الهند تخطط للترويج لدبلوماسيتها الرقمية خلال رئاستها لمجموعة العشرين

تتبنى الهند طرقًا جديدة للدفع عبر الهاتف المحمول، يستخدمها جميع المواطنين تقريبًا، من بائعي جوز الهند وصولًا إلى أكبر فندق فخم في العاصمة.

 الهند تخطط للترويج لدبلوماسيتها الرقمية خلال رئاستها لمجموعة العشرين

ترجمات – السياق

تخطط الهند لاستغلال رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام -سبتمبر المقبل- لدعم قطاع الخدمات الرقمية المحلي، كما تجري محادثات مع دول أخرى لتصدير مبادرات مثل نظام المدفوعات الخاص بها إلى الخارج، الذي يهدف إلى تسهيل المعاملات عبر الحدود للهنود بالخارج، ما يعزز الاقتصاد الهندي، من خلال تسهيل تدفق التحويلات والتجارة مع الجالية الهندية عالميًا.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن أميتاب كانط مبعوث الهند لمجموعة العشرين، قوله إن البلاد، التي تصنف نفسها بأنها رائدة في العالم النامي "ستقدم عروضًا خاصة لبنيتها التحتية الرقمية في اجتماعات وزراء المالية ووزراء تكنولوجيا المعلومات واجتماعات أخرى هذا العام".

وأشارت الصحيفة إلى أنه من خلال مخطط للبنية التحتية الرقمية يطلق عليه "الهند ستاك" -وهو مشروع طموح لإنشاء منصة برمجيات موحدة لجلب سكان الهند إلى العصر الرقمي- تعرض السلطات والشركات الهندية خدمات، من التأمين الصحي إلى التجارة الإلكترونية لمواطنيها، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.

ولفتت إلى أنه في حين أن عديدًا منها لا يزال في المراحل الأولى، فإن بعض المبادرات، مثل نظام تحويل الأموال لواجهة المدفوعات الموحدة، انطلقت، مع مليارات المعاملات شهريًا.

وتتبنى الهند طرقًا جديدة للدفع عبر الهاتف المحمول، يستخدمها جميع المواطنين تقريبًا، من بائعي جوز الهند وصولًا إلى أكبر فندق فخم في العاصمة.

ويعود هذا التحول في المقام الأول إلى سياسة شيطنة الأوراق النقدية الهندية التي فُرضت عام 2016، عندما سُحبت الأوراق النقدية الرئيسة من التداول لمكافحة غسل الأموال.

 

التشغيل البيني

ونقلت "فايننشال تايمز" عن مسؤولين هنود، قولهم، إنه كجزء من هذه الحملة الدبلوماسية الرقمية، اتصل بنك الاحتياطي الهندي وشركة المدفوعات الوطنية الهندية، وهي شركة مدعومة من الدولة تدير نظام الدفع الفوري المعروف باسم (أوبي)، بدول أخرى لجعل أنظمة المدفوعات الخاصة بها "قابلة للتشغيل البيني" مع التكنولوجيا.

ويسمح نظام الدفع "أوبي" الذي أُطلق في الهند عام 2016، للمستخدمين بتحويل الأموال في الوقت الفعلي مباشرةً من حساب مصرفي إلى آخر، ويستخدمه اليوم قرابة 260 مليون شخص في دولة يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة.

وتعد واجهة الدفع الموحدة أوبي "بنية تحتية عامة رقمية"، وقد صُممت من شركة المدفوعات الوطنية الهندية، وهي نظام يدمج أكثر من 300 بنك ويتيح خدماته عبر أكثر من 60 تطبيقًا للهواتف المحمولة، مثل "غوغل باي" و"أمازون باي" إلى جانب تطبيق الدفع الهندي الشهير "باي تي إم".

وبحسب الصحيفة، فإن النقد لا يزال يحتل الصدارة في الهند، إلا أن ذلك لم يمنع البلاد من تحقيق قفزة هائلة، من حيث رقمنة اقتصادها، ففي غضون 6 سنوات، أصبح "أوبي" طريقة الدفع الرقمية المفضلة للهنود، متفوقًا على بطاقات الخصم والائتمان.

وفي الربع الثاني من عام 2022، أجريت 17.4 مليار معاملة عن طريق "أوبي"، بزيادة قدرها 118% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وفقًا لتقرير شركة وورلد لاين الفرنسية المتعددة الجنسيات المتخصصة في خدمات الدفع عبر الإنترنت.

وبحسب أميتاب كانط الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة الأبحاث "نيتي أيوغ"، فإن "الحكومة والقطاع العام عمِلا على بناء أسس نظام فوري مفتوح المصدر، من شأنه تمكين القطاع الخاص من الابتكار والمنافسة في السوق".

وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف المباشر لهذه الجهود تسهيل المعاملات عبر الحدود للهنود في الخارج، ما يعزز الاقتصاد من خلال تسهيل تدفق التحويلات والتجارة مع الجالية الهندية الكبيرة.

لكن الرئيس التنفيذي لمؤسسة المدفوعات الوطنية في الهند، ديليب أسبي، كشف أن الهند تريد أيضًا ترخيص أنظمتها للدول النامية، في آسيا وإفريقيا، لاستخدامها المحلي.

وقال أسبي للصحيفة البريطانية: إن الاضطراب الناجم عن جائحة الفيروس التاجي، سلَّط الضوء على أهمية "البنية التحتية للدفع الرقمي المحلية الفعالة وذاتية الاكتفاء".

وحسب الصحيفة، تتبنى دول مثل سنغافورة والإمارات العربية المتحدة ونيبال بالفعل عناصر البنية التحتية للمدفوعات في الهند.

وقال أحد المسؤولين: إن الهند تقترب أيضًا من قرابة 10 دول تضم جاليات هندية كبيرة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وهونغ كونغ والمملكة العربية السعودية وقطر وعمان.

وتولت الهند رئاسة مجموعة العشرين من إندونيسيا العام الماضي.

 

مواجهة الصين

وترى "فايننشال تايمز" أن محاولات الهند لاستغلال رئاسة مجموعة العشرين، للترويج لمشروع "الهند ستاك" عنصر مهم في دفع القوة الناعمة التي يتبعها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، حيث تسعى نيودلهي إلى تقديم نفسها كقوة ديمقراطية وتجارية لموازنة صعود النفوذ الإقليمي الصيني.

وتعليقًا على ذلك، يقول كانط: "تأتي أغلبية الابتكارات من الجزء المتقدم من العالم، إذ تجلت في غوغل و فيس بوك وميكروسوفت، وظهرت كذلك في شركتي تينسنت و علي بابا الصينيتين"، مشيدًا بالبنية التحتية الرقمية في الهند، مؤكدًا أنها "نموذج شامل"، ومن ثمّ يمكن أن تكون بديلًا للتكنولوجيا العالمية.

عام 2019، أشادت "غوغل" بهذا "النموذج الهندي"، وأوصت بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأن يستلهم من نموذج أوبي للدفع.

وأضاف كانط: "لقد جاء هذا الابتكار من سوق ناشئة، وقد ضمن ذلك وجود منصة عامة"، واصفًا إياه بأنه "طريقة لتغيير حياة المواطنين"، متابعًا: "لا يتعلق الأمر بجني الأموال".

وحسب الصحيفة، يتكون مشروع "الهند ستاك" من بعض الطبقات التي تنشئ الهوية الرقمية، والبعض الآخر الذي يوفر الخدمات المالية وخدمات البيانات.

فإلى جانب مخططات مثل "أوبي"، التي أطلقت عام 2016، هناك مخطط الهوية الرقمية "أدهار" الذي تأسس قبل نحو 13 عامًا ويرتبط بالقياسات الحيوية للفرد.

يذكر أن نظام التعريف الرقمي "آدهار"، يستخدمه 1.3 مليار هندي، وقد ساعد نظام الهوية القائم على البصمة، الذي يعين لكل حامل بطاقة رقمًا فريدًا مكونًا من 12 خانة، في زيادة حسابات الهاتف المحمول والحسابات المصرفية الرقمية، بينما وجدت شركات الاتصالات والمؤسسات المالية أنه رخيص ومن السهل التحقق من العملاء من خلاله.

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن هذه الشبكات "قابلة للتشغيل البيني"، ما يعني أنه يمكن للشركات الخاصة ومقدمي الخدمات العامة الاستفادة منها لتقديم كل شيء، بدءًا من القروض المصرفية إلى الدورات التدريبية عبر الإنترنت، لافتة إلى أن الهند استخدمت هذه البنية التحتية لإدارة لقاحات وشهادات كورونا.

لكن ساتيش مينا، وهو محلل تقني مستقل، قال إن تبني هذه الشبكات المترابطة "لم يجر بصورة طبيعية".

وأضاف أنها تنتقل من أعلى إلى أسفل، ومن ثمّ يتعين على الحكومة والجهة التنظيمية طرح المنتج للجمهور.

وأوضح أن حجم الهند يمكن أن يجعل ذلك خيارًا جذابًا في الخارج، مستشهدًا بعدد من المشاريع التي بدأت صغيرة في الداخل، وكبرت، وتطورت، ثم انتقلت إلى الخارج، وحققت نجاحات كبيرة.

ومع ذلك، إلا أن الصحيفة البريطانية، ترى أن مبادرات مثل "آدهار" أثارت جدلا كبيرًا، إذ يقول المدافعون عن الخصوصية إنها تمنح السلطات والشركات صلاحيات مفرطة لجمع البيانات من دون إشراف كافٍ، لافتة إلى أنه لا يوجد في الهند قانون لحماية البيانات، لكنها قدمت مسودة منقحة من شأنها الحد من كيفية استخدام الشركات للبيانات الشخصية.

ومن المقرر أن يلتقي زعماء دول مجموعة العشرين بنيودلهي في سبتمبر، في الوقت الذي من المتوقع أن يدخل فيه ثلث اقتصادات العالم في ركود، وتستمر الحرب الروسية على أوكرانيا بلا هوادة، وتعاني البلدان أزمة ديون عالمية.