مخدر الشيطان يتفشى في السودان.. انتشار مخيف وآثار طويلة الأمد

أول جرعة لهذا المخدر تجعل المتعاطي مدمنًا، إضافة إلى أنه يسبب كثيرًا من الجلطات القلبية والدماغية وهبوطًا في الدورة الدموية، وشللًا نصفيًا، ومشكلات في الكلى، وشعور بعدم النوم 5 أو 6 أيام، ورفع الشهوة الجنسية، ما أدى إلى كثرة الاعتداءات الجنسية مؤخرًا في البلد الإفريقي

مخدر الشيطان يتفشى في السودان.. انتشار مخيف وآثار طويلة الأمد

السياق

«الآيس، كريستال ميث، الشبو» مرادفات تنوعت لمخدر الشيطان، الذي يصنف بأنه من المخدرات قوية التأثير، سريعة المفعول، التي تعد فئة الشباب أكثر المستهدفين منها ومستخدميها في عديد المجتمعات.

فمن مصر مرورًا بتونس إلى السودان، الذي حل فيها مؤخرًا، كان مخدر الشيطان صاحب الصوت الأعلى في تلك البلدان وغيرها، ما استدعى حملات مجتمعية، بعد تداول مقاطع فيديو تظهر مشاهد للشباب في حالة هذيان، جراء تناولهم ذلك «الآيس».

وبينما مر مخدر الشيطان بمراحل عدة في عديد البلدان، إلا أن السودان كان محطته الأخيرة -حتى الآن- التي تسبب فيها بحالات ذعر بين المواطنين، ما دفعهم إلى الانتفاضة ضد ذلك المخدر، بحملات مجتمعية، للتوعية بآثاره والتحذير من تبعاته.

فمن «الحق ولدك» مرورًا بـ«الحق بنتك» إلى «الحق بلدك» حملات عدة انتشرت في السودان، خلال الفترة الأخيرة، لمحاصرة انتشار تعاطي مخدر الشبو، في البلد المأزوم اقتصاديًا وسياسيًا.

وبحسب المستشارة في علاج الإدمان بالسودان الدكتورة لبنى علي عبدالرحمن، فإن ذلك المخدر انتشر بشكل كبير في السودان، خاصة في ولاية الخرطوم وشرقي السودان.

انتشار مخيف

وعن سبب هاتين الولايتين، قالت لبنى عبدالرحمن، إن هناك كميات كبيرة من المخدر دخلت شرقي السودان، بينما يعد دخولها إلى ولاية الخرطوم ليس بالصعب.

وأشارت إلى أن السودان يعد منذ فترة معبرًا لدخول كثير من المخدرات، إلا أن لزيادة تداوله في الفترة الأخيرة أسباب، أبرزها أن هناك عملًا ممنهًجا وجهات تستهدف الشباب، إضافة إلى الفراغ والإحباط، يجعلهم يقبلون على ذلك النوع من المخدر الذي يمنحهم السعادة.

وفي تأكيد لتصريحات المستشارة في علاج الإدمان بالسودان، كشفت تقارير إخبارية محلية، عن ضبط المدير التنفيذي للتأمين الصحي بولاية سنار، أحمد علي الحسين، يحمل كمية من مخدر الآيس، مشيرة إلى أنه جرى ضبطه بمعبر النابتي، قادمًا من الخرطوم.

بدوره، قال عضو الحركة الوطنية للبناء والتنمية صالح ناصر، في تصريحات صحفية، تابعتها «السياق»، إن المخدرات أصبحت أداة لتفكيك فئة الشباب بالمجتمع.

وأوضح ناصر، أن المخدرات إحدى أدوات تفكيك أكبر فئة في نسيج الشباب، مشيرًا إلى أن المدمنين يلجأون إلى مخدر الشبو للهروب من الواقع، إلا أنه قال إن الوسيلة الأفضل للهروب من تلك الأزمات مواجهتها، وأشار إلى أن على الشباب السودانيين المكافحة لتغيير الواقع.

بينما قالت طبيبة سودانية، تدعى الدكتورة حميده سويكت، إن عددًا من الطلاب تواصلوا معها، وأخبروها بأن المخدرات تباع داخل وحول الجامعات بصورة مكثفة وبلا رقابة ولا استنكار من الإدارات أو الطلاب، مطالبة بضرورة التوعية كونها سلاحًا مهمًا، لمواجهة المخدرات.

بدوره، قال عضو لجنة الاستشاريين والاختصاصين الدكتور علاء الدين نقد، إن مراكز علاج مدمني المخدرات في السودان امتلأت بالمدمنين الراغبين في العلاج، مشيرًا إلى أن تلك المراكز غير قادرة على استيعاب مزيد من الحالات، ما دفع الأطباء إلى علاج الراغبين في منازلهم.

فماذا عن الشبو أو مخدر الشيطان؟

اسمه العلمي ميثامفيتامين، وهو أحد أعضاء عائلة أدوية الأمفيتامين. يُعرف بأسماء عدة أشهرها الثلج أو الكريستال ميث، وهو مادة خطيرة جدًّا تسبب الإدمان، ويرتبط بمشكلات صحية جسدية وعقلية مزمنة.

ومخدر الشبو محفز قوي للجهاز العصبي المركزي، وله قدرة عالية على السحب للإدمان، ويأتي على شكل «بودرة» بيضاء بلا رائحة، مرة المذاق، كريستالية الشكل، ويتسبب بإطلاق مستويات عالية من الدوبامين (مادة كيميائية في الدماغ مرتبطة بالسعادة).

أعراض الشبو

له رائحة قوية وطعم مر، يمكن حقنه أو تدخينه أو شمه أو ابتلاعه، ويذوب بسهولة في الماء، ينتج عنه شعور شديد بالاندفاع، يمكن أن يجعل الشخص يشعر بالثقة والحيوية، فضلًا عن زيادة الدافع الجنسي، وحكة وخدش الجسم، وسرعة ضربات القلب أو جفاف الفم والتعرق المفرط، ويمكن أن تستمر التأثيرات 12 ساعة.

بتعاطي مخدر الشيطان، يمنع المدمن من النوم لأيام، ويتسبب في الشعور الصداع أو جنون العظمة أو الهلوسة، أو الضيق الشديد والحزن.

وتتسبب الجرعات العالية المتكررة في نوبات من «الذهان»، تشمل الهلوسة والسلوكيات غير العادية أو العدوانية أو العنيفة التي يمكن أن تستمر أيامًا، إضافة إلى أن الجرعات المفرطة منه تؤدي إلى السكتات القلبية أو فقدان الوعي أو الوفاة.

تلك الأعراض، تحدثت عنها المستشارة في علاج الإدمان بالسودان الدكتورة لبنى عبدالرحمن، في تصريحات تلفزيونية، قائلة إن مخدر الشيطان جزء من الأمفيتامينات، مشيرة إلى أنها مواد مخدرة يضاف إليها كثير من السموم.

وأوضحت -في تصريحات تابعتها «السياق»- أن الخطورة في ذلك المخدر أنه يمكن تصنيعه في أي مطبخ عادي، مشيرة إلى أنه يأتي على شكل مواد بللورية باللون الأزرق أو اللون الفاتح.

وعن الآثار المخيفة، قالت إن أول جرعة لهذا المخدر تجعل المتعاطي مدمنًا، إضافة إلى أنه يسبب كثيرًا من الجلطات القلبية والدماغية وهبوطًا في الدورة الدموية، وشللًا نصفيًا، ومشكلات في الكلى، وشعور بعدم النوم 5 أو 6 أيام، ورفع الشهوة الجنسية، ما أدى إلى كثرة الاعتداءات الجنسية مؤخرًا في البلد الإفريقي.

أسعار مخدر الشيطان

يباع الغرام الواحد من المخدر بين 20 و30 ألف جنيه سوداني، (50 دولاراً أمريكياً) ، ويكفي الغرام الواحد لثلاث جُرعات ويستهلك في أقل من أسبوع.

وبحسب طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان في مصر عبدالرحمن حماد، فإن مخدر الشبو المميت يُطلق عليه مخدرات الشوارع، لرخص سعره وسهولة تصنيعه، مشيرًا إلى أنه بينما يصنع في معامل صغيرة، فإن المواد الأولية التي تتداخل في تصنيعه متوفرة، ما يجعل سعره في متناول معظم الشباب.

آثار طويلة الأمد

بحسب متخصصين، فإن الذين يستخدمون مخدر الشبو معرضون للإصابة بمشكلات جسدية، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد ومشكلات الأسنان ونزلات البرد وتيبس العضلات ومشكلات القلب والكلى، وقلة النوم وصعوبة التركيز والاكتئاب، بخلاف السكتات الدماغية.

وأكد متخصصون، أن مدمني الشبو يبدون أكبر سنًّا، وتصبح الأنشطة اليومية أقل متعة، بخلاف معاناتهم من تقلبات مزاجية سريعة والإصابة بالاكتئاب والتوتر بسهولة.

أما استنشاق مادة الميثامفيتامين بصورة متكررة، فيتسبب في نزف بالأنف ومشكلات الجيوب الأنفية أو تلف الأنف في بعض الحالات، ويزيد تعاطي المخدر بالإبر مخاطر الإصابة بالتيتانوس والالتهابات وتلف الوريد والتهابَي الكبد B وC وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).

ويقول طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان في مصر عبدالرحمن حماد إن العلاج من إدمان الشبو أو الآيس، يكون عن نفسيًا، مثل: العلاج المعرفي السلوكي، الذي يهدف لمعرفة الأفكار والمحفزات وتعلم كيفية تجنبها، عن طريق المكافآت التحفيزية، التي تستخدم قسائم شراء أو مكافحات نقدية صغيرة  للبقاء ممتنعًا عن التعاطي.

أستاذ علم الاجتماع في مصر سعيد صادق، يكشف في تصريحات صحفية، أسباب انتشار الشبو قائلًا: «هناك وسط عمالي يستخدمها ليتحمل العمل ل=ساعات طويلة ويكسب أموالًا أكثر، وهناك من يعتقد أنها ستحسن أداءه الجنسي، وآخرون ينجذبون لها من باب التجربة والفضول ومجاراة الأصدقاء المدمنين».

حدود منفلتة

وأشار إلى أن تلك المخدرات تهرب من دول منهارة اقتصادية ومنبوذة عالميًا، بينما تتغاضى سلطات تلك الدول عن عمليات تهريب تلك المخدرات لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

تلك التصريحات كان لها نصيب من الواقع، فالصحفية المختصة في الشؤون الاجتماعية هاجر سليمان تحدثت عن أن هناك «مافيا عالمية» وأجهزة مخابرات خارجية تستهدف السودان، مفسرة رؤيتها بقولها، إن الوضع الاقتصادي في هذا البلد ليس مشجعًا للربح من تجارة هذه المواد، كما أن السودان تحول لدولة مقصد لتدمير شبابه.

وأشارت إلى أن الحدود الشرقية مع إريتريا وإثيوبيا تعد مدخلًا رئيسًا لمخدري «الشاشمندي» و«الآيس»، إضافة إلى أن كميات أخرى تصل عبر البحر الأحمر من أفغانستان ولبنان بواسطة «مافيا» تملك أذرعًا متمددة داخل السودان.

وبحسب سليمان، فإن نتاج هذه التجارة تكون مبالغ ضخمة تحول لدولارات تُسلم للمافيا في عرض البحر وتُنقل إلى مخازن في ولاية كسلا شرقي البلاد، التي تحتضن 4 من أخطر تجار المخدرات يعملون على تسريبها للخرطوم وبقية الولايات بشكل متقطع.

وكان موقع سودان تريبيون، كشف في 29 ديسمبر الماضي، أن شرطيين أحبطوا تهريب كميات ضخمة من المخدرات على الحدود بين السودان وإثيوبيا، واشتبكوا مع مهربيها لكنهم لاذوا بالفرار، مشيرًا إلى أن المواجهة امتدت ست ساعات على الشريط الحدودي، ضُبط خلالها ألفا كيلوغرام من المخدرات داخل 32 هاتفا محمولًا في طريقها للخرطوم.

وبحسب مراقبين، فإن عمليات تهريب المخدرات لا يمكن أن تحدث بلا تسهيلات من جهات نافذة، ما يؤكد ضعف الدور الحكومي، الذي يعود إلى أسباب، بينها الاعتماد على قانون لا يعاقب التاجر ما لم تكن بحوزته مخدرات.

حملات لمكافحة المخدرات

مطلع يناير الجاري، أطلق رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، حملة قومية لمكافحة تعاطي وتداول المخدرات، التي أصبحت خطرًا داهمًا يهدد مستقبل الشباب.

وقال البرهان، في تصريحات صحفية، بثت -آنذاك-، إن هناك منظمات دولية قدمت دعمًا ماليًا لبعض التنظيمات الشبابية بغرض دعم قضايا الانتقال، مشيرًا إلى استغلال هذا الدعم في ترويج وتعاطي المخدرات بين أوساط الشباب.

ووجه البرهان بتشكيل لجان متخصصة على وجه السرعة للتعامل مع ظاهرة المخدرات، في إطار حملة وطنية كبرى تحت شعار سودان خال من الإدمان بنهاية عام 2023.

وأظهرت تقارير رسمية خلال عام 2022 دخول 13 ألف حالة إلى مراكز معالجة الإدمان، مشيرة إلى أن الإحصاءات تبين أن أعمار المترددين إلى المراكز تتراوح بين 14 و24 عامًا.