وثائق البنتاغون السرية... هل تتسبب بأزمة ثقة بين واشنطن وحلفائها؟

التسريبات أحدثت صدمة في أروقة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، لا سيما أنها لا تتعلق بوضع القوات الأوكرانية فحسب، بل تتضمن أيضًا وثائق بشأن تجسُس واشنطن على الأجهزة الأمنية في عدد من الدول.

وثائق البنتاغون السرية... هل تتسبب بأزمة ثقة بين واشنطن وحلفائها؟

ترجمات - السياق

طبقت حادثة "وثائق البنتاغون" المسربة، المثل الشعبي الشهير "زاد الطين بلة"، لتثير مخاوف من أن تقوض العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وأن تنهار الجبهة الغربية، التي شكلتها واشنطن وبدت موحدة، منذ بدء الحرب.

وعزت "فورين بولسي" هذه المخاوف إلى ما كشفته الوثائق من تفاصيل تتعلق بالوضع الحالي للجيش الأوكراني، ومدى حاجة القوات الأوكرانية للإمدادات العسكرية، وتسليطها الضوء على أوجه قصور الجانبين الروسي والأوكراني.

وتتضمن وثائق أعدتها "هيئة الأركان الأمريكية المُشتركة" بالتفصيل النقص الحاد في ذخيرة الدفاع الجوي للقوات الأوكرانية، بخلاف تراجع عدد الوحدات الأوكرانية في الفترة الأخيرة، وفق مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

ورغم تزايد احتمال عدم تأثُر أوكرانيا بهذه التسريبات، إذ لا تزال مستمرة في وضع الخطط العسكرية لشن هجوم في الربيع المقبل، على الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، فإن هذه التسريبات قد تؤدي إلى تراجع ثقة حلفاء الولايات المتحدة بقدرتها في الحفاظ على سرية المعلومات.

 

صدمة

ورأت "فورين بوليسي" أن هذه التسريبات أحدثت صدمة في أروقة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، لا سيما أنها لا تتعلق بوضع القوات الأوكرانية فحسب، بل تتضمن أيضًا وثائق بشأن تجسُس واشنطن على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لمعرفة نتائج المداولات التي تُجريها الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو مع الأحزاب السياسية، بشأن التعديلات القضائية التي تعتزم الحكومة إجراءها.

ونقلت عن خبراء ومسؤولين تأكيدهم، أن هذه التسريبات أبرزت عدم قدرة الولايات المتحدة في الحفاظ على سرية المعلومات الاستخباراتية.

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أنها تراجع وتقيم الوثائق السرية، التي بدأت على موقع التواصل "ديسكورد" في مارس الماضي، وأخذت وزارة العدل الأمريكية زمام المبادرة بفتح تحقيق في تلك المسألة.

ونقلت المجلة الأمريكية عن نائبة المتحدث باسم "البنتاغون"، سابرينا سينغ، قولها: "لقد بُذلت جهود مشتركة بين الوكالات الاستخبارية، تركز على تقييم التأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه الوثائق المصورة، في الأمن القومي للولايات المتحدة، وفي حلفائنا وشركائنا".

 

كبار القادة

‏وأضافت: "وزارة الدفاع تواصل مراجعة وتقييم صحة الوثائق المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يبدو أنها تحتوي على مواد حساسة وسرية للغاية".

بينما قال كريس ميغر، مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، إن المسؤولين الأمريكيين يحاولون معرفة حجم ونطاق التسريبات، مشيرًا إلى إطلاع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على تفاصيل هذه التسريبات الخميس الماضي، ومنذ ذلك الحين عقدت اجتماعات يومية لكبار مسؤولي "البنتاغون".

وبيّن أن الوثائق المتداولة على الإنترنت، تُشكل خطرًا جسيمًا جدًا على الأمن القومي، ولديها القدرة على نشر معلومات مضللة.

وأضاف ميغر: "ما زلنا نحقق في كيفية حدوث ذلك، لقد اتُخذت خطوات للاطلاع على كيفية نشر هذه المعلومات ووجهتها".

وأوضح مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، أن بعض هذه الصور والوثائق المتداولة "يبدو أنها تُظهر وثائق مشابهة في الشكل لتلك التي تُستخدم في تقديم تحديثات يومية لكبار قادتنا بشأن عمليات على صلة بأوكرانيا وروسيا، وأيضًا تحديثات استخبارية أخرى".

 

الأشد ضررًا

وفقًا لعديد من الخبراء العسكريين -تحدثوا إلى "فورين بوليسي"- فإن هذه التسريبات قد تكون الأكثر ضررًا وتأثيرًا في الأمن القومي الأمريكي، منذ عقد من الزمن، عندما سرّب عميل الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن وثائق سرية للغاية بشأن برامج مراقبة خاصة بوكالة الأمن القومي الأمريكي، لا سيما أن هذه الوثائق تقدم تفاصيل الجهود المبذولة من واشنطن لتدريب القوات الأوكرانية، ومعدلات إطلاق النار للأنظمة التي قدمتها الولايات المتحدة، مثل أنظمة المدفعية عيار 155 ملم، وفقًا لمعايير "الناتو" وأنظمة الصواريخ عالية الحركة الموجهة بدقة، المعروفة باسم هيمارس، التي استخدمتها كييف، وكان لها تأثير هائل في الخطوط الروسية، صيف وخريف 2022.

ونقلت المجلة عن مسؤولين أوروبيين سابقين، استبعادهم أن تؤثر التسريبات بشكل فوري في التخطيط العسكري الأوكراني، بما في ذلك هجوم الربيع المرتقب الذي طال انتظاره، بعد أشهر من الجمود.

 

منطق الحرب

وقال أرتيس بابريكس، الذي كان وزير دفاع لاتفيا حتى ديسمبر الماضي، ويرأس مركز سياسة شمال أوروبا "مؤسسة فكرية مقرها ريغا": "التسريبات قد تؤثر في بعض وجهات النظر العسكرية الأوكرانية ولكن ليس كثيرًا"، مضيفًا: "في النهاية، هناك منطق معين في الحرب، وأعتقد أن هناك إمكانية لحساب ما قد يحدث بشكل أو بآخر".

أظهرت التسريبات أرقامًا مغلوطة لعدد ضحايا الجيش الروسي مقارنة بنظيره الأوكراني، وهو ما أثار شكوك الولايات المتحدة في أن تكون موسكو هي التي تقف وراء هذه التسريبات.

وقال جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لأوروبا وحلف شمال الأطلسي: "لقد حصلوا على إحصائيات تستند إلى الوضع في فبراير الماضي، لكن هذه التسريبات قد تُحفز إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على توفير مزيد من أنظمة الدفاع الجوي لأوكرانيا، ما يعزز موقفها بأرض المعركة".

كانت إدارة بايدن قد حاولت -خلال الشهرين الأولين من عام 2023- تسريع تسليم أنظمة الأسلحة الرئيسة إلى أوكرانيا، بما في ذلك دبابات أبرامز وأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت، التي تعهدت بها الولايات المتحدة لكييف.

بينما أنهت الدفعة الأولى من القوات الأوكرانية التدريب على نظام باتريوت أواخر الشهر الماضي، ومن المتوقع أن تصل البطارية قريبًا، للمساعدة في رفع الضغط عن الدفاعات الجوية الأوكرانية المحاصرة.

ولكن مع تضاؤل المخزونات الأمريكية، فإن كثيرًا من المساعدات العسكرية، التي أعلنتها الولايات المتحدة لأوكرانيا الأسبوع الماضي في حزمة 2.6 مليار دولار، بما في ذلك مزيد من الذخيرة لأنظمة باتريوت وهيمارس، سوف تحتاج إلى تجهيزها من قِبل مقاولي الدفاع الأمريكيين قبل إرسالها إلى الخارج، ما يتطلب وقتًا.

 

تقليل الاهتمام

وأوضحت "فورين بوليسي" أن الحكومة الأوكرانية تحركت سريعًا، للتقليل من أهمية التسريبات وتشويه سمعتها.

ونقلت عن ميخايلو بودولاك، كبير مستشاري الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قوله إن الوثائق "تستند إلى قدر كبير من المعلومات الوهمية ولا علاقة لها بالخطط العسكرية لأوكرانيا".

وأشار إلى أن الجيش الأمريكي يساعد المسؤولين الأوكرانيين، في التخطيط لمناورات حربية للهجوم المضاد، الربيع المقبل، بقاعدة أمريكية في فيسبادن بألمانيا، وليس داخل الأراضي الأوكرانية كما تردد.

بينما أكد النائب الأوكراني أوليكسي جونشارينكو -في تصريح للمجلة الأمريكية- أن البرلمان الأوكراني لم يناقش -حتى الآن- قضية التسريبات، مؤكدًا أنها لن تأخذ أكبر من حجمها.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه رغم تزايد احتمال عدم تأثُر أوكرانيا بهذه التسريبات، حيث لا تزال كييف مستمرة في وضع الخطط العسكرية اللازمة لشن هجوم في الربيع المقبل على الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا، فإنها قد تؤدي إلى تراجع ثقة حلفاء الولايات المتحدة بقدرتها في الحفاظ على سرية المعلومات.

 

غير موثوقين

ورأت أن مؤسسات الأمن القومي الأمريكي لم تزل مصدومة من تداعيات هجوم سولارويندز الإلكتروني الضخم عام 2020، حيث اخترق المتسللون الروس شبكات أنظمة الكمبيوتر للوكالات الفيدرالية شديدة التحصين، حتى فوجئت بالتسريبات الجديدة.

تشير الوثائق أيضًا إلى جهود الولايات المتحدة، للتنصت على كبار المسؤولين الأوكرانيين، ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة بين واشنطن وكييف.

ونقلت المجلة الأمريكية عن ميك مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع السابق، خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الضابط السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قوله: "قد ينتهي الأمر بتصفية مصادرنا، حتى لا يخبروا حلفاءنا بأننا ربما نجمع معلومات عنهم، فهذا شيء يمكن أن يسبب مشكلات دبلوماسية كبيرة بين واشنطن وحلفائها الأوربيين".

ورأى بريت بروين، الدبلوماسي الأمريكي السابق، المسؤول في مجلس الأمن القومي، أن التسريبات الأخيرة ستعني على الأرجح أن "حلفاء الولايات المتحدة سيتشاركون المعلومات بمعدل أقل مع واشنطن، لقد أظهرنا -مرارًا وتكرارًا- أننا غير موثوقين في حماية بعض المعلومات الاستخباراتية الحساسة المهمة.