نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.
ويرى الخبراء أن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة جدًا، كما كانت في الدورة الأولى.
في المقابل، دعت الأحزاب السياسية المعارضة، وفي مقدمها حزب النهضة الإخواني، إلى مقاطعة الانتخابات.
حملة ضعيفة
بدت الحملة الانتخابية ضعيفة نسبيًا، إذ وُضِع عدد محدود من اللافتات والمعلّقات الانتخابية في الشوارع وعلى الطرق، لتقديم مرشحين أغلبيتهم غير معروفين للرأي العام التونسي.
وفي محاولة للتعريف بهم بشكل أفضل، سعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى مناظرات بينهم، بثها التلفزيون الحكومي، خلال ساعات ارتفاع نسب المشاهدة ليلًا.
لكن اهتمام التونسيين منصب على الوضع الاقتصادي والمشكلات الاجتماعية وغلاء المعيشة، الذي دفع كثيرين إلى الهجرة، سواء بشكل قانوني أم عبر قوارب الموت نحو أوروبا.
وانتُخِب سعيّد، أستاذ القانون الدستوري، عام 2019 بنحو 72% من الأصوات، ولعبت فئة الشباب دورًا مفصليًا في فوزه، لكن هذه الفئة لم تشارك -بشكل ملحوظ- في الاستفتاء ولا في الدورة الأولى للانتخابات النيابية.
ويواجه التونسيون تدهورًا حادًا في قدرتهم الشرائية، مع تضخم تجاوز 10% ويعانون نقصًا في المواد الغذائية الأساسية كالحليب وزيت الطبخ والسميد.
وضع مأساوي
تعبّر عائدة الثلاثينية، التي تعمل بائعة في متجر بالعاصمة تونس، عن رفضها الذهاب للانتخاب، قائلة لوكالة فرانس برس: "لماذا ننتخبهم؟ هم يفكرون في مصالحهم".
وأرسلت السلطات الليبية 170 شاحنة مساعدات غذائية، الأسبوع الماضي، عدَّها البعض "مذلّة".
ويرى الرديسي أن الوضع الاقتصادي "مأساوي"، وأن البلاد على "وشك الانهيار" و"الزيادة في الأسعار مصحوبة بنقص المواد الغذائية، بينما الرئيس يتهم المحتكرين والخونة" بالتسبب في الأزمة.
سخط
رغم "السخط العام" الذي تغذيه إضرابات متواصلة في قطاعات خدماتية عدة كالنقل والتعليم، "قد يتواصل الوضع الراهن طالما أن المواطن التونسي العادي لا يرى بديلًا للرئيس سعيّد"، بحسب الشريف.
أمّا المعارضة التي دعت الرئيس إلى الاستقالة، بعد نسبة العزوف الكبيرة عن التصويت، خلال الجولة الأولى من الانتخابات، فلا تزال منقسمة بدورها إلى ثلاث كتل مختلفة التوجهات: جبهة الخلاص الوطني، التي يتقدمها حزب النهضة، وحزب الدستور الحرّ بقيادة عبير موسي التي تدافع عن نظام الحكم ما قبل 2011، والأحزاب اليسارية.
ويترافق الغليان السياسي مع مأزق اقتصادي، يتمثل في مفاوضات حاسمة ومتعثرة مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض يبلغ نحو ملياري دولار، توقفت منذ أشهر.
ويبدو أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى إبطاء الحصول على هذا القرض، أهمها وفقًا للشريف "دور الولايات المتحدة"، اللاعب الأبرز في صندوق النقد الدولي، خصوصًا القلق بشأن الانجراف نحو الاستبداد في تونس.
بصيص الأمل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في "مبادرة الإنقاذ" التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة المركزية) القوي مع "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" و"هيئة المحامين" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" لعرض مقترحات على سعيّد للخروج من الأزمة.