فايننشال تايمز: البرهان وحميدتي مصممان على القتال حتى النهاية
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أجرت مقابلتين منفصلتين، مع قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.

ترجمات – السياق
"هو المسؤول عن العنف وليس أنا"... هكذا تنصل كلا الجنرالين المتصارعين على السلطة في السودان، من مسؤولية سقوط ضحايا مدنيين، خلال الصراع المستمر ليومه السادس على التوالي، مشددين على أنهما لن يتراجعا عن القتال، حتى تحقيق كل منهما هدفه المنشود.
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أجرت مقابلتين منفصلتين، مع قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي".
وخلال المقابلتين، حمّل كل منهما المسؤولية للآخر في تدهور الأوضاع، ووصولها إلى حد الاقتتال المباشر، ورغم الأوضاع الإنسانية الصعبة، والنداءات الدولية المستمرة لوقف الاقتتال، فإنهما أكدا للصحيفة البريطانية أنهما مصممان على القتال حتى النهاية.
ووصف كل جنرال الآخر بـ"المجرم"، وحمّل كل منهما الآخر مسؤولية سقوط ضحايا مدنيين خلال الصراع.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن التصريحات بدت كأنها "حرب كلامية" تشير إلى أنه ليس هناك أي مجال للتسوية في معركتهم من أجل الفوز بسلطة ثالث أكبر دولة في إفريقيا.
هزيمة حميدتي
قال الفريق عبدالفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، الرئيس الفعلي للبلاد، إن قوات الدعم السريع تحاول الاستيلاء على السلطة، متهمًا إياها بارتكاب أعمال عنف عشوائية.
وقال للصحيفة البريطانية: "جزء كبير من قوات حميدتي خرج عن السيطرة"، محملًا إياها مسؤولية أعمال النهب الواسعة التي شهدتها العاصمة الخرطوم ومنطقة دارفور الغربية.
وبشأن مصير العملية السياسية في البلاد، قال البرهان: "سنستأنف الانتقال إلى المسار الديمقراطي بمجرد هزيمة قوات حميدتي".
وأكد أن الجيش ملتزم باستكمال العملية السياسية وفق الاتفاق الإطاري.
كما ألقى البرهان باللوم على حميدتي، في إثارة أزمة دبلوماسية مع دولة مجاورة، من خلال "اختطاف" مجموعة من الجنود المصريين، الذين قال إنهم كانوا في السودان في مهمة رسمية، كجزء من تدريب القوات المسلحة المشتركة.
واتهم البرهان، قوات الدعم السريع بالمسؤولية عن قتل موظفين في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومهاجمة قافلة للسفارة الأمريكية، وهي اتهامات تقول "فايننشال تايمز" إنه لا يمكن التحقق منها بشكل مستقل.
بينما أصر حميدتي على أن البرهان هو الذي "نشر الخوف بين الناس والضيوف والدبلوماسيين".
تقديم البرهان للعدالة
من جانبه، وصف محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، خصمه بأنه "زعيم عصابة راديكالية" تسعى إلى ترسيخ دكتاتورية عسكرية، متهمًا القوات المسلحة للبلاد باستهداف المستشفيات والمنشآت غير العسكرية.
وقال دقلو، المعروف باسم حميدتي، لصحيفة فايننشال تايمز من الخرطوم: "نحن على استعداد لتلقي الضربات، لكن عليه أن يتوقف عن استهداف المدنيين"، مضيفًا: "نسأل الله أن نسيطر عليه قريبًا، ونلقي القبض عليه ونسلمه للعدالة"، في إشارة الى البرهان.
وبسؤاله عما إذا كانت قواته ستنتصر، أجاب حميدتي: "لدينا استعدادات ولن نتراجع عن أهدافنا، وساحة المعركة ستحدد كل شيء"، مشيرًا إلى أن "البرهان ليس مستعدًا للانتقال للحكم المدني".
وعن وقف القتال الدائر في البلاد، أكد حميدتي أنهم "منفتحون على وقف أعمال العنف لكن البرهان لن يتوقف"، مشدداً على أن قواته "تسعى لاعتقال البرهان ومحاكمته".
وأضاف حميدتي: "لا نعارض من حيث المبدأ دمج قوات الدعم السريع في الجيش".
صراع وجودي
من جانبها، وصفت المحللة السياسية خلود خير، الاقتتال في السودان بأنه "صراع وجودي" لكلا الجنرالين، مستبعدة في تصريحات لـ "فايننشال تايمز" أن تُسفر الجهود الدولية عن نتيجة لوقف الصراع في القريب العاجل.
وهو ما اتفق عليه الخبير القانوني النيجيري تشيدي أودينكالو، مشددًا في تصريحات للصحيفة البريطانية، على أن أيًا من الرجلين لن يتوانى عن تحقيق هدفه المنشود، مضيفًا: "لن ينتهي القتال إلا بوجود أحد هذين الشخصين في السلطة وحده".
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه منذ اندلاع القتال السبت الماضي، فشلت محاولات الدعوة لوقف إطلاق النار لتقديم المساعدات الإنسانية، حيث اتهم كل طرف الآخر بسوء النية.
وخلال الصراع، قُتل ما لا يقل عن 270 شخصًا وأصيب 2600، وفقًا لوزارة الصحة السودانية.
بينما اقتُـرحت هدنة جديدة مدتها 24 ساعة تستمر حتى مساء الخميس، رغم أنه لم يتضح ما إذا كانت ستصمد.
وحسب الصحيفة، كان البرهان وحميدتي حليفين سابقين عام 2019 عند إطاحة عمر البشير، الذي حكم البلاد 30 عامًا.
ومنذ ذلك الحين - خاصة بعد انقلاب 2021 الذي أدى إلى عزل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك- شكلا تحالفًا غير مستقر، حيث شارك كلاهما في مفاوضات متقطعة مع القادة المدنيين بهدف "ظاهري" هو توجيه البلاد نحو الديمقراطية، حسب الصحيفة البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن أمجد فريد، مستشار رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، قوله: إن الجيش وقوات الدعم السريع متواطئون بالقدر نفسه، في أحدث جريمة سياسية بالبلاد، وهو "انقلاب 2021"، مشيرًا إلى أن "صراعهم الحالي معركة على الغنائم".
بداية الخلاف
وذكرت "فايننشال تايمز" أن الخلاف بين البرهان وحميدتي خرج للعلن خلال الأشهر الأخيرة، حيث حاول البرهان استيعاب قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، كجزء من الصفقة المدنية، وهي خطوة هددت بتحييد قاعدة نفوذ حميدتي المستقلة.
وقال حميدتي للصحيفة: "لم نعارض من حيث المبدأ ضم قوات الدعم السريع إلى القوات المسلحة النظامية".
وأضاف: "لقوات الدعم السريع دور محدد، ورغم ذلك فإنها لم ترفض الاندماج"، متهمًا البرهان بعدم استعداده لتنفيذ الاتفاق الإطاري، الذي كان من المقرر أن يمهد الطريق للحكم المدني.
وذكرت الصحيفة أنه بينما قال البرهان إن حميدتي يحاول الاستيلاء على السلطة، فإن قائد قوات الدعم السريع قال إنه ما زال منفتحًا على وقف الأعمال العدائية، وأضاف: "لا نعارض وقف القتال، لكن البرهان لن يتوقف".
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم خلفياتهما العسكرية، سعى الرجلان إلى تقديم نفسيهما على أنهما ديمقراطيان، مصرين على أنه يمكن إعادة الانتقال إلى الحكم المدني للمسار الصحيح بمجرد تحقيق النصر.
من جانبه، قال البرهان إن السودانيين يدعمون الجيش في مواجهة الدعم السريع، وإنه فور إلحاق الهزيمة بقوات دقلو يمكن استئناف الانتقال الديمقراطي.
وقال قائد القوات المسلحة: "الجيش ملتزم باستكمال العملية السياسية وفق الاتفاق الإطاري ونقل السلطة إلى حكومة مدنية".
في المقابل، اتهم حميدتي -الذي أبدى موافقة مبدئية على نقل السلطة إلى المدنيين- البرهان بالانحياز إلى الإسلاميين الراديكاليين المصممين على استعادة ديكتاتورية على غرار البشير.
وقال: "البرهان وعصابته من الإسلاميين وصلوا إلى السلطة وليسوا مستعدين للتخلي عنها".
ورغم اعتراف حميدتي بأن قوات البرهان تتمتع بميزة امتلاكها للقوات الجوية -قوات الدعم السريع ليس لديها طائرات- إضافة إلى المدفعية الثقيلة، فإنه أصر على أن الطرفين المتصارعين متساويان في ساحة المعركة.
كما نفى التكهنات الغربية بأنه يستعين بمقاتلين من مجموعة فاغنر الروسية "المرتزقة" ضمن صفوفه، ووصف هذه المخاوف بأنها "مجرد رهاب" للسودانيين.
ورغم أن "فاغنر" ساعدت في تدريب قوات الدعم السريع، من خلال القوات المسلحة السودانية قبل عام 2019، فإنه قال إنه أوقف التعاملات منذ أن وصفت وزارة الخزانة الأمريكية الجماعة بأنها منظمة إجرامية هذا العام.
وأضاف حميدتي: "كنت على علاقة جيدة بهم، لكن بمجرد معاقبتهم من قِبل واشنطن، طلبت من البرهان التعامل مع الاتحاد الروسي فقط".