تربُّح وانشقاقات وهروب إلى روسيا.. الأمريكيون من الدفاع عن أوكرانيا إلى استغلالها
انشق ماكنتاير إلى روسيا وظهر مؤخرًا عبر التلفزيون الحكومي، وقال إنه قدم معلومات استخباراتية عسكرية إلى موسكو

ترجمات - السياق
حالة من الجدل، صاحبت السماح لأمريكا وبعض الدول لـ"متطوعين" ممن لديهم الرغبة في القتال بأوكرانيا، فور الهجوم الروسي عليها، وهو ما صاحبته حملة إعلامية غربية تبين نبل الهدف وشجاعة المقدمين عليه، لكن ما بدا بعد ذلك كشف الصدمة الكبيرة، إذ إن هؤلاء الأمريكين تورطوا في أعمال أقل ما توصف بأنها "مفجعة"، وانشغلوا في صراعات داخلية وعمليات تربح، بل وانشق أحدهم إلى الجانب الروسي، ما فتح الباب أمام جدوى وأسباب وجودهم هناك.
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عما سمتها تفاصيل صادمة عن المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، خصوصًا الأمريكيين، مشيرة إلى أنه بعد مرور أكثر من عام على المعارك المحتدمة هناك، بات هؤلاء المتطوعون مشغولين أكثر بصراعات داخلية تعيق مشاركتهم في القتال.
وأشارت إلى أنه مع انطلاق الحرب بأوكرانيا في فبراير من العام الماضي، هرع آلاف المتطوعين من دول مختلفة -بينها الولايات المتحدة- إلى أوكرانيا للمشاركة في صد الغزو الروسي، مسلحين بوعود "الخبرة والمال والإمدادات"، إلا أنهم انشغلوا بأمور أخرى لا علاقة لها بسبب وجودهم هناك (قتال القوات الروسية).
وبينت الصحيفة أنه رغم إشادة الصحف المحلية في أوكرانيا بهؤلاء المتطوعين، ودعمهم بملايين الدولارات، خلال الأشهر الماضية، فإنه بعد مرور أكثر من عام من القتال، تحولت هذه المجموعات لتقاتل بعضها، وتتناحر في ما بينها للفوز بالنصيب الأكبر من المال أو الإمدادات المخصصة للحرب، ما قوَّض المجهود الحربي الأوكراني.
ووفق الصحيفة، فإن بعض هؤلاء تورطوا في إهدار المال أو سرقوا من الإمدادات، بينما توارى آخرون في "الأعمال الخيرية" للاستفادة من الحرب.
سجلات ووثائق
وبينت "نيويورك تايمز" أنها حصلت على وثائق وسجلات تزيد على 100 صفحة من مجموعات المتطوعين، كما تحدثت إلى أكثر من 30 شخصًا بين مقاتلين متطوعين وجامعي تبرعات ومانحين ومسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، لمناقشة المعلومات الحساسة التي وردت في تلك الوثائق، مشيرة إلى أن منهم من كشفوا أسماءهم، بينما فضّل آخرون الحديث إلى الصحيفة بشرط عدم كشف هويتهم.
وكشفت الوثائق أن بين المقاتلين الأمريكيين في أوكرانيا -وفق تقرير الصحيفة- عقيد متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية من ولاية فرجينيا، يخضع لتحقيق فيدرالي أمريكي، لاحتمال تورطه في تصدير تكنولوجيا عسكرية على نحو غير قانوني، وبينهم أيضًا جندي سابق في الجيش الأمريكي، وصل إلى أوكرانيا للقتال، لكنه خان رفاقه وهرب إلى روسيا.
تضمنت الوثائق أيضًا، قصة أمريكي آخر من ولاية كونيتيكت، كذب بشأن خدمته العسكرية في الجيش الأمريكي، وبات ينشر بثًا حيًا من إحدى ساحات المعارك في أوكرانيا، يبين موقعه، ويفتخر فيه بسهولة حصوله على الأسلحة الأمريكية.
بينما يعكف متطوع أمريكي آخر، كان عامل بناء، على وضع خطة لاستخدام جوازات سفر مزورة، لتهريب مقاتلين من باكستان وإيران للمشاركة في الحرب.
وفي واحد من أكثر الاختلالات التي تميز هؤلاء المتطوعين، تورط مقاتل متطوع من ولاية أوهايو -ادعى زورًا أنه كان جنديًا في مشاة البحرية الأمريكية- في صراع على القيادة بإحدى أكبر مجموعات المتطوعين في أوكرانيا.
وأوضحت الصحيفة أن هؤلاء الأشخاص وجدوا مكانًا لهم في جبهات القتال، للدفاع عن أوكرانيا، بسبب الدور الذي حددته الولايات المتحدة لنفسها في الحرب، حيث تلتزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإرسال السلاح والمال، لكنها لا ترسل قوات محترفة للمشاركة في الحرب الأوكرانية.
هذا يعني -وفق الصحيفة- أن الذين لن يُسمح لهم في أي مكان بالاقتراب من ساحة معركة، تقودها الولايات المتحدة، وجدوا سبيلًا للنشاط في أوكرانيا، لملء فراغ غياب القوات الأجنبية الاحترافية، ما يسمح لهؤلاء بوصول غير مقيد إلى الأسلحة والمعدات العسكرية.
ومع ذلك، فإن كثيرًا من المتطوعين، الذين سارعوا إلى أوكرانيا، فعلوا ذلك بإيثار وتصرّفوا ببطولة، ومنهم من قاتل بضراوة ودفع حياته ثمنًا، بينما ناضل آخرون لحماية ونقل ودعم المدنيين في خطوط المواجهة، ونشط قطاع ثالث في جمع التبرعات التي ذهبت إلى الجيش الأوكراني.
ولكن في أكبر حرب برية بأوروبا منذ عام 1945، لا يمكن التمييز بين المتطوعين المدربين وأولئك الذين يفتقرون إلى المهارات أو الانضباط، ما يمنح الفرصة لأشخاص للاستفادة من الحرب، في جني الأموال أو تحقيق مصالح خاصة.
خداع وخلافات
كشفت المقابلات التي أجرتها "نيويورك تايمز" سلسلة من أعمال الخداع والأخطاء والخلافات، بين المقاتلين المتطوعين في أوكرانيا، أدت إلى إعاقة حملة التطوع، التي بدأت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير 2022، عندما أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نداءً، يطلب فيه من أصدقاء أوكرانيا الذين يرغبون في الانضمام إلى القتال دفاعًا عنها، أن يأتوا إلى البلاد، مؤكدًا أن أوكرانيا ستمنحهم أسلحة لذلك.
لكن كييف التي كانت تتعرض لهجوم وقصف مستمر، لم تكن تملك الوقت ولا الإمكانات، لفحص المتطوعين الوافدين لتلبية دعوة الرئاسة الأوكرانية للقتال بجانب الجيش، لذلك أصبح الذين لديهم ماضٍ إشكالي، بما في ذلك من يملكون سجلات عسكرية ملفقة، في قلب فيلق المتطوعين بالجيش، وكوكبة من مجموعات المتطوعين الأخرى.
وحسب الصحيفة، فإنه عند سؤال الجيش الأوكراني عن هذه المشكلات، لم يتطرق إلى قضايا محددة، لكنه قال إنه كان مستنفرًا بشكل كبير، لأن العملاء الروس حاولوا -بانتظام- التسلل إلى مجموعات المتطوعين.
ونقلت عن أندري تشيرنياك، ممثل المخابرات العسكرية الأوكرانية، قوله: "لقد حققنا في هذه الحالات وسلمناها إلى وكالات إنفاذ القانون".
وروت الصحيفة الأمريكية، قصة متطوع أمريكي آخر، يدعى جيمس فاسكيز -يعمل مقاولًا بولاية كونيتيكت- سلَّطت بعض الصحف الضوء عليه، قبل انضمامه إلى صفوف المقاتلين، بأنه رقيب سابق في الجيش الأمريكي، ترك وظيفته وعائلته وحمل بندقية وحقيبة ظهر إلى خط المواجهة.
إلا أن فاسكيز، منذ ذلك الحين، نشر مقاطع فيديو لساحة المعركة عبر الإنترنت، وبث في إحدى المرات الموقع الدقيق لوحدته للجميع عبر الإنترنت بما في ذلك الخصم، كما استخدم "قصته" لطلب التبرعات من شتى أنحاء العالم.
ويقول فاسكيز عن نفسه، في مقطع فيديو لجمع التبرعات: "كنت في الكويت خلال عاصفة الصحراء، وكنت في العراق بعد 11 سبتمبر 2001"، وأضاف: "هذه معركة مختلفة تمامًا".
لكن متحدثة باسم البنتاغون قالت لـ"نيويورك تايمز": فاسكيز، في الواقع، لم يرسل إلى الكويت ولا العراق ولا لأي مكان آخر، وكان تخصصه في إصلاح خزانات الوقود والكهرباء، بل إنه لم يترك الجيش، وهو يحمل رتبة رقيب كما ادعى، لكنه كان يحمل أدنى رتبة قبل رحيله.
ومع ذلك -حسب الصحيفة الأمريكية- كان وصول فاسكيز إلى الأسلحة، بما في ذلك البنادق الأمريكية سهلًا، لدرجة أنه قال في أحد فيديوهاته، إن البنادق التي حصل عليها كانت جديدة، وإنه يمتلك كثيرًا منها.
ووصل به الأمر -في لقاء سابق مع "التايمز" البريطانية- لادعائه أنه قاتل ضمن كتيبة دافنشي وولفز، وهي كتيبة يمينية متطرفة أوكرانية، لكن عندما واجهته الصحيفة بكذب ادعاءاته، ألغى على الفور تنشيط حسابه في "تويتر"، وقال إنه قد يغادر أوكرانيا لأن السلطات اكتشفت أنه يقاتل بلا عقد عسكري مطلوب.
ورغم أن المسؤولين الأوكرانيين أشاروا -بداية الحرب- إلى وجود نحو 20 ألف متطوع في الفيلق الدولي، فإن من جُندوا بالفعل أقل من هذا العدد بكثير، ووفق "نيويورك تايمز" التي نقلت عن مطلعين، فإن عدد أفراد الفيلق الدولي نحو 1500 متطوع فقط.
الفرار إلى روسيا
وانتقلت "نيويورك تايمز" -وفق الوثائق التي حصلت عليها- للحديث عن جون ماكنتاير، وهو جندي سابق من الدرجة الأولى في الجيش، طُرد من الفيلق لسوء سلوكه.
لكن الأمر لم يتوقف عند الطرد، وإنما انشق ماكنتاير إلى روسيا وظهر مؤخرًا عبر التلفزيون الحكومي، وقال إنه قدم معلومات استخباراتية عسكرية إلى موسكو.
هناك أيضًا مالكولم نانس، عالم التشفير السابق في البحرية، معلق قناة (إم إس إن بي سي)، الذي وصل إلى أوكرانيا العام الماضي، ووضع خطة لإرساء النظام والانضباط في الفيلق، إلا أنه بدلًا من ذلك، أصبح متورطًا في إشاعة الفوضى.
ورغم مغادرة نانس أوكرانيا، فإنه مازال يواصل جمع الأموال، بدعوى تقديم الدعم للحرب.
وحسب الصحيفة، فإنه مع توقف الإمدادات العسكرية إلى الفيلق الدولي الأوكراني، يبحث رايان روث، وهو عامل بناء سابق من جرينسبورو بولاية نورث كارولاينا، عن مجندين بين الجنود الأفغان الذين فروا من طالبان.
ويقول روث -الذي أمضى أشهرًا في أوكرانيا العام الماضي- إنه يعتزم نقل عدد من المتطوعين -ولو بشكل غير قانوني- من باكستان وإيران إلى أوكرانيا، مشددًا على أن عشرات أبدوا اهتمامهم بالانضمام إلى صفوف المقاتلين في أوكرانيا.
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أيضًا، قصة متطوع أمريكي آخر يدعى غرادي ويليامز -وهو مهندس متقاعد يبلغ من العمر 65 عامًا وليس لديه خبرة عسكرية- مشيرة إلى أنه تفرغ لجمع الأموال من متطوعين من جمهورية جورجيا.
وأوضحت الصحيفة، أن ويليامز نجح في جمع قرابة 16000 دولار، وأخبر المانحين بأن أموالهم سيشتري بها دراجات نارية كهربائية للمقاتلين.
الأمثلة على الأموال المهدرة في أوكرانيا، باتت شائعة، ومن ذلك "مريا ايد" وهي مجموعة يقودها مقدم كندي، أعلنت أنها أنفقت نحو مئة ألف دولار من أموال المتبرعين على أجهزة رؤية ليلية أمريكية الصُنع عالية التقنية، إلا أن الوثائق الداخلية أظهرت -في ما بعد- أن هذه الأجهزة كانت نماذج صينية أقل فاعلية.
والربيع الماضي، قالت مجموعة متطوعة تدعى "أبطال ريبلي" إنها أنفقت قرابة 63 ألف دولار على أجهزة الرؤية الليلية والبصريات الحرارية.
لكن الصحيفة الأمريكية، تبين أن بعض هذه المعدات تخضع لقيود التصدير الأمريكية لأنها -إن وقعت في الأيدي الخطأ- يمكن أن تمنح الأعداء ميزة في ساحة المعركة.
وأعلنت المجموعة أيضًا أنها أنفقت نحو 25000 دولار على سيارات استطلاع تعمل بالتحكم عن بُعد العام الماضي، لكنها لم تصل، كما تظهر سجلات الشحن