وول ستريت جورنال: بعد عقدين من الزمن... من الصعب تبرير حرب العراق

وصف الكاتب جيرارد بيكر، غزو العراق بأنه -القرار الأكثر معيبًا في السياسة الخارجية الأمريكية منذ تأسيس الجمهورية.

وول ستريت جورنال: بعد عقدين من الزمن... من الصعب تبرير حرب العراق

ترجمات - السياق

رغم مرور عقدين من الزمن على الغزو الأمريكي للعراق، فإن عدم إثبات التبرير الذي ساقه حينها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، بأن البلد العربي يمتلك أسلحة دمار شامل، يجعل من الصعب على الأمريكيين -الآن- الدفاع عن هذه الحرب أو تبريرها، وفق تحليل لصحيفة وول ستريت الأمريكية.

ووصفت الصحيفة، في تحليل للكاتب جيرارد بيكر، غزو العراق بأنه "القرار الأكثر معيبًا في السياسة الخارجية الأمريكية منذ تأسيس الجمهورية".

ومع ذلك يرى المدافعون عن الغزو أنه رغم أنه "كان قرارًا فوضويًا وسيئ التنفيذ" فإن العراق أفضل حالًا مما كان عليه في ذلك الوقت، والأهم من ذلك أنه لم يعد يُشكل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها.

كما يرون -وفق الصحيفة- أنه رغم أن الوفيات والإصابات بين الجنود الأمريكيين كانت مأساوية، فإنها كانت أقل كثيرًا مما خسرته القوات الأمريكية في كوريا أو فيتنام، ناهيك عن الحروب العالمية.

أيضًا، كانت التكلفة المالية صغيرة نسبيًا -ربما 100 مليار دولار سنويًا لمدة ثماني سنوات- أي أقل بكثير من 1% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، حسب ما نقلت الصحيفة الأمريكية عن المدافعين عن قرار الغزو.

علاوة على ذلك، يقول المدافعون، إننا نميل إلى رؤية هذه الأحداث من خلال منظور ثابت وليس ديناميكيًا للتاريخ، مشيرين إلى أنه "حتى لو لم تكن الولايات المتحدة قد غزت العراق عام 2003، من المحتمل أنه كان سيتكشف -على مدى السنوات العشر التالية- عنفًا رهيبًا في هذا البلد نتيجة قمع ثلثي السكان الشيعة على يد نظام صدام حسين".

إعلاميون أمريكيون روجوا لغزو العراق باتوا أكثر ثراءً ونفوذًا

مغالطة واضحة

وردًا على هذا الكم من التبريرات، يرى جيرارد بيكر أن الدفاع عن الحرب على أساس أن العراق لا يُشكل تهديدًا "مبني على مغالطة واضحة"، موضحًا أن الغزو كان ضروريًا لضمان هذه النتيجة.

وأضاف: "نعلم أن العراق لم يكن يمتلك أي أسلحة كيماوية، إذ إن الأمم المتحدة ظلت أكثر من عقد من الزمان تقوم بعمليات تفتيش متواصلة في جميع أنحاء العراق ولم تجد شيئًا".

وأشار بيكر إلى أنه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان التدقيق والاحتواء أكثر صرامة، مضيفًا: "هل نعتقد، بالنظر إلى ما كان يشهده في أفغانستان، أن صدام حسين سيكون مجنونًا بما يكفي لمهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها؟!".

واستطرد: "نعلم على وجه اليقين أن الحجة القائلة إن نظام التفتيش لم يكن كافيًا، كانت مقدمة لتبرير الحرب، لأنه كان على دعاة الحرب تقديم مزاعم قاتمة عن أسلحة الدمار الشامل".

وفي تحليله الجنائي لعام 2020، بعنوان "لبدء حرب... كيف ورّطت إدارة بوش أمريكا بالعراق؟"، يوثق الكاتب روبرت درابر بشكل منهجي حملة الخداع -بما في ذلك خداع الذات- التي اعتمدها المسؤولون حينها، حيث أشاروا إلى كل معلومة من المعلومات الاستخبارية، التي دعمت قضيتهم بشكل محموم ومُركز، ورفض أي أدلة تشكك فيها مهما كانت قوتها.

وفي كتابه تطرق درابر إلى الخدع التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، لإطاحة الرئيس العراقي حينها صدام حسين.

وقد وقع حدثان رئيسان عام 1998، أولهما إقرار الكونغرس "قانون تحرير العراق" وتوقيعه من قبل بيل كلينتون، الذي أيده المغترب العراقي أحمد الجلبي وحلفاؤه من المحافظين الجدد مثل بول ولفويتز، ليصبح بذلك أول خطوة رسمية في السياسة الأمريكية نحو إسقاط صدام.

أما الحدث الثاني، فكان تكوين الكونغرس "لجنة رامسفيلد" التي وفرت لوزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد وبول ولفويتز وغيرهما منصة رفيعة المستوى، لانتقاد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لافتقارها لبعد نظر بشأن الأخطار المحتملة التي تشكلها كوريا الشمالية وإيران والعراق.

ويستغرب بيكر في تحليله، تبريرات المدافعين عن تلك الحرب، بأن مئات الآلاف من العراقيين الذين ماتوا في هذا الصراع -الذي قادته الولايات المتحدة - كانوا سيموتون على أي حال، جراء أي صراع داخلي محتمل.

وتساءل: "ما نوع فراغ الضمير الذي يسمح بالربط بين مأساة تاريخية معروفة، وأخرى افتراضية بُنيت على استنتاج، ويضع لهما وزنًا أخلاقيًا متساويًا؟".

وبيّن أن تبرير الحرب فشل، رغم أنه -حتى الآن- لم تبدأ واشنطن تقييم التكاليف، بما في ذلك الضرر الذي لحق بسمعة أمريكا وقوتها الاستراتيجية.

ورأى الكاتب أن "روايات أسلحة الدمار الشامل الكاذبة، وأهوال سجن أبو غريب، وانتشار مصطلح (الاحتلال الأمريكي)، تسببت في القضاء على سلطة ومزايا ما بعد الحرب الباردة، والثقل الذي حققته الولايات المتحدة على مدى عقود".

 وأرجع الكاتب جميع الكوارث التي شهدتها المنطقة بعد غزو العراق وأبرزها: "صعود إيران، وصعود داعش، وفشل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الكارثي في سوريا"، إلى نتائج هذه الحرب بشكل أو بآخر.

غزو العراق وحشي وغير مبرر... زلة لسان تفضح جورج بوش

التاريخ البديل

وفي ما يخص محاولة وضع تاريخ بديل لنتائج هذه الحرب -بعيدًا عن تبريرات المدافعين- يقول بيكر في تحليله: "إذا كنا سنلعب لعبة التاريخ البديل، فلنفكر كيف يمكن أن تكون المنطقة مختلفة إذا كانت الولايات المتحدة قد استفادت من التضامن الاستثنائي بعد 11 سبتمبر لتعزيز أمنها على المدى الطويل، بدلاً من الغطرسة وعدم الكفاءة"، موضحًا أن الحرب تسببت في تسليم كثير من الأراضي إلى الإسلاميين الفاشيين والملالي الثيوقراطيين.

والأسوأ من ذلك -حسب الكاتب- الضرر الذي ألحقته الحرب بنسيج الديمقراطية الأمريكية، منوهًا إلى أن الشعب الأمريكي عاش في ظل رعب غير مسبوق من حكومته إبان الحرب، خصوصًا في ظل التهديد الوهمي للأسلحة النووية التي قد يستخدمها رجل له صلات وهمية بإرهابيي 11 سبتمبر، مشيرًا إلى أن الأمريكيين "وُعدوا بحرب ستكون نزهة يتبعها احتلال يستقبل فيه أبناؤهم وبناتهم بالحلويات والورد"، لكن ذلك لم يحدث.

وشدد الكاتب على أن ما سماها "هذه القلعة السحابية من الخيال" -اتهام صدام بصلته بالقاعدة وإمكانية ضرب البلاد بأسلحة نووية- تسببت في إلحاق ضرر لا يُحصى بروابط الثقة بين الأمريكيين وقادتهم على المدى البعيد.

ورأى أن هناك خطًا مباشرًا بين عمليات خداع الشعب الأمريكي بشأن الحرب وخيبة الأمل الشعبية الغاضبة من أداء القادة السياسيين الأمريكيين، التي أدت إلى صعود دونالد ترامب، ومن هذا المنطلق الإحجام الشديد الذي يشعر به عديد من الأمريكيين بشأن دعم أوكرانيا حاليًا.

وما زاد الأمر سوءًا -حسب الكاتب- أنه لم تكن هناك مساءلة لمهندسي هذه الحرب الكارثية، بل إن أغلبية المفكرين المزعومين الذين دافعوا عنها، مازالوا يلقون المحاضرات -بكل وقاحة- للشعب الأمريكي، بأن معارضة أمريكا في هذا الصراع "خيانة".

أمام ذلك، يرى بيكر أن "أفضل مسار لأولئك الذين دعموا هذه المغامرة الرهيبة -غزو العراق- الاعتراف بخطئهم المخزي أو على الأقل التزام الصمت".