المصالحة المصرية التركية... ماذا ينتظر الشرق الأوسط؟ 

جودت كامل: أنقرة تطمع في الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط

المصالحة المصرية التركية... ماذا ينتظر الشرق الأوسط؟ 

تقرير: حسن حمدي سليم

"هناك هندسة جديدة للمشهد السياسي، لاسيما في الشرق الأوسط، ومعادلات كبرى تعاد كتابتها، وتغيرات دراماتيكية بعلاقات القوى، التي تحرك المشهد في الإقليم، مثل مصر والإمارات والسعودية وبقية العالم".

بهذه الكلمات الموجزة، وصف د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الوضع في الشرق الأوسط، الذي يشهد تغيرات جذرية، ترسم خريطة سياسية جديدة، في إطار مصالحات شاملة، تصدرها اتفاق مصري تركي، لعودة العلاقات الطبيعية والترتيب لعودة السفراء، وكذلك للقاء بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان.

عودة العلاقات، سبقتها مغازلة مسؤولين أتراك رفيعي المستوى للقاهرة، ووصفوها بقلب الوطن العربي وعقله، إضافة إلى ذلك دفعت كارثة الزلزال مسار المصالحة إلى الأمام، لاسيما بعدما زار سامح شكري وزير الخارجية المصري تركيا، كنوع من التضامن مع البلد المنكوب.

التقارب الحالي بين القاهرة وأنقرة، يرى المحلل السياسي التركي جودت كامل أنه كان متوقعًا، نظرًا للعلاقات التاريخية والثقافية التي تربط الدولتين من ناحية، والتطورات الأخيرة التي تشهدها تركيا وتضعها في موقف صعب اقتصاديًا وسياسيًا من ناحية أخرى.

 

"صفر أزمات خارجية"

يشير الأكاديمي المصري طارق فهمي، في تصريحات خاصة لـ "السياق" إلى أن عودة العلاقات بين مصر وتركيا، تمر بمراحل تدريجية، تصل ذروتها بلقاء رئاسي مرتقب يُتوقع عقده عقب الانتخابات الرئاسية التركية، حال فوز أردوغان.

ويضيف أن أردوغان يسعى لدخول الانتخابات الرئاسية بـ "صفر أزمات" مع دول الإقليم الكبرى مثل مصر والإمارات والسعودية.

ويوضح المحلل السياسي التركي جودت كامل، في تصريحات خاصة لـ " السياق"  أن الرئيس رجب طيب أردوغان يسعى -منذ سنتين على الأقل- إلى التصالح مع الدول الإقليمية الكبرى،  في مسار عودة العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر، وأنه اتخذ خطوات جادة لذلك.

"في ما يخص القاهرة فقضية الإخوان كانت جوهرية بالنسبة لها، ووافقت تركيا على طلباتها وأغلقت معظم القنوات وطردت إعلاميين مشهورين ينتمون إلى الجماعة"... يقول كامل. 

 

اختلافات وتطمينات

عودة العلاقات بين البلدين المُطلين على البحر المتوسط، بعد أكثر من عقد من قطعها وتبادل طرد السفراء، تواجه اختلافات في الرؤى بشأن ملفات إقليمية، في مقدمتها سوريا وليبيا وشرق المتوسط، ورغم ذلك، هذه الاختلافات تزامنت مع تطمينات من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو.

" هناك اختلافات في بعض المسائل، لكننا قد نفكر بشكل مختلف ببعض الأساليب، ينبغي لنا العمل على خريطة طريق والتعاون بشكل أوثق، وسنواصل العمل في الفترة المقبلة"... هكذا قال وزير الخارجية التركي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري.

كذلك أكد تشاووش أوغلو أن البلدين معنيان بالسلام في سوريا وأنهما يتفقان في عديد من النقاط.

ويرى المحلل السياسي التركي جودت كامل، أن هناك تفاهمًا جيدًا بين الطرفين، وأنه حتى إذا كان هناك خلاف فلن يضر بمسار عودة العلاقات، وأن الطرفين سيحترمان رؤية بعضهما.

 

ملفان للحسم

يقول د. طارق فهمي، إن ملفي ليبيا وغاز شرق المتوسط، هما المطروحان على طاولة النقاش بين القاهرة وأنقرة، بينما تجاوز الزمن ملفات أخرى كالإخوان والاتفاقية الأمنية التي وقعتها تركيا مع ليبيا.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ "السياق" أن هناك توافقًا -إلى حد كبير- منذ فترة بين البلدين في ما يتعلق بالملف الليبي، ما ظهر في لهجة تركيا التي دعت للنقاش، بعدما رسمت مصر حدودها مع ليبيا من جانب واحد، ولم  تعترض وكذلك في دعوتها للانتخابات بليبيا، التي تدعو إليها القاهرة منذ سنوات.

وخلال المؤتمر الصحفي بين وزيري الخارجية المصري والتركي، قال تشاووش أوغلو إنه لا توجد خلافات كبيرة مع مصر في ملف ليبيا، وإنه اتفق مع نظيره المصري على العمل لحلّ الأزمة، في ظل وجوب أن تكون هناك انتخابات نزيهة وحرة وشفافة في هذا البلد.

وتتمسك القاهرة بسحب تركيا قواتها من ليبيا، وتعد ما يحدث هناك يهدد بشكل مباشر الأمن القومي لها، ما جعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يخرج في أوقات سابقة، مُحذرا من عبور أي قوات لخط سرت الجفرة بليبيا، واصفًا إياه "بخط أحمر".

 

مصالح مشتركة

منتدى غاز شرق المتوسط هو الآخر، ملف شهد كثيرًا من الشد والجذب بين الدولتين، حتى نجحت مصر في إقامة المنتدى عام 2019 وإقصاء تركيا بذكاء، بحسب وصف د. طارق فهمي، لكن بعد نحو 4 أعوام ونصف العام قد يختلف الأمر.

ويقول المحلل السياسي التركي جودت كامل لـ "السياق"، إن أنقرة تطمع في الدخول إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وفي سبيل ذلك قد تتراجع في بعض الملفات، مثل مشكلاتها مع اليونان، وقد تطلب من مصر التعاون في ذلك، وإن كان الانضمام ليس في يدها وحدها.

" من الوارد أن تدخل تركيا منتدى شرق المتوسط، رغم الأزمات التاريخية بين تركيا من جانب واليونان وقبرص من جانب آخر، فهناك كثير من القمم الدولية التي تجمع دولًا على غير وفاق، والمنتدى نفسه يضم إسرائيل وفلسطين"... يقول فهمي.

لكن الأكاديمي المصري يرى أنه من غير المرجح أن تقحم القاهرة نفسها في الصراع التركي اليوناني، الذي فشلت واشنطن وحلف الناتو في حله، مشيرًا إلى أن مصر أوضحت لقبرص واليونان أن عودة العلاقات مع أنقرة لن تكون على حساب البلدين، وأن هناك مصالح مشتركة وفوائد متبادلة هي التي دفعت عجلة عودة العلاقات.

ورغم فتور العلاقات الدبلوماسية أكثر من 10 سنوات، فإن الأعمال التجارية لم تتوقف بين البلدين، وأصبحت تركيا عام 2022 أكبر مستورد للمنتجات المصرية بـ 4 مليارات دولار.

وقبل نحو شهرين أعلنت شركات تركية ضخ 500 مليون دولار كاستثمارات بمصر، التي تعاني أزمة الحصول على الدولار.